الجمعة 2024/10/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 25.95 مئويـة
طاولة نقاش في مؤتمر السرد الخامس الرسائل بوصفها سردا.
طاولة نقاش في مؤتمر السرد الخامس الرسائل بوصفها سردا.
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

حمدي العطار

ما يكتبه العشاق من رسائل للتعبير عن مشاعرهم العاطفية لا تعد سردا وليس لها علاقة بالكتابة الابداعية، فقط الرسالة التي تكتب بقلم اديب والهدف منها ليس (خاصا) بل من اجل يبين المقدرة الابداعية في هذا النوع من (ادب الرسائل) لذلك سيكون تركيزنا متوجه الى الرسالة في الرواية لأنها توظف فنيا من اجل البناء الفني وكشف الاسرار المتنوعة وعلى الرغم من انها مرسلة لشخص واحد لكنها ستكون في متناول كل القراء وتؤثر بهم لذلك تعد مثل هذه الرسالة "بوصفها سردا"

يطلق عليه (أدب الرسائل) إذ تصبح الرسائل وسيلة تواصل بين شخصيات الرواية  الذي كثيرا ما  

نحن نهتم في هذا الموضوع  بالرسالة داخل الرواية وتكون جزء من السرد الروائي ، لأن الروائي حر في استخدام الاساليب الكتابية التي تخلق (الحبكة) الفنية المناسبة، ووجود الرسالة في الرواية يجب أن يكشف أشياء مهمة او اسرار لا يتم التطرق اليها في السرد او الحوار! وغالبا ما تكون الرسالة من شخص مسافر (اي بعيد) يصعب عليه تأمين الاتصال بمن يريد فيلجأ الى كتابة رسالة،او من سجين يصعب البوح بما يريد او من جندي مقانل في الخنادق الخطيرة وفي هذه الحالة يتحتم  ان تقنية السرد (بضمير المتكلم) اي ان السارد احدى شخصيات الرواية لذلك يضطر الكاتب الى استخدام الرسالة ويوظفها فنيا! اما اذا كان السارد هو الروائي اي السارد العليم فلا يحتاج اللجوء الى الرسائل!

النوع الثاني ان يكون المرسل هو قد مات ! وغالبا ما تحدث اثناء الحروب والاضطرابات ، وهنا يصح ان يكون السارد العليم او بضمير المتكلم في حالتين يمكن استخدام الرسالة بوصفها سردا.

الروائي "فلاح رحيم" في رواية (الشر الأخير في الصندوق) استخدم الرسالة لتكون مؤثرة في الشخصيات الرواية ، (المرسل ) كريم قاص وشيوعي وجندي يموت في الحرب العراقية الايرانية ! والمرسل اليه (زوجته علياء) ومنها تمتد تأثير الرسالة التي كتبها قبل ان يموت واوصى صديقه ورفيقه الجندي (شاكر فنون) ان لا يسلمها الى زوحته الا اذا مات! وبعد ان يموت تصل الرسالة الى زوجته علياء لكي تقرأ ما كتب لها كريم من مشاعر واحاسيس ونصائح لمن يبقى على قيد الحياة بعد ان يفقد شخصا عزيزا عليه وكانت ثيمة الرسالة التي وضعتها علياء في صندوق الذهب خاصتها هي بث التفاؤل على الرغم من غياب الامل والامان!تقول علياء لحبيبة زوجها في الجامعة هدى وبطلة قصصه "كنت محظوظة في أمر واحد. ترك لي كريم رسالة ساعدتني كثيرا. لم تصلني مباشرة بعد الوفاة ، قرأتها بعد نحو عام فكان وصولها أقرب إلى المعجزة. أن يكتب لي كريم بعد عام من وفاته ويحدثني عن موته وما يمكن أن يحدث بعده، أن يواسيني ويشد على يدي..كانت مفاجأة ان أنساها.تسألها هدى وهما في شقة علياء- كيف حدث ذلك؟ - تأكدي هدى أني لم أطلع أحدا على هذه الرسالة حتى الان. سليم – شقيق كريم- طلب مني قراءتها ولم أشعر أن ما فيها موجه إلى أي شخص سواي. الأن ، وانا أتحدث إليك، أشعر بأن هذه الرسالة تخصك كما تخصني وأن عرضها عليك سيقوي أثرها في نفسي..قالت وهي تخرج الرسالة من الصندوق

- كان هذا الصندوق ذهب النيشان ، وضعت الذهب في مكان آخر وقررت أن أحتفظ بالرسالة فيه فهي أثمن من كل ذهب الدنيا..ستجدين في الرسالة الذي جعلها تقدم لي بعض المواساة. لا أقول مواساة تامة.مرت بي أيام صعبة حتى بعد قراءتها، ولكني كلما عدت إليها قويت عزيمتي كأني ألتقي به مرة أخرى. كان المرحوم يتمنى شيئا ولم يكن يعلم أن أمنيته ستتحقق بعد الموت"ص265

وتطلع هدى والقراء على هذه الرسالة المؤثرة والحزينة "

"أم المعالي/ لا أحب كتابة الرسائل كما تعلمين، أحب وجها لوجه، عينا لعين، كف بكف" ويصف لها مكان الذي يعيش فيه وخطورة الموت الذي يقترب منه يوميا "المكان ببساطة أرض جرداء محاطة بالأسلاك الشائكة وحقول الألغام. بينما أكتب لك أسمع صفير الرياح وجقجقة الأوراق وأكياس النايلون العالقة بالاسلاك. تشيع في المكان رائحة عفن قال لنا الجنود القدماء هنا إنها لقتلى دفنوا على عجالة وبعشوائية" ثم يصف (الموضع) اي الخندق او الملجأ الذي يختبئ المقاتل فيه "وضعنا يسمى خانق بالمصطلح العسكري، أي أن القوات الإيرانية تحيط بنا من اليمين حتى المنطقة المقابلة لنا.وقد استغلوا هذه الخاصية فوضعوا بعض القناصة تحت بدن دبابة محترقة على مرتفع. مهمة هؤلاء اصطياد جنودنا في حال خروجهم لأي سبب. القنص مشكلة كبيرة هنا،بسببه نضطر إلى تناول طعامنا نيئا لأن الطبخ يعني اشعال النار،والمطبوخ الوحيد المتاح لنا قصعة متبلة بأتربة الطريق تصل بعد الغروب.بسبب القنص ايضا يضطر الكثير من الجنود التبول على الساتر القريب لكيلا يبتعدوا فينكشفوا أمام الخطر" ثم يكتب لها على خطورة الكمائن ومن يخرج فيها يكون (كبش فداء) والاجراء المعروف هو تنزيل أفراد الحضيرة المكلفة بهذا الواجب من القوة القتالية بأعتبارهم فدائيين مفقودين سلفا.في واجب الكمين هذا نودع أصحابنا على أساس أننا لن نعود ولكن الواجب يبقى يتكرر" اما عن سبب كتابته هذه التفاصيل فيقول كريم لزوجته "أتخيل أن موقفك الذي ستقرأين فيه الرسالة لن يقل عن موقفي هذا صعوبة.كلانا يواجه الموت نفسه ويحاول أن يمنع هذا الموت من القضاء على رغبته في الحياة.أعلم أنك ستقراين هذه الرسالة في حالة من الحزن واليأس، وهو حالي وانا أكتبها في هذا المكان اللعين. لن أكذب عليك فأقول لا تحزني وتمسكي بالأمل. الأمل كلمة كبيرة معقدة وشروطها صعبة، معها يحتاج الإنسان إلى بعض الثقة في أنه يمكن ان ينجح في تحقيق ما يأمل فيه. وأمام الموت لا أمل في هذه القدرة. أملي في النجاة من هذا المكان يكاد يكون معدوما كما هو أملك في عودتي وانت تقرأين هذه الرسالة. ولكن أمرا واحدا يثير دهشتي ويدعوني إلى الكتابة هو أنني بالرغم من فقدان الأمل وانغلاق الآفاق أشعر براحة غريبة حين ما افكر في ما يمكن أن أكتب إليك. راحة وثيقة الصلة بالأمل وإن كانت تخلو منه...اعتقد ان ما يمنحني الراحة شيء لا صلة به بالامل ربما هو التفاؤل . التفاؤل لا يحتاج إلى غايات وخطط وقدرات خارقة كالامل، هو حالة تخلقها قوة الارادة والإصرار على الحياة مهما كانت العقبات. ما أعنيه أن هناك من الاشياء ما لا يمكن لأي سبب أن يفسده حتى الموت...لا اريد أن اختم هذه الرسالة. كتابتها تخرجني من عالمي الموحش وتعيدني إليك.رباط الكلام، (التفاؤل أهم من الأمل)

 المرسل ابو المكارم

كنت اتمنى لو كتب الروائي فلاح رحيم رسالة كريم بإسلوب يختلف عن السرد في الرواية لكنه استخدم نفس الاسلوب في السرد وفي كتابة الرواية! كما كنت اتمنى ان اقرأ رسالة شاكر فنون رفيق كريم الذي لم يمت في الحرب وهو شاعر وفنان لكان التأثير على الحبكة افضل واعمق على الاخص ان شاكر فنون يتقدم للزواج من علياء ارملة رفيقه كريم بسبب ما موجود في الرسالة من معاني نبيلة وصادقة لكنها ترفض الأرتباط بإي رجل بعد فقدان حبيبها وزوجها كريم ويبقى العزاء بالرسالة التي كتبها كريم لها.

*رواية كلها رسائل

رواية (كرسي الرئاسة) او (عرش النسر) لكالورس فوينتس (انموذجا)

وهي رواية تتضمن سبعين رسالة يتفاوت حجمها بين صفحة او صفحتين وهي تكشف عن المزاج السياسي السائد في المكسيك، وكيف يتنافس الساسة ويتآمرون للوصول الى كرسي الرئاسة! تدور احداثها في المكسيك في سنة 2020 إذ يحرم المكسيك من كل وسائل الاتصال ومن هنا تشكل (الرسائل الورقية) كوسيلة لكشف ما خفي من أسرار ، وقد يكون شكلا من اشكال التوازن الذي يشعرنا بإن من نحب او يعز علينا قريب جدا منا ولو ان الوسائل الحديثة لختزلت فعل الشوق الذي كانت تجسده الرسالة من قبل وظيفتها التواصلية اذ اصبح في امكاننا ان نتحدث مع من نحب بالصورة والصوت عبر الفيسبوك وواتساب والماسنجر عن بعد كما لو كان قربنا! لذلك غواية الرسائل تراجعت وجوديا في الواقع الموضزعي في النص الابداعي!

• الشحصية الروائية عندما تكتب للاخر فهي تكتب إيضا عن نفسها ، عن أزمتها الوجودية العميقة، بحثا عن اي توازن .

• الرسالة بوصفها ذاتا لغويا ترسم الحالة الداخلية لما فيها في الحياة الموضوعية او الافتراضية، والشخصيات الروائية حتى لا تذوب في السرد بصريا وتبقى خصوصيتها اصبحت تكتب في النص .

• هناك نوعين:النص الرسائلي الكلي كما في رواية (عرش النسر) لكارلوس فوينتس الروائي المكسيكي، إذ يبنى النص كليا اما على الرسائل اذ يصبح السياسي خارج الخطابات التقليدية لكنه يمر عبر الحب والمداعبة التي تتجلى في الرسائل، ولتعميق سرية فعل ما نريد ان تقوله الرواية بشكل صامت ويكون الرهان في هذه الحالات أن تصبح الرسالة ضرورة تكشف خفايا الارواح او احلام البشر وانشغالاتهم العاطفية والانسانية

• النوع الثاني تكون الرسائل سندا حقيقا لاكتمال النص الروائي مثل رواية (العلاقات الخطرة) بييرشودرلو ديلاكو الروائي الفرنسي عام 1782 الذي اختار بناء قصة على 75 رسالة كتبها في ظرف اسبوع، وهي رواية تكشف وتفضح الانحرافات والانحطاط في الطبقة الارستقراطية قبل قيام الثورة الفرنسية ، والاغراءات في الرواية تأخذ نمط الرسائل المكتوبة من قبل مختلف الشخصيات

• وتعتمد القصة على الرسائل بين فالمونت وميرتوي بينا الرسائل مع ضحاياهم والشخصيات الاخرى تظهر النقيض في شخصياتهم وتمنح القصة عمقها.

المشـاهدات 65   تاريخ الإضافـة 06/10/2024   رقم المحتوى 54461
أضف تقييـم