النـص : تعوّدت أن تفتح باب بيتها وخيوط النهار تشق وجه الفضاء الراقد في ثبات ،تزحزح عنها خمارها قليلا ، تشرع يدها، وتبدأ في ابتهال ساذج، بما تفيض به قلوب الأمهات من حنان :" ربنا يهديك ويوقف لك أولاد الحلال ويكفيك شر نفسك " ،حافظت على دعواتها الصباحية فلم تهجرها ،أما هو ،فلم يكن ليعبأ لهذا ،ينفلت صوته المشروخ بعد نوبة سعال ، يذكرها بعلبة الدخان ،لم تذق " سنية " طعم الراحة منذ مات زوجها ، خرج المسكين للسوق ذات خميس ،لم يرجع يومها " زكريا " قال الشهود إن معركة حامية الوطيس دارت رحاها بين التجار ،انجلت عن جثته ،وثلاث طعنات ، وتقرير يقيد الحادث ضد مجهول .
هو أكبر أبنائها ، لكنها افرطت في تدليله كطفل غرير، تقول في ثقة ،وبريق أخاذ يشع من وجهها المجهد :" هو ابني ، ورجلي ، وسندي في الحياة " ، مع الأيام تركت له الحبل على الغارب، لم ترد طلبه ، حتى بعدما نضج وبلغ مبلغ الفتيان ،لم تتبع هواجس الأقرباء : " إن ابنك لم يعد صغيرا ،التدليل الزائد يفسد الصبيان " ،بقيت على عنادها ، بل وتمادت في أمانيها؛ فألقت بمدخرات البيت في يده ، تردد في خضوع :" هو رجل البيت ، لابد وأن يدير معاشنا " ، رجع " محروس " قبيل الفجر في حالة مزرية يترنح ، جعل يهذي في صراخ متصل ، مرتميا على الأرض؛ يضحك مرة ويبكي مرة ، تقدمت منه في استنكار ، لم يكن ابنها الذي تعرفه ،وجدت شخصا آخر تجهله ،صرخ في وجهها بفم ملء برغوة كريهة ، ارتدت خائفة ،هذه ليلته الأولى ، ولكنها لم تكن الأخيرة.
|