النـص :
إعتمدت حكومة الكيان الإسرائيلي على الجانب الإعلامي، لاعتقادها بتأثيره المباشر، على العامل النفسي في المجتمعات، التي تنتمي للدول المطبعة، او تلك التي تتبنى موقف الحياد، تجاه تهور الكيان ضد شعوب المنطقة. كان هذا ما يتعلق بالألية الصهيونية، وكيفية مناغمتها للدول “الحليفة”، أما سلوكها في الحرب المباشرة، مع خصومها في الساحتين الفلسطينية واللبنانية، فقد فاق كل التصورات، وتجاوز جميع القوانين والأعراف الدولية، وتعدى الخطوط المعروفة لقواعد الاشتباك، ولعل الحديث عن مصاديق لهذا الوصف سيكون مضيعة للوقت، بعد أن إعتاد سكان المعمورة على مشاهدة الصور المأساوية، لشعب محاصر برا، ويتلقى حمم النيران من الجو، ويمنع عنه الغذاء والدواء، وتمنع فرق الإسعاف من انتشال جثث الأطفال، من بين ركام الدور المهدمة، وسط صمت مخزي، من المجتمع الدولي والمنظمات والمؤسسات التي ترفع شعارات حقوق الإنسان!تعتقد حكومة الاحتلال أن إصرارها، على إدامة الواقع الدموي، سيجعل العالم منشغلا، بمتابعة ما يجري في جبهات القتال، ويحلل مألات الوضع التفاوضي، ومدى قدرة أطراف النزاع، على كسب الرهان، وتأثيرات الحرب على الإنتخابات الأمريكية، وغيرها من القضايا ذات التأثر المباشر على ما يجري في الشرق الأوسط.هذا التصور التي تعتقده حكومة الكيان، لا يمكنه التغطية على ما يجري في الأراضي المحتلة، ويتخلل كواليس الواقع السياسي والاجتماعي لهذا الكيان، خصوصا بعد المواقف والتصريحات، التي بدأت تظهر في الآونة الأخيرة، لشخصيات حكومية سابقة وإعلاميين، ونخب سياسية واجتماعية، رافضة لإطالة أمد الحرب.يمكن اجمال المواقف، التي عكسها هذا الحراك في الداخل الاسرائيلي، على النحو الآتي:أولا_ يعتقد غالبية الإسرائيليون، ان موافقة نتنياهو على الصفقة الجزئية، والمتعلقة بإفراج جزئي عن الرهائن، كانت ثمنا لبقاءه في السلطة. ثانيا_ الاعتقاد السائد بأن نهاية الحرب، ستفضي لتغيير في الواقع السياسي داخل الكيان، لذا يتعمد نتنياهو اطالة أمد الحرب قدر المستطاع، للحيلولة دون حصول هذا التغيير، الذي سيبدأ به اولا. ثالثا_ تنامي الشعور العكسي لدى نخب يهودية، بأن رئيس حكومة الكيان يتعمد استغفالهم، بعدم اطلاع الشارع الاسرائيلي، على حقيقة ما يجري، وخصوصا في جبهة القتال اللبنانية. رابعا_مصطلح القيادة السامة، اصبح متداولا بين تلك الاوساط، في إشارة لخطوات الكنيسيت، ودعمه لحكومة نتنياهو، والتي ستفضي لنهاية الحركة الصهيونية كلها ربما.. خامسا_ اتهامات مباشرة وصريحة للحكومة، بعدم معرفتها بكيفية الوصول، لآلية معتبرة لإنهاء الحرب، والتشكيك أصلا بمصداقية رغبتها في إنهاءها. سادسا_ مواقف حكومة الكيان، ولدت الشعور لدى مواطني الداخل الاسرائيلي، بخسارتهم لانسانيتهم وفقدانهم لهويتهم كبشر، وكشعب يمثل الديانة اليهودية. سابعا _ تنامي تولد قناعة، تتجه للترسخ لدى غالبية في الداخل الاسرائيلي، بضرورة نهاية الاحتلال لبعض الأراضي العربية، لانه المدخل الوحيد للشعور بالأمن، والذي فقدوه طيلة عقود، وان استمرار الاحتلال ينافي القيم الديمقراطية، التي يدعيها صناع القرار هناك. ثامنا_ تزايد القلق لدى مختلف الاوساط الإسرائيلية، بقرب نهاية الحلم الصهيوني، المتمثل بقيام دولة ذات هوية محددة، قوامها اليهودية الديمقراطية.تاسعا_ اعتراف غالبية مواطني الداخل الاسرائيلي، بأحقية “بعض” المطالب الفلسطينية، وضرورة منح حرية ما لعرب فلسطين، والتي كافح من أجلها كثيرا، لأن هؤلاء يعتقدون ان الفلسطينين، سيواصلهم القتال حتى ينالوا تلك الحقوق.عاشرا_ الاعتراف الصريح عند عدد لا يستهان به، داخل مجتمع الكيان، بأن الأرض للشعب الفلسطيني “بشكل ونسبة ما” ولن يشعر الاسرائيلي، بالأمن دون ان تقسم الارض بين الطرفين، بطريقة ما.رغم أن كل تلك المؤشرات، هي أمور وملامح قد تبدوا طبيعية لتغير الواقع الإجتماعي، عندما يمر بحروب او احداث مزلزلة، لكنها أيضا تؤشر لبداية انهيار، منظومة كيان بني على عنصرية وفكر منحرف، وأسس قسرا وتحت قوة قاهرة وظلم وتعدي، وليس بشكل طبيعي كما هو المعتاد في تشكل الدول.. وهذه علامة خطيرة يخافها مؤسسوا الكيان ودعموه، وحتى أشد المنظرين له فكريا وعقائديا.
|