الأحد 2024/11/17 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 24.24 مئويـة
التشكيلي كريم جبار الساعدي : للتشكيليات حضور فاعل ومهم وواعد ومشرف في الساحة الفنية
التشكيلي كريم جبار الساعدي : للتشكيليات حضور فاعل ومهم وواعد ومشرف في الساحة الفنية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

   حاوره / علي صحن عبد العزيز

لوحاته مثيرة للجدل والدهشة ، بل متمردة على المألوف ، وتلك لغة متداولة تندلع مواجهتها من خلال اللون ، الفنان التشكيلي ( كريم جبار الساعدي ) يمتلك رؤية فلسفية واسعة تحلل خفايا اللون ومدى تأثيره وأين يستخدمه ، وكذلك هنالك ثيمة أخرى في أعماله بأنه يرسم بأحساس جميل مكتمل الجوانب فكرًا ومعنى.

(جريدة الدستور ) كان لها حوار معه حول النقد ومدى الدعم الحكومي للفن التشكيلي وكانت هذه الأجوبة الواردة.

* أبرز مقومات هوية التشكيل العراقي وارتباطها مع الإنسان ما بعد عام 2003 ؟

– أستمدت الحركة التشكيلية العراقية مقوماتها من تاريخ العراق المرتبط ، بتاريخ حضارته العريقة والقديمة سومر وبابل وأكد واشور ، لكن البعثاث الفنية التي ارسلت إلى أوربا لإكمال دراستها والتي تزامنت مع الحركات الفنية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية ، تأثر بها فنانوا البعثاث المرسلة مثل فائق وجواد وآخرون الذي بدورهم أسسوا معاهد الفنون وكلية الفنون ، واعتبروا الرواد في حركة التشكيل العراقي فترة النظام السابق سيس الفن وجعله تعبويا لخدمه اهدافه وحروبه ، إما بعد ٢٠٠٣ فلقد تحرر الفن.

* تسعى أغلب السلطات الحاكمة إلى تجنيد الفن التشكيلي إتجاه سياساتها هل ترى الهدف من وراء ذلك أستمالة هذه الطبقة الثقافية؟

– سبق وأن ذكرت بأن النظام السابق قد سيس الفن لصالحه وخدمة أهدافه ، فهيمن على جميع مفاصل الفنون السمعية والمرئية من مسرح وسينما والفنون التشكيلة ، وربطها بمسميات معرض الحزب واستمالة الطبقة المثقفة طوعًا أو أجبارا للمشاركة في مهرجاناته ومعارضه.

* لا يختلف أثنان على أن الفن التشكيلي لغة عالمية مشتركة بين الأمم ،كيف يمكن للمتلقي فهم تلك اللغة؟

– بلا شك الفن لغة عالمية مشتركة بين الشعوب ، وكل لغة لها أدواتها ورموزها المجردة ولها شفراتها وحسب استخداماتها ، وجميع المدارس الفنية تنظوي تحت ثلاثة مسميات الواقعي والواقعي المحرف واللا واقعي وهو التجريد الخالص الذي لا يمت الواقع المحسوس بأي صفة ، أما بالنسبة للمتلقين فهنالك ثلاثة أنواع الأول من الوسط الفني يعي العملية الإبداعية وما يسطره الفنان من شفرات مفتوحة وشفرات مغلقة ، والثاني متذوق للفن ومتابع للمعارض الفنية وقارئ للمدارس الفنية وملم بما يدور وما ينتج من أعمال فنية عالمية وعربية ، والثالث متلقي لا يعي أي شيء من العملية الفنية يدخل متفرج فقط تبهره بعض الأشكال والألوان ، يقف حائرًا أمام بعض الأعمال المرتبطة بالحداثة وما بعد الحداثة.

* ما هي الأسس الممكنة لتحريك إهتمام الجهات المعنية صوب فن التشكيل لكي يأخذ دوره على أفضل ما يرام؟

– أغلب الجهات المعنية في عراق ما بعد ٢٠٠٣ لا يهما سوى مصالحها السياسية وما تستحوذ عليه من وزارات ومطامع أخرى للأسف، وتنظر إلى الفن برؤيتها الخاصة ،فإذا أرادت إن تقربه إليها فهذا يصب في مصالحها السياسية وتسوقه في معارض مرتبطة بالمناسبات الدينية.

* كيف تنظر إلى أميبيا المهرجانات والمعارض التشكيلية والتي تقام هنا أو هنالك؟

– على الرغم من فوضويتها وبساطة مادتها الفنية وافتقارها إلى المعايير والأسس المتبعة في إقامة المعارض ، إلا أنها تعتبر حالة صحية تخدم العملية الفنية أفضل من لا شيء ، فهي تبعث رسالة إلى جمهورها بأن هناك رغم كل التحديات والظروف التي يواجهها البلد ، هناك شباب يرسم ويجب تشجيعهم وتوجيههم بفهم العملية بصورة صحيحة من خلال الدورات والندوات التوعوية المرتبطة بمسيرة الفن في العراق.

* كيف تقرأ واقع حضور التشكيليات ، فاعل ومؤثر أم ماذا؟

– للتشكيليات في الساحة الفنية حضور فعال ومهم وواعد ومشرف بدليل ظهورهن وبقوة في المعارض والمهرجانات والسمبوزميات.

* وصلنا إلى منتصف الأسئلة ، والمرأة نصف المجتمع ، ماذا تمثل إليك؟

– سر تطور اليابان وتقدمها اهتمامهم بتعليم المراة وإنهاء اميتها ، لأنها مربية للأجيال ، وهي تمثل لي السند الذي أعتمد عليه.

 * سيد الألوان في لوحاتك اللون الأحمر ، لماذا هذا التركيز؟

– الأحمر من الألوان الحارة التي تبعث على الحياة ، وأطول طول موجي فيزيائيًا ، وهو لون الحب والحياة ولون ثوري أرتبط بنضال الشعوب الثائرة ، أضف إلى ذلك هو لون ملفت للأنتباه.

* ما زال النقد يسير في معراج غامض ، وأغلب ما يكتب عبارة عن مديح وأطراء وخصوصًا للعنصر النسائي ، كيف تفسر هذه الانتقائية؟

– النقد الفني إذا كتب بيد الأختصاص فهو نقد علمي وممنهج وفعال ، خصوصًا الذين على دراية واسعة وكبيرة بتاريخ الحركة التشكيلية العراقية وبتواصل مستمر مع الفنانين ومتابعة معارضهم وتجاربهم الفنية وتطورها بين التجريب والتغريب وأرشفتها ،أما المحسوبين على النقد وهم لا يملكون أبسط أدواته ومعاييره وتملقاتهم فهم لايمتون بأي صلة للحركة الفنية ودفعها إلى الأمام.

 * أسلوب التخطيط الذي تمارسه ، أخاله أكثر إبداعًا من إستخدام الألوان الزيتية؟

– المخطط الجيد وهو بالضرورة ملون جيد وهذه بديهية ، ولا يصح العكس فهناك ملون جيد لكنه تخطيطه متواضع ، التخطيط مهم وفعال في بلورة الشكل والفكرة المراد تحويلها إلى عمل فني خلاق، أقرب إلى هو اللون وبتكنيك وحرفية التخطيط ، فهما وجهان لعملة واحدة، لا يمكن فصلهما حيث يمثلان توأم العملية الإبداعية في بلورة وصياغة الفكرة.

* واقع الحال هنالك ميول نحو المدرسة الواقعية من قبل الكثير من المتابعين ، إلا ترى بأن هذه اللون أقرب إلى مخيلتهم ، وأي المدارس التشكيلية تفضلها أنت ولماذا؟

– تبقى المدرسة الواقعية الأساس في الفن الاكاديمي وخصوصًا في دراسة الفن في معاهده وكلياته ، وكل الفنون تفرعت منها ، لانها تناغم جميع المستويات وهي تنقل الواقع لكن برؤية فنية يضيف إليها الفنان تقنية لونية تضفي سمة جميلة للواقع المحاكي ، وحاليًا في كل دول اوربا واميركا هنالك عودة إلى الواقعية وبشدة وتبقى الواقعية الأشتراكية من أجمل ما رسم في تاريخ الحركة التشكيلية العالمية.

 

 

 

 

التدفق الكوني والحركة الجوهرية

مقارنة بين ديفيد بوهم وصدر الدين الشيرازي"

الجزء الاول

 

حيدر الأديب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتب توم باتلر باودون موجزا رؤية ديفيد

" ان طريقة الانسان في رؤية الأشياء منفصلة أحدها عن الأخر وخلق تصنيفات لها عبارة عن وهم مطلق. والحقيقية ان خلق التصنيفات لها عبارة عن وهم. ان (الحقيقة في واقع الامر عبارة عن وحدة لا تنفصل). وجميع الظواهر ببساطة عبارة عن اضطرابات في هذا الكل المفرد "

 

هذا يعني بحسب هذا القول لا يوجد شيء بصورة منفصلة هذا فقط كان قبل استعادة استيعاب الشيء في الحركية الاشمل ان الشيء هو طاقة تشكيل متغيرة لا تاتي من تلقاء الفكر او الذاكرة وان ما يظهر لنا من شكل الشيء هو نظامه المفسر لحيثيته الانية ونحن ندركها لا خلاف في ذلك لكن ليس من مصدر مرجعيات الذاكرة والمواقع الماضية في التفكير بل من تدفق كوني كما يعبر ديفيد بويم

 

الفكرة التي يشير إليها ترتبط بنظرة شمولية لوجود الأشياء والظواهر باعتبارها جزءاً من حركة أعم وأشمل، وهذا يتسق مع ما يُعرف بـ"نظرية الحقل الموحد" أو "النموذج الكلي" الذي يُروّج له بعض الفلاسفة والعلماء مثل ديفيد بويم.

 

بويم يرى أن كل شيء في الكون ليس منفصلاً بذاته بل هو جزء من تدفق شامل، حيث يتداخل الشكل الذي يظهر به الشيء مع نظام أكبر. الفكرة الأساسية هنا هي أن الأشياء ليست ثابتة أو مستقرة، بل هي أنظمة متغيرة مستمرة في التشكيل. هذا التغيير ليس نتيجة لتفكيرنا أو استنادًا إلى الذاكرة أو الماضي فقط، بل يأتي نتيجة حركة طاقية كونية شاملة.

هذا الاتجاه يحاول تجاوز النظريات التقليدية التي ترى الأشياء على أنها مستقلة ومنفصلة بذاتها، وبدلاً من ذلك يركز على الترابط الكوني والحركي للأشياء. في هذا السياق، يمكننا التفكير في الإدراك البشري نفسه كجزء من هذه الحركة الشاملة، وهو ما يعني أن إدراكنا ليس عملية عقلية منفصلة بل جزء من تدفق كوني أكبر.

 

أهم النقاط في هذا الاتجاه:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • التشكيل المتغير: الأشياء تتشكل وتتغير باستمرار وليست ثابتة.
  • غياب المرجعية: المعرفة لا تأتي فقط من الذاكرة أو الماضي، بل من تدفق ديناميكي يشمل الكون كله.
  • الإدراك الحالي: ما ندركه الآن هو النظام الظاهر لحيثية الشيء، أي كيف يبدو لنا في لحظته الآنية.
  • الارتباط بالحركية الشاملة: الفهم الكامل للشيء يتطلب إدراك علاقته بالتدفق الشامل للطاقة في الكون.

 

بطبيعة الحال ديفيد بويم يُعد من أبرز المفكرين الذين دعوا إلى رؤية الكون ككل مترابط، حيث كل شيء يتأثر بكل شيء. يتبع هذا المنهج ما يُعرف بالـ "هولوغرامية" (Holism) أو النظرة الكلية للأشياء، والتي تتحدى النظريات التقليدية حول الفصل والتمييز بين الأشياء

 

ولكن جاء في ذات السياق مفكرون وفلاسفة آخرون يشاركون بويم هذا الرؤية وهم :

هنري بيرغسون، هيغل، توماس كون، وكارل بوبر، فريتجوف كابرا، كريشنامورتي، ألبرت أينشتاين، سنجد أن كل واحد منهم قد قدّم إسهامات فلسفية وفكرية تتلاقى أو تتقاطع مع رؤية ديفيد بويم بطرق متعددة، مع تفاوت في التركيز والمنهجية.

لنلقي نظرة موجزة على كل واحد منهم

 

1. هنري بيرغسون - التطور الخلاق (Creative Evolution):

بيرغسون كان له اهتمام كبير بفكرة التدفق والعملية المستمرة، وهو ما يُعد من السمات الرئيسية لرؤية بويم. في كتابه "التطور الخلاق"، يؤكد بيرغسون على أن التطور ليس عملية ميكانيكية أو حتمية بل هو تدفق مستمر وديناميكي للحياة. يُطلق على هذه القوة المحركة "الإيلاَن الحيوي" (élan vital)، وهي طاقة خلاقية تؤدي إلى تنوع أشكال الحياة. يرى بيرغسون أن الحياة تتكشف في الزمن من خلال تجربة فريدة وديناميكية، ولا يمكن تفسيرها بالكامل من خلال القوانين الميكانيكية.

 

التقاطع مع بويم: كلاهما يشدد على الطابع المتغير وغير الثابت للأشياء. بيرغسون ينظر إلى الحياة كعملية إبداعية تتجلى باستمرار، بينما بويم يتحدث عن التدفق الكوني للطاقة والتشكيل المتغير.

الاختلاف: بيرغسون يركز على الزمن كتجربة فردية وجوهرية، بينما رؤية بويم أكثر شمولية وتوجهًا نحو تكامل الفيزياء والفلسفة.

2. هيغل - علم ظواهر الروح (Phenomenology of Spirit):

هيغل في كتابه "علم ظواهر الروح" يرى أن الوعي البشري يتطور عبر مراحل متعاقبة من الفهم الذاتي والعالمي، وهو تطور جدلي (ديالكتيكي). يعتقد أن التاريخ ليس مجرد سلسلة أحداث بل هو عملية عقلية جدلية تتحرك نحو هدف نهائي، وهو تحقيق الوعي الكامل أو الروح المطلقة. بالنسبة له، كل مرحلة من مراحل تطور الوعي ترتبط بالمراحل التي تسبقها وتؤدي إلى مراحل لاحقة في إطار ترابط شمولي.

 

التقاطع مع بويم: هيغل وبويم يتشاركان في الرؤية بأن الكل يتجلى من خلال تدفق أو حركة شاملة. بويم يرى الكون كتدفق طاقي، وهيغل يرى الوعي البشري كتطور جدلي نحو الروح المطلقة.

الاختلاف: هيغل يركز على التطور الجدلي للعقل أو الروح، بينما بويم يركز على تدفق الطاقة والظواهر الفيزيائية كجزء من كون مترابط.

3. توماس كوهين - بنية الثورات العلمية (The Structure of Scientific Revolutions):

توماس كون قدّم في كتابه الشهير "بنية الثورات العلمية" نظريته حول أن التطور العلمي ليس تدريجيًا بل يحدث في قفزات نوعية عبر الثورات العلمية. عندما تواجه النماذج العلمية التقليدية مشاكل لا يمكن حلها، تحدث ثورة تؤدي إلى تغيير جذري في النموذج العلمي. هذه الرؤية تهتم بكيفية انتقال المعرفة العلمية من حالة إلى أخرى عبر سلسلة من الأزمات والثورات.

 

التقاطع مع بويم: رؤية كون تشترك مع بويم في أن المعرفة العلمية لا تتطور بشكل خطي، بل من خلال تغييرات كبيرة. مثلما يرى بويم الكون كتدفق متغير دائمًا، يرى كون أن العلم يتحول بشكل جذري خلال فترات من الأزمة والتغيير.

الاختلاف: كون يركز على التطور الداخلي للعلم نفسه، بينما بويم يتحدث عن ترابط كوني أكبر يشمل العالم الفيزيائي والوجود ككل.

4. كارل بوبر - منطق البحث العلمي (The Logic of Scientific Discovery):

كارل بوبر، في فلسفته حول القابلية للتكذيب، يرى أن العلم يتقدم من خلال دحض الفرضيات وليس إثباتها. العلم في نظره ليس نظامًا مغلقًا، بل مفتوحًا وقابلًا للنقد المستمر. يعتمد بوبر على فكرة أن الحقيقة لا يمكن الوصول إليها بشكل نهائي، وإنما يجب أن تُختبر وتُفحص باستمرار من خلال منهجية نقدية.

 

التقاطع مع بويم: بوبر وبويم يتشاركان في رفض الفهم الثابت والمطلق للأشياء. بويم يرى الكون كعملية ديناميكية تتشكل باستمرار، وبوبر يرى العلم كعملية نقدية مفتوحة على الدحض.

الاختلاف: بوبر يركز على النقد والتجريب كآليات لتحسين المعرفة العلمية، بينما بويم يُدخل البعد الكوني والفلسفي ليرى الأشياء كجزء من تدفق كوني شامل.

 

فريتجوف كابرا (Fritjof Capra): عالم فيزياء وكاتب فلسفي، ربط بين الفيزياء الحديثة وفلسفات الشرق القديم مثل الطاوية والبوذية. يرى أن الكون مترابط بشكل شامل، وأن الأنظمة الطبيعية تعمل كشبكة مترابطة ومتكاملة.

 

كريشنامورتي (Jiddu Krishnamurti): فيلسوف وروحاني هندي، تأثر به بويم شخصيًا. كريشنامورتي ناقش فكرة تجاوز الانقسام بين الذات والآخر، بين الفكر والواقع، وبين الماضي والحاضر. بالنسبة له، الإدراك الحقيقي يأتي من حالة من الوعي الخالص التي تتجاوز التفكير المألوف.

 

ألبرت أينشتاين (إلى حد ما): رغم أن أينشتاين لم يصل إلى نفس الرؤية الكلية التي تحدث عنها بويم، إلا أنه أشار إلى ترابط عميق بين الأشياء من خلال نظريته في النسبية، والتي غيرت الفهم التقليدي للمكان والزمان.

 

 

سياق واحد وزوايا مختلفة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الربط بين هذه الفلسفات وديفيد بويم يكشف أن هناك تلاقيًا في الرؤية حول الطابع المتغير والديناميكي للكون، سواء كان ذلك في تطور العلم (كما هو عند كون وبوبر) أو في تطور الحياة والوعي (كما هو عند بيرغسون وهيغل). ومع ذلك، أعتقد أن كل منهم يركز على زاوية مختلفة:

 

  • بويم وبيرغسون يتناولان الطبيعة الكونية والديناميكية للتشكيل والتطور.
  • هيغل وكون يركزان على تطور الفكر والعلم في سياق اجتماعي أو تاريخي.
  • بوبر يطرح أهمية المنهجية العلمية القائمة على النقد المستمر.

أرى أن كل من هذه الأفكار تكمل بعضها البعض، وأنه لا يمكن النظر إلى أي منها على أنها متناقضة بالكامل مع الأخرى. بويم يقدّم رؤية شاملة للطبيعة الكونية، في حين أن هيغل وبيرغسون يسهمان بفهم أكثر عمقًا للوعي والحياة. كون وبوبر، من جانبهما، يقدمان مداخل مهمة لفهم التغير في المعرفة العلمية، مما يعكس التدفق والتغير في مجالات الفكر المختلفة.

 

الانتقادات:

 

الغموض في الفهم: بعض النقاد يرفضون فكرة "التدفق الكوني" لأنها غامضة وصعبة التحقق علمياً. فالقول بأن الأشياء تتدفق في "حقل موحد" أو "تدفق كوني" قد يبدو غير محدد أو تجريدي للغاية بالنسبة للمنهج العلمي الذي يركز على القابلية للاختبار والتجريب.

 

الإفراط في التعميم: الفلسفات التي تعتمد على الهولوغرامية أو النظريات الكلية قد تُتهم أحياناً بأنها تُفرط في تبسيط العالم بتجنب التفاصيل التي تأتي من التفكير التفصيلي والذاكرة. فبعض العلماء والفلاسفة يرون أن التحليل الدقيق للأشياء بشكل منفصل قد يكون أكثر فاعلية في تقديم تفسيرات واقعية.

 

التناقض مع العلوم التقليدية: العديد من النظريات التقليدية في الفيزياء والكيمياء تفترض وجود أنظمة مستقلة وقوانين منفصلة تنظم الأشياء، مثل نظرية الكم. البعض يرى أن النظرة الكلية تتعارض مع هذه الفرضيات.

 

فقدان المرجعية الشخصية: النقاد من الفلسفات التقليدية يشيرون إلى أن الاعتماد على التدفق الكوني قد ينفي دور الفرد وذاكرته في تكوين المعنى والتجربة الشخصية، وهو ما يُعدّ جانباً هاماً في الفلسفة الوجودية، مثلاً.

 

 

 

موقف الفلسفة الإسلامية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في هذا الجزء، نسعى إلى استكشاف العلاقة الفكرية بين الفلسفة الإسلامية، خصوصًا في مدرسة صدر الدين الشيرازي (ملا صدرا)، ومفاهيم الفيزيائي والفيلسوف المعاصر ديفيد بويم حول التدفق الكوني. تجمع فلسفة ملا صدرا بين العرفان والفلسفة العقلية عبر نظريته في "الحركة الجوهرية"، التي ترى الكون في حالة دائمة من التغير الجوهراني. في المقابل، يقدم بوهم مفهوم "التدفق الكوني" الذي يعبر عن ترابط الأشياء وتغيرها ضمن حقل شمولي فيزيائي. يهدف البحث إلى مقارنة هذه الرؤى، وتحليل مدى تقاطعها واختلافها من حيث الجوهر والغاية الفلسفية والمعرفية. موقف الفلسفة الإسلامية، وخصوصًا الفلسفة الإمامية (الشيعية الاثني عشرية)، من موضوع التدفق الكوني والتصورات الفلسفية حول ترابط الوجود له جذور فلسفية عميقة ترتبط بمفاهيم أوسع حول التوحيد، الخلق، والعلاقة بين الله والكون.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. وحدة الوجود (التوحيد):

في الفلسفة الإسلامية، خصوصًا عند المتصوفة والفلاسفة المسلمين مثل ابن عربي وصدر الدين الشيرازي (ملا صدرا)، نجد مفهوم "وحدة الوجود"، الذي يشير إلى أن الوجود كله واحد، وكل ما في الكون هو تجليات للوجود الإلهي الواحد. هذا المفهوم يُشبه في بعض جوانبه فكرة التدفق الكوني الذي يطرحه ديفيد بوهم، حيث أن الكون يُعتبر وحدة مترابطة تظهر في صور متعددة.

 

موقف الفلسفة الإمامية: على الرغم من أن الفلسفة الإمامية التقليدية قد لا تتبنى بشكل مباشر مفهوم وحدة الوجود كما يطرحه بعض الصوفية، إلا أن هناك توكيدًا قويًا على التوحيد (وحدانية الله) في الخلق والتدبير. الله في الفكر الإمامي هو السبب الأول لكل الوجود، وكل الأشياء تعتمد عليه وجودًا ومعنى. هذا يشبه فكرة الترابط الكوني، حيث يُنظر إلى الأشياء على أنها تتدفق من مصدر واحد هو الله، وكل شيء يتغير ويتحول بإرادته وعلمه.

2. الحكمة المتعالية - صدر الدين الشيرازي:

صدر الدين الشيرازي، أحد أعظم فلاسفة الشيعة الإمامية، قدّم فلسفة "الحكمة المتعالية" التي تجمع بين التصوف، الفلسفة العقلية، والعرفان. الشيرازي ركز على فكرة الحركة الجوهرية، والتي تعني أن كل الموجودات في الكون في حالة تغير دائم وتحول داخلي على مستوى الجوهر، وليس فقط على مستوى الصفات.

 

التقاطع مع بوهم: فكرة بل تتغير باستمرار. الكون كله في حالة حركة وتدفق مستمر نحو الكمال. ومع ذلك، الشيرازي يركز على الحركة الجوهرية عند ملا صدرا تشبه إلى حد ما فكرة "التدفق الكوني" عند بوهم، حيث أن الأشياء ليست ثابتة أن هذه الحركة في النهاية متوجهة نحو الكمال الإلهي.

 

الاختلاف: الشيرازي يرى أن الحركة الجوهرية تتوجه نحو الله (الكمال المطلق) كغاية نهائية، بينما بوهم يطرح مفهومًا أكثر فيزيائيًا وفلسفيًا للترابط الكوني، دون التركيز على غاية إلهية نهائية.

 

3. العرفان:

العرفان الشيعي يتناول مفهوم التجلي الإلهي، حيث أن الله يتجلى في الخلق، وكل شيء في الوجود هو علامة على تجليات الله. هذه الفكرة تتقاطع مع رؤية بوهم للكون ككل مترابط تظهر فيه الأشياء كنتائج لتدفقات طاقة أو حقل شمولي.

العرفان النظري: في هذا السياق، يعكس العرفان رؤية أن الأشياء في الكون ليست منفصلة عن بعضها، بل هي تعبيرات عن حقيقة واحدة تتجلى بأشكال مختلفة. هذا قريب من رؤية بوهم حول أن الأشكال الظاهرة للأشياء هي تفسيرات لحقيقة أكبر وأشمل.

 

الاختلاف: بينما يتحدث العرفان عن تدفق الوجود من الله وتجلياته، يظل المفهوم العرفاني محوريًا حول العلاقة بالله، وهو بُعد روحي واضح قد لا يكون موجودًا بشكل مباشر في طرح بوهم العلمي.

 

المشـاهدات 67   تاريخ الإضافـة 05/11/2024   رقم المحتوى 55428
أضف تقييـم