لماذا فشلت الأنظمة العربية في بناء دول عصرية ومتقدمة؟ |
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب مزهر جبر الساعدي |
النـص :
(لماذا فشلت الأنظمة العربية في بناء دول عصرية ومتقدمة؟ ولماذا نجحت القوى الاستعمارية في السيطرة سواء المباشرة او غير المباشرة على مقدرات الامة العربية، واغرقتها في بحور من الفوضى والاضطرابات والحروب الداخلية والخارجية؟) تشهد الاوطان العربية فترة هي من اشد الفترات سوءا، التي مرت خلال اكثر من قرن على الشعوب العربية وعلى اوطانهم. على اهمية خطط القوى الاستعمارية في السيطرة على مقدرات الاوطان العربية، خلال اكثر من قرن من الآن، لكنها هي ليست السبب الوحيد في نجاح تلك القوى في مخططاتها، إنما الانظمة التي حكمت شعوب العرب خلال القرن المنصرم وخلال ما مضى من سنوات القرن الحالي؛ سياستها هي من اقوى الاسباب. سواء بالتبعية والانبطاح لهذه القوى الاستعمارية او انها في حسن نية وسوء تقدير، او خطأ في قراءة التوازنات الدولية وحتى الاقليمية، والصراعات فيما بينهم على من يتقدم المشهد السياسي سواء في بلده او في المجال القومي. لقد غذى الاستعمار كل ذلك بصورة غير مباشرة في احيان وفي احيان اخرى بصورة مباشرة بأذرع العملاء او احيانا لم يكونوا عملاء في خط الشروع، لكنهم اجبروا لاحقا على ان يكونوا عملاء ولو بتسميات اخرى. لقد سقط النظام السوري سقوطا سريعا ومفاجئا للجميع. السؤال هنا كيف وصل به الامر او الوضع لأن يسقط بسرعة مدهشة؟ هل السبب هو قوة جبهة تحرير الشام فقط، او هناك اسباب اخرى عميقة في بنية النظام وفي سياسته الداخلية والخارجية التي اتسمت او اعتماد النظام فيها على الدعم والحماية سواء الدولية او الاقليمية، وسياسة داخلية كان فيها يمارس ديدنه في قهر الشعب بالسجون والتعذيب ومصادرة العقول وما تنتج تلك العقول من اراء على قاعدة سياسة وحكم الحزب الواحد ؟ وهل السبب هو قوة وحنكة من يقف وراء جبهة تحرير الشام، تركيا وامريكا واسرائيل؟ وهل العقوبات الامريكية في قانون قيصر وغيره من العقوبات الامريكية؛ كان لها دورا كبيرا في الضغط الاقتصادي على المواطن السوري وعلى الدولة السورية، وعلى الجيش السوري؟ وهل السبب هو تخلي حليفيه، الروسي والايراني عنه وتركوه الى مصيره؟ كل هذه الاسباب مجتمعة قادت الى ما قادت النظام له من سقوط مدوي، ولا يوجد من وجهة النظر الشخصية سبب يتغلب او يتفوق على بقية الاسباب؛ كلها في التزامن والتوقيت كان لها تأثيرا كبيرا ومنتجا ادى الى سقوطه. ان القوى الاستعمارية تصل الى اهدافها وفي اغلب ما تصل اليه؛ عن الطريق او عن الطرق الملتوية، الغير مباشرة؛ حتى تبدوا او تظهر في المشهد الدراماتيكي هذا، واقصد به هو سقوط النظام السوري، او نظام الاسد؛ كأنها لا علم لها بكل هذا الذي حصل وهي كما الاخرون متفاجئة بهذا الذي حصل. انها او ان هذا القول هو قمة في الكذب والخديعة، بما يتناقض كليا مع الحقيقة. اغلب القوى او قوى المعارضة المسلحة او حتى غيرها؛ هي قوى لها علاقة قوية وعضوية مع تركيا الداعم الاساس لها في كل مراحل مقارعتها للنظام السوري الدكتاتوري والمستبد، كما غيره من انظمة الدكتاتوريات العربية. هناك من يقول ان جبهة تحرير الشام وصلت الى ما وصلت اليه من السيطرة على الحكم في سوريا؛ بالاتفاق مع امريكا واسرائيل. هذا القول او القراءة ليستا صحيحتين ابدا، ومن الجانب الثاني هي صحيحة تماما. جبهة تحرير الشام وحلفائها من بقية التنظيمات المسلحة، وكقناعة شخصية لم يكن لها اي اتفاق او حتى اتصال مع الكيان الاسرائيلي؛ اتصالها وما تلقته من دعم ومشاركة كان مع تركيا من خط الشروع حتى سقوط النظام. إنما تركيا هي من لها علاقة واتفاق مع امريكا والكيان الاسرائيلي في التخطيط وفي التنفيذ وفي تهيئة كل البيئة السياسية والاقتصادية التي جميعها قادت الى ما قادت إليه في الثامن من كانون الاول، ديسمبر. انها عملية تخادم وتلاقي مصالح بين تركيا اردوغان او تركيا العثمانية مع امريكا والكيان الاسرائيلي. كيف؟ تركيا بهذا الانجاز لسوف تحقق اطماعها في سوريا او في العراق. امريكا والكيان الاسرائيلي حققا او بداية الطريق في تحقيق مصالحهما سواء التكتيكية او الاستراتيجية كما يتصور او يتوهم صانع القرار والسياسة في واشنطن وفي وكر الدبابير في تل ابيب؛ في إقامة شرق اوسط كبير او جديد. الكيان الاسرائيلي قام حال سقوط النظام او بعد ساعات من سقوط النظام بسلسلة من الغارات الجوية والتي بلغت باعتراف الكيان ذاته؛ 480غارة دمر فيها كما يقول؛ اكثر من 80% من القدرات العسكرية للجيش السوري. هذا يعني ان الجيش السوري لسوف يكون منزوع السلاح او ان سوريا سوف تكون ولعقود مع ما موجود من خراب ودمار؛ حتى يتم لها اعادة تسليح جيشها على افتراض ان الامور سوف تسير سيرا سلسا ومنتجا للبناء والامن والنظام، واقامة نظاما دستوري، ينتج مؤسسات قانونية؛ وهذا افتراض مشوب بالضبابية وعدم الوضوح لجهة النوايا الحقيقية للحكام الجدد. اضافة الى ان الكيان الاسرائيلي قام باحتلال الارض السورية، وبإلغاء اتفاقية فك الاشتباك التي ابرمت بين سوريا واسرائيل في عام 1974، حتى صارت على بعد عشرين كيلو متر من العاصمة دمشق. ان هذا القرب وعملية نزاع سلاح الجيش السوري يمنحها عامل او عوامل ضغط على حكام سوريا الجدد. من غرائب الامور ان نتنياهو قال في اهم ما قال؛ ان الجولان ستقبى اسرائيلية الى الابد، وان نظام الحكم في سوريا يجب ان يكون نظاما فدراليا وان سوريا لن يحكمها نظام حكم مركزي، وقال ايضا؛ ان اسرائيل تطمح على اقامة علاقات ودية مع سوريا الجديدة. تناسى هذا المجرم المخضرم في الاجرام ما قام به او ما قام به جيشه وبأمر منه؛ من مذابح في غزة وفي الضفة الغربية، وهو مستمر في اشعال الحرائق في غزة واقامة ولائم المذابح فيها حتى هذه اللحظة، وتناسى ايضا؛ تنصله او تنصل حكومته من اتفاقات اوسلو، ورفضه حل الدوليتين.. من الغرابة؛ لم يصدر اي تصريح او شجب واستنكار من قادة جبهة تحرير الشام وحلفائها من هذا العدوان على سوريا، وحتى من تركيا اردوغان، مما يثير لدى المتابع الكثير من التساؤل حول نوايا وخطط قادة الجبهة ونوايا تركيا التي نفذت خطة امريكا واسرائيل في اسقاط النظام السوري بأذرعها السورية، التي اعلنت بتصريح من قائدها، احمد حسين الشرع؛ ان سوريا بعد اليوم لن تشكل اي تهديد لجيرانها. من السابق لأوانه التنبؤ بمآل الاوضاع في سوريا، مع هذا؛ فأن الاوضاع حتى الآن تبشر بالخير لسوريا، من خلال الاجراءات التي قام بها حكام سوريا الجدد. على ما يظهر من خلال تصريحات قائد جبهة تحرير الشام، واجراءات الجبهة و بتوجيه منه؛ تعكس من انه ناضج سياسيا، اضافة الى انه حتى الآن يعكس من انه سياسي مناور. لكن من الجانب الثاني؛ ان الاوضاع في سوريا الجديدة؛ لسوف تكون صعبة جدا، ومعرضة للتشظي والانقسام في ظل عدم وجود جيش مسلح يضبط بوصلة الحركات السياسية العسكرية لبقية الفصائل، اضافة الى خلايا داعش، وقوات قسد المدعومة امريكيا واسرائيليا. ان الكيان الاسرائيلي لسوف او ربما كبيرة جدا، تقترب من اليقين؛ سوف تلعب اسرائيل لعبتها المعروفة عنها في كل تاريخ كيانها الدخيل هذا؛ وهو دعم كل الفصائل التي ربما ترفض سياسة قائد جبهة تحرير الشام، حتى وان كانت سياسة الانحناء امام العواصف، حتى بلوغ مستوى التمكَين. ليس بصورة مباشرة الى حد ما باستثناء قسد التي تتعامل مباشرة مع امريكا واسرائيل، بل عن طريق او بواسطة دولة ثالثة، من دون علم القوى السورية هذه، التي لسوف تقتنع من انها تتلقى الدعم والاسناد من هذه الدولة الثالثة. ما اكثر الدول العربية وبالذات دول الخليج العربي التي تتطوع مجانا للقيام بهذا الدور. في الختام اقول ان سوريا ربما كبيرة جدا؛ سوف تكون ميدانا لصراعات وتنافسات القوى الكبرى الدولية، والقوى الاقليمية سواء من الجوار الجغرافي للمنطقة العربية او من بعض الدول العربية وحصريا دول الخليج العربي. ان الاعتماد على الذات او على الشعب العربي السوري في بناء سوريا الجديدة من دون تدخل دولي او اقليمي او حتى عربي مطبع مع الكيان الاسرائيلي سواء في العلن او في السر؛ هو الطريق الناجح ولا طريق غيره ابدا. هذا لا يعني في كل الاحوال؛ عدم التفاعل الخلاق مع المحيط الدولي والاقليمي والعربي، والأخير من الواجب الاخلاقي والتاريخي ان يقع في صدارة اهتمام حكام سوريا الجدد، بل ان هذا التفاعل هو طريق الصحيح. |
المشـاهدات 133 تاريخ الإضافـة 17/12/2024 رقم المحتوى 57082 |