النـص :
يتماهى المبتكرون للعقول الذكية بان صناعتهم هذه تفوقت على العقول البشرية ! اذ جعلوا الآلة تحّل محل الانسان في القيام بالأعمال الموكلة لها بما يطلق عليه بالإنسان الالي ( روبوت ) الذي يعمل دون كلل او ملل وبدقة تنفيذ عالية وبأعلى سرعة قد لا يتمكن البشر العادي القيام بها ، ويوما بعد يوم تتطور بحوث هؤلاء المبتكرون حتى اجتازوا الحد المعقول من التصور والتخليق للخيال العلمي والذهني والافتراضي والذي اصبح اليوم حقيقة لايمكن اغفالها او تجاهلها او القفز عليها ، فقد انبثقت فكرة خلق عقل اصطناعي على يد العالم الأمريكي هربرت سايمون(1916-2001) وذلك عام 1955 واطلق عليه اسم (المفكر المنطقي ) بمشاركة رفيقه (الآن نيوبل ) ، ثم ظهر مصطلح (الذكاء الاصطناعي )( Intelligence Artificial) من قبل العالم الأمريكي ( جون ماكارثي ) (1921 -2011 ) وقد طُرح هذا المصطلح في مؤتمر علمي أقيم في كلية دارتموث الامريكية عام 1956 حيث يطلق على كل برنامج بامكانه تخليق ( Creation ) أي فكرة في كل الميادين الحياتية دون استثناء بعد تغذية حاسوب الآلة بمزيد من البيانات والإحصاءات والخوارزميات .! وهنا يجب الوقوف طويلا لنتأمل ما معنى (الخوارزميات ) ومن هو الخوارزمي الذي تعتمد علية العقول الذكية اليوم ..! انه أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي(164 هـ - 781 م) الذي قَدِم الى بغداد منذ صغره زمن المأمون العباسي ودرس العلوم فبرز بعلم الرياضيات والفلك وهو اول من اوجد قيمة حسابية للصفر (Zero ) ومؤسس علم الجَبر والحساب وقام بحل المعادلات الخطية والمعادلات التربيعية في زمن كانت بغداد عاصمة العالم الحضارية .اذن ان المخرجات الأساسية للذكاء الاصطناعي هو( العقل البشري ) وبدأ من بغداد الحضارة قبل حوالي اثنا عشر قرنا ، فلو مضى القدر بان تستمر هذه العلوم بوتيرة التصاعد المعرفي والفكري والثقافي منذ عصر النهضة العباسية الى الوقت الحاضر لاصبحت بغداد سيدة العالم وفي قمة الدول المتحضرة والمتفوقة تكنلوجيا وفي كل مجالات الحياة ، ولكن من المؤسف جدا ان نشاهد التراجع المعرفي بكل اتجاهاته بعد انتهاء العصر الذهبي العباسي واضمحلال كل العلوم بسبب الاحتلالات والحروب والدمار الذي حّل في بلادنا .واليوم يحاول الذكاء الاصطناعي ان يتغلب على الذكاء البشري بان يقدم للانسان بدائل معرفية نافعة او مضرة لا عناء فيها ولا تعب !! بمجرد تغذية البرنامج بالبيانات فانك تحصل على ماتريد وبكل سهولة !! والانسان كان يحلم بالتغيير من خلال الابتكار والاختراع والتصميم المفضي الى الابداع والتميز ! لكن الذكاء الاصطناعي قلب المعادلة فغير لك العالم ! بدون تعب او جهد تحصل على ماتريد ، وهو قادر على ان يحول لك الخيال الى حقيقة ! مثلما شاهدنا قصص الخيال العلمي في القرن الماضي أصبحت اليوم واقعا ادراكيا ملموسا ، كذلك تمّكن الذكاء الاصطناعي من التعرف على الكلام ونبرات الصوت وانماط الترددات للأشخاص المطلوب تغيير سلوكياتهم وبأمكانه ان يؤدي لك ما تريده متفوها بلسان من تحبه اوتكرهه او القيام بالتمويه العسكري اوالأمني او التصريح السياسي وغيرها من الأمور المهمة بعد التلاعب بالبيانات لانتاج البرامج ذات الأهداف التي تخدم صانعيها ، اذ يقوم الحاسوب بعملية ترابط وتزامن وتوافق ما بين هذه المعلومات حتى تظهر للمتلقي ماتم برمجته مسبقا ومتفقا مع أصحاب الغايات المختلفة ، وهذه الاخلاقيات جدا مخيفة في عالم الذكاء الاصطناعي ، خصوصا مع غياب القانون الذي يحد من الذكاء والتصرف غير الأخلاقي ، ومن الجدير بالذكر ما تصنعه الآلة لا يمكن ان يفهم مشاعر واحاسيس البشر، فالبصمة الشخصية للكاتب او الشاعر او المؤلف تختلف عما يدلي به هذا العقل الذي يعتمد على التقنية التحويلية وعلى التكنلوجيا التي تحاكي اساسا تفكير وأداء العقل البشري لاستنساخ سلوكه للحصول على مخرجات معينة ! ومن الجدير بالذكر ان الحواسيب اليوم تُـقدم ثقافة جاهزة لكل البشر ،والذكاء الاصطناعي هو اكذوبة تسيطر على عقولنا لايقاف ابداعنا وتحجيم ثقافتنا وتمنع صيرورة ابتكاراتنا وهذه غاية الغرب هي تجميد طاقاتنا والحد من تطورنا ، ومن اللافت ان الامم المتحدة في سبعينيات القرن الماضي تصدر تصريحا صريحا تشيد بالتعليم في العراق بانه يساوي التعليم في الدول الاسكندنافية !! وبإمكان العراق ان يخرج من قائمة دول العالم الثالث وكما تسمى الدول النامية ، ولكن الهيمنة الغربية لا يروق لها ان ترى عراقا ناهضا متحضرا فأقحمته بمزيد من الحروب والدمار والى اليوم!! ونتذكر جيدا كيف كان المرحوم كامل ادهم الدباغ يرعى المبدعون والمخترعون العراقيون من خلال عرضهم في برنامج الأربعاء ( العلم للجميع ) الذي يجمع الجميع ويشدهم لمشاهدته ومتابعته ، وكذلك المبدعون في كل انواع الرياضة ومؤيد البدري في برنامجه الممتع ( الرياضة في أسبوع ) كذلك الابداع الدرامي والتشكيلي والثقافي والفكري مع خيرية حبيب و برنامجها (عدسة الفن) وكثير من البرامج التي تظهر الذكاء البشري الذي هو من صنع الخالق عز وجل واكون جازما ان ما يصنعه الخالق يتفوق على مايصنعة المخلوق .
|