ارتبط مفهوم الجمال بالذوق في القديم ثم اقترن بالعديد من النظريات العلمية والابداعية، مثل نظرية الالهام والنظرية العقلية ونظرية الحدس والواقعية والوجودية واللامعقول وغيرها من النظريات التي حاولت الاجابة عن مجموعة من التساؤلات تخص الابداع الجمالي وكيفية حدوثه وعلة وجوده، وهذا ما جعل كل هذه النظريات تحاول اثبات الجمال من خلال ما يتطابق مع مرتكزاتها ومبادئها، فمنها من جعلته عائدا لقوى غيبية واخرى حصرته للعقل والى الوعي واللاوعي كما في النظريات النفسية، ونظريات الحدس عند (بركسون) و(كروتشيه)، ونظرية الانعكاس عند الواقعية ونظرية اخرى نسبت الجمال الى الخيال كما في الوجودية للامعقول، فكل من هذه النظريات اسست للجمال الفني مفهوما يتماشى مع مفهومها العام.

     كما ان الظاهرة الجمالية والابداع الفني هما نتاج افتراضي يتم في ذهن الانسان الفنان ويخضع للتفكير والتأمل ثم التدبير، بعدها ينتهي بأبداع جديد وتتبلور هذه الخطوات عبر مراحل متتالية ومتشابكة تكشف بالأخير عن وجود (عقل افتراضي)، يكون منتجا للأبداع الافتراضي الذي يستعين بحركات العقلين الواعي والباطن في انتاج العملية الابداعية، والعقل الافتراضي يوجد لدى كل انسان سواء كان مبدعا او عاديا لكن الفرق ان العقل الافتراضي للشخص العادي يكون عاجزا عن اخراج افتراضاته في تجربة يدوية او جمالية عكس ما يقوم به الفنان.

       وهذا العقل الافتراضي اخذ عدة صور حسب ما وصفوه الفلاسفة، فمنهم من أطلق عليه العقل العلمي والعقل النظري كما فعل (ارسطو)، و(كانت)، او عقل ابداعي وعقل حدسي كما عند (بركسون)، وعقل فني، وكل هذه العقول تتخذ العقل الافتراضي نقطة انطلاق من اجل انتاج ابداع فني يستقل عن الجمال الطبيعي.

   ومن خلاله امتلك العقل الافتراضي قدرة مكنته من الافتراض وأدراك حركات العقلين الظاهر والباطن واكتساب الخبرة الجمالية، وعليه فان العقل الابداعي للفنان ينبع من عقل المبدع الافتراضي ويعود الى عقل المتلقي الافتراضي في شكل شبكة افتراضات جمالية.

وجماليات الافتراض الإبداعية بطبيعة الحال تقسم على قسمين: جماليات افتراض سالبة وأخرى موجبة،  اما ما يخص (جماليات الافتراض السالبة)، فان الافتراض الذهني السالب اساس عالمي يوجد لدى اي انسان يتأثر بالفردية ويتكئ على الحرية والاستقلالية، وبهذا هي وحدة جوهرية تتمركز وسط تمثلاتها وتتوجه بالدرجة الاولى الى الفكر ثم العاطفة لتتمظهر بعدها على شكل صورا فنية في الخيال، وهذه الجمالية لها تفرعات ومنها: (الجمالية الذاتية) بوصف ان الافتراض السالب يتمثل تمثلا ذاتيا يحمل جمالا قبليا كضرورة في ذاته ولذاته بعد ان يتأسس في الذهن، وهي تختلف عن (الجمالية الاصلية) التي هي تلك التي فيها يجعل تصور الاجزاء تصور الكل ممكنا، وبعدها (الجمالية السامية) التي تعد سمة واساس جماليات الافتراض السالبة وهي الوجود الذي يشرق من ذاته ويكتفي بنفسه، وبذلك يتحرر من التشوهات الخارجية التي تصاحب نهاية الوجود الخارجي.

     اما (جماليات الافتراض الموجب)، فهي تقسم الى عدة اقسام مثل (الجمالية شبه الموضوعية) التي من خلالها يتحقق الافتراض المحض بتجربة خارجية تعبئ الشروط المادية او الشبه مادية لتحقق وجود شبه واقعي جمالي خيالي لا يقترن بالتجربة الواقعية العامة، و(الجمالية النسقية) الإبداعية، بوصف ان محفل الابداع الفني هو بالأساس جمالية نسقية لمجموعة من التمظهرات الايقونية للامحدودة التي تتضمن دعائم التقديم والعرض الفني التي تمنحنا رؤية موجبة، اما ما يخص (جماليات التركيب)،الذي يعد عملية ايصال الافتراض السالب الى التعبير الخارجي على شكل تمثل فني بواسطة الافتراض الموجب وبذلك يفتح مجال البحث والكشف المستمرين امام وعي المتلقي، اما بخصوص (جمالية الظلال)، المتكون من المخطط المعنى برسم تصور افتراضي على شكل رسومات هندسية ثم منظورية تقدم تصورا عاما للعمل الفني داخل الذهن ، بمساعدة المجسم، واخيرا (الشبكة الجمالية)، التي يقوم من خلالها الافتراض الموجب بإضافة موضوعات على الاشكال المتنوعة المرتبطة بعرضية الاشياء المتعلقة بكل تلك التصورات الإبداعية الناتجة للعمل الفني.