الأحد 2024/11/17 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 25.95 مئويـة
فراغات لم تملأ في ... املأ الفراغات الماضية دراسة نقدية
فراغات لم تملأ في ... املأ الفراغات الماضية دراسة نقدية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

                            يوسف عبود جويعد

المجموعة الشعرية "املأ الفراغات الماضية" للشاعر أنمار مردان، واحدة من النصوص الشعرية النثرية، التي تمتاز برؤىً فنية مغايرة في عملية صناعتها، حيث نجد أن انزياحيتها عالية جداً ومبالغ فيها حد الدهشة، والسبب في ذلك أن الشاعر يريد من نصوصه الشعرية ان تكون أكثر وقعاً وأكثر تأثيراً، وأن يقلب الصورة الشعرية لكي يمنحنا فرصة أن نرحل ونغوص ونفك طلاسم هذه النصوص لنستخرج ما مضمر من معاني، ظلت خلف النصوص، فهو لا يقف عند حدود معينة وهو يستحضر تلك الانزياحات الكبيرة، الشمس، الجنة، النار، الموت، الارض، النهر، لكي يضعنا في المناطق البشعة من الحياة، الحرب، الموت، الدمار، الانفجار، فقدان العاطفة الصادقة، انقلاب وفوضى الحياة، لذا فإن القارئ سوف يجد عملية بناء لقصيدة النثر مختلفة جداً، في شكلها وتكوينها، ومشاعرها الهائجة المتوثبة الرافضة لفوضى الحياة وانعدام نظامها القويم، وبالرغم من الإحساس وللوهلة الاولى أنها مغلقة على نفسها ولا يمكن فك شفراتها والوصول الى معانيها، ولكن سرعان ما يتبدد هذا الشعور بعد أن تهيمن عليك مفرداتها الحسية والشعرية ببلاغتها وعمق نقلها للصورة الشعرية، إذ إن الشاعر لا يجد غير ذلك بداً لنقل المفردات الاعتيادية المتداولة الى عالم شعري حسي كبير في كل شيء، وهو يشير لنا  في عملية الانفلات والانطلاق، في الإهداء كمستهل ومدخل وعتبة نصية تهيّئنا لرحلة في تلك النصوص، فيقول في هذا الاهداء:

لأجلك فقط

تركت

أصدقاء

السوء

أولهم

رأسي

ثم نتقرب للرؤية الفنية التي اتخذها الشاعر في صناعة قصائده النثرية الشعرية ونحن نتابع القصيدة النثرية الشعرية "لا وقت لإطلاق النار" ونلاحظ أن هذا العنوان يتكرر في ست قصائد من هذه المجموعة:

في انفجارٍ أو في حريق ما

لا تبحث عن رأسك

ولا تحاول أن ترتبهُ أو تلملمهُ

فحين تموتُ متفحماً

من المستحيل أن تقابل الله بوجهٍ حسن

بينما نجد في قصيدة "باور بوينت" المهداة الى سلام مكي، تلك الرؤية الفنية والسياق الشعري الحديث في استخدام الانزياحية العالية والمبالغ فيها للتأثير على القارئ ولتكون القصيدة أكثر وقعاً وأكثر عمقاً وأكثر معنىً:

نعرفُ جيداً

متى تجلسُ الحياة على مؤخرتها

ومتى تستنشق ما تبقى من الريح

ومتى تأكل السماءُ نجومها حين الصحو

وحينً نكون فريسةٌ

نقودُ الأجوبة ! من عنقها

كي تليق بهذا الشذوذ الوقتي

وكنا لاحظنا في هذا الجزء المقتطع من القصيدة، عمق هذا الانزياح والمبالغة الواضحة فيه، لكنه لا يأتي اعتباطاً، بل تعبير واضح لحجم الهم الكبير والاحساس بالانكسار والفوضى التي تغلف  حياتنا، كما أننا نتلمس ما خلف السطور من مفردات مضيئة تنير درب معرفة هذا النوع من القصائد الشعرية، ونعرف ايضاً لماذا نحا الشاعر الى هذا الاسلوب من الشعر.

وفي المقطع الرابع من هذه القصيدة نتعمق أكثر ونحن نسبر أغوار هذه النصوص

لن نخطأ بالطرقِ مرةٌ أخرى

لا روما هنا كي نحتطب الطُرق

لا عناوين جاهزة للطهو

لا سماء نعضها لكي نفتح من الشمس ذكرى

لا ثمار يذكرُها الربُّ

لا عربات قديمة

فمتى نصحو من المصائب الخافرِة؟

أما القصيدة الثانية من عنوان "لا وقت لإطلاق النار" فإنها تمنحنا إحساساً غريباً بأن ما نطالعه،  ليس هو ما يبغيه الشاعر أو مايعنيه، بل أنه يعني ما هو مضمر من القصيدة داخل هذا النص

كلُّ شيء يبدو طبيعياُ للغاية

الأحلام التعيسة التي توقفت قبل نضوجها

وسائلُ الحبِّ قبل أن تبتلع

ضحكات الطيور المهاجرة وهي تُزيل رائحة العرقِ من الغيمِ

الخرافاتُ التي تُكتب برقيمٍ سومري وبعطشٍ يبدو للناظرين كتاباُ مفتوحاً،

التاريخ الملحمي الذي يكذب حين تنقله القوافي لنا بضاعة تالفة

ونجد هذه الصورة الشعرية العميقة المعنى بذات النسق الذي اتبعه الشاعر في قصيدة "أملأ الفراغات الماضية"

كلُّ شيء في المقبرةِ على ما يرامِ،

النومُ المبكر، النجوم الباردة، الغبار المالح، الكلاب السائبة، الديدان، لسانك المقطوع هناك،

لهذا عليك أن تزيل السائل المنوي من جثث الجنود،

خوفاً من انتصابِ القبور.........

وفي القصيدة الثالثة من عنوان "لا وقت لإطلاق النار" وبعنوان فرعي "فوضى"

ثم يهبط من السماء بشجرةٍ ، ينسابُ ويتمدُد على شابيك الانتظار، وحدهُ الجنديُّ الأليف، الأنيق بالأتربة، تتناغم صبغة شعره السوداء الشاسعة إلى الهاوية، وهو لا يعرفُ ما شحةُ النومِ في عيونِ القتلى؟..

وهكذا سوف نجد الكثير من هذا الانزياح المشفر برؤية فنية في بقية القصائد التي ضمتها هذه المجموعة، عندما نتعمق فيها نجدها تعبيراً عن ذواتنا، وعن همومنا، وعن حياتنا، وعن خيباتنا وانكساراتنا، وعن الحروب التي حصدت الكثير من الجنود، وعن الانفجارات، حتى تخال أن هذه المجموعة الشعرية كبيرة بعمق معانيها وامكانية الشاعر لاحتواء هذا الكم من المشاعر.

من اصدارات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لعام 2024

المشـاهدات 117   تاريخ الإضافـة 05/11/2024   رقم المحتوى 55429
أضف تقييـم