مسرح الطفل المعاصر بين التربوية والجمالية.. رحلة تاريخية في مسارح الأطفال العالمية كتابٌ يؤكد أن مسرح الشباب والأطفال أفقر ضروب الفنون |
مسرح |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : لا اختلاف على أهمية وضرورة مسرح الطفل الذي يجمع مختلف الفنون من الكتابة إلى التجسيد البصري والموسيقى والشعر والأغاني وابتكار الأزياء والرسومات وغيرها. ورغم أن بعض الدول، وخاصة العربية، مازالت تتعامل مع هذا الفن على أنه درجة ثانية، فإن ذلك لا يخفي الجهود المبذولة في جل الأقطار لتطوير هذا الفن المؤسس لأجيال المستقبل.يُخبرنا كتاب "مسرح الطفل المعاصر بين التربوية والجمالية" لمؤلفه الفنان د. محمد عبدالمعطي أن أول مسرح رسمي دائم للأطفال في موسكو افتتح عام 1918 في وقت كانت فيه الدولة تعاني من آثار الدمار والجوع بسبب الحرب، وخرج أول تصريح لمديرته ناتاليا ساز يقول “علينا ألا نستهدف من خلال مسرح الأطفال خلق مجموعة من المشاهدين المتفرجين، بل أن نكوِّن من الأجيال الجديدة مناضلين وبُناة، مناضلين للدفاع عن الوطن، وبُناة لصرح مجده.”هذه هي مهمة مسرح الأطفال في بلد كبير مثل روسيا، عملا بمبدأ مكسيم جوركي أن مسرح الأطفال هو وسيلتهم إلى إدراك العالم الذي يعيشون فيه والذي يتطلب منهم أن يغيروه.أما في فرنسا فقد كان أول مسرح طفل فرنسي محترف عام 1929 من خلال جهود ليون شانسيريل.
التطور التاريخي
لقد قُدمت في البلاد الاشتراكية عروضٌ مسرحية تخص الأعمار الثلاثة المختلفة للأطفال والشباب، فالفئة الأولى من الصغار وأعمارهم ما بين الخامسة والثامنة تقدم لها الحكايات البسيطة الممسرحة، وكذلك المسرحيات الموسيقية المبسطة. والفئة الثانية، وهي ما بين التاسعة حتى الثالثة عشرة، يقدم لها برنامج من المسرحيات التي تلمس عن قريب واقع الحياة اليومي، وكذلك مسرحيات المغامرات وأيضا مسرحيات موسيقية. أما الفئة الثالثة التي تقع سنها بين الثالثة عشرة والخامسة عشرة فيقدم لها برنامج من المسرحيات الكلاسيكية والمعاصرة.هذه الحدود بين مراحل الطفولة ليست فاصلة أو مطلقة، بل تتداخل وتتشابك. ويوضح مؤلف الكتاب -الصادر في طبعته الثانية عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة- أن عناصر التعبير الدرامية الفنية الكثيرة، كرقص الباليه والغناء والتمثيل والأكروبات وآليات المسرح المتعددة والمتنوعة في عرض واحد، تشير إلى التنوع الكبير في الحياة. ونتيجة لهذه التجربة رُفضت الدراما أحادية الشكل تماما، تلك الدراما التي يلعب فيها الأداء التمثيلي فقط دور الموصِّل.ويشير عبدالمعطي إلى وجود ما يسمى “اتحاد مسارح الشباب والأطفال العالمي” وهو اتحاد لم تشترك فيه مصر -حتى صدور الكتاب- ويعتبر عام 1968 في تاريخ مسرح الطفل في أوروبا الغربية هو عام الانطلاق. إنه عام ثورة الطلبة في باريس، تلك الثورة التي ما لبثت أن اندلعت في بلدان غربية أخرى وبسرعة.ويؤكد المؤلف أن كتَّاب مسرح الطفل وفنانيه اختاروا أشكالا مختلفة لعروضهم المسرحية تستطيع أن تتجه إلى المجال المباشر لحياة الصغار أو إلى بيئة غريبة أو متخيلة مفترضة.ونشير إلى أن هناك نوعين؛ “مسرح بالأطفال” و”مسرح للأطفال” وكلاهما لاقى عناية كبيرة، وكاد في بعض البلاد يأخذ مكانًا عادلا متساويًا في الحياة المسرحية العامة، ولكن مع ذلك ظل في أغلب الأقطار فنًّا في المرتبة الثانية، مثله مثل أدب الأطفال.وقد لاحظ المؤلف أن كوبا تعتبر البلد الوحيد في قارة أميركا اللاتينية التي استطاعت التطوير المستمر لمسارح أطفالها من خلال تدعيم حكومي.وهو يمر على نشأة هذا المسرح في كل من الجزائر والعراق وشيلي والولايات المتحدة والهند، مؤكدا أن فن المسرح، وبالذات مسرح الشباب والأطفال، لا يزال أفقر ضروب الفنون جميعها، حسب تعبير باتريتشيا سنيدر مديرة المعهد التجريبي العام لمسرح الشباب في الولايات المتحدة.وينهي د. محمد عبدالمعطي فصله الأول، الذي تحدث فيه عن النشأة الأولى والتطور التاريخي لمسرح الطفل في العالم، بأن الهدف الذي يجب أن يتطلع إليه المسرح التعليمي الموجَّه إلى المتابعين الصغار هو ألا يعلم فقط، أو أن يعمل لذاته فيقدم فنًّا خالصًا فقط، ولكن أن يهدف إلى تحقيق الاثنين معًا، وسواء مثلنا بمسرح للأطفال أو بمسرح بالأطفال فإن ذلك في كل الحالات لا يهدف في المقام الأول إلا إلى تحقيق حالة المشاركة والتضامن والتآخي بين الأجيال، ويؤدي بالتالي إلى حالة النماء والنضوج والوعي.
تجارب عالمية
في الفصل الثاني يتوقف المؤلف عند التجارب الأوروبية والآسيوية في مسرح الطفل والشباب.في اليابان لم تهتم فرقة تودو -التي أنشئت عام 1927 في طوكيو من خلال المساهمات الاجتماعية وقدمت دراما الأساطير للطفل- بتقديم مسرح ياباني خالص للطفل، ولكنها تعدت ذلك إلى إعداد مسرحيات عن أعمال عالمية مشهورة في الثقافات الأخرى. لكن تم رفض المفاهيم التي تقدم الطفل في صورة البريء الساذج والقاصر ذهنيًّا.وفي تركيا قُدِّم القراقوز، وهو مسرح شعبي اجتماعي ساخر أصبح اليوم من أمتع الشخصيات الفكاهية التي تعرض للطفل التركي في المناسبات والأعياد.وفي مصر بدأت النشأة الأولى للنشاط المسرحي التربوي للطفل المصري مع بزوغ ثورة يوليو 1952 وارتبطت مباشرة بما أرساه وزير ثقافتها ثروت عكاشة من نظام وفكر ثقافي اعتمد على رؤية واعية بأهمية الثقافة ودورها في تكوين الإنسان المصري الجديد بعد خروجه من نظام ملكي إقطاعي إلى نظام جمهوري اشتراكي. ولكن المؤلف يشير إلى أن البداية الحقيقية لهذا النشاط -حسب آراء الخبراء- كانت في فترة الثلاثينات من القرن الماضي مع نشأة المسرح المدرسي عام 1937.ثم يشير أيضا إلى نشأة المسرح القومي للطفل في مصر عام 1981 وقد ظهر تتويجًا لجهود سابقة في فترة السبعينات. ولكن لم تسر الأمور على ما كان يأمل لها، فقد ظهرت الكثير من العوائق التي تمثلت في انتماء هذا المسرح إلى مؤسسات مسرحية حكومية بيروقراطية جامدة تمده بميزانيات ضئيلة وبهيئات إدارية لا علاقة لها بدوره وطبيعته، فيعاني في أبنيته وكوادره وفنانيه الموظفين، وقد انصرف عنه المثقفون والنقاد والكتَّاب، وذلك رغم عقد الطفولة وقوانين حماية الطفل اللذين خلِيَا تماما من ذكر الاهتمام بتربية النشء من خلال المسرح.ويؤكد المؤلف أنه حتى الآن لم يصبح مسرح الطفل المصري عضوًا في اتحاد مسارح الأطفال والشباب العالمي ASSITEJ ليتاح له الاحتكاك بالتجارب العالمية، بل لم يصبح أيضا عضوًا في المنظمة العالمية للدراما التعليمية.أما تجربة المسرح الإيطالي فقد تجددت وانتعشت عندما وجَّه بعض الفنانين الموهوبين الكبار -في عشرينات القرن العشرين- عناية الأطفال إلى هذه العروض الشيقة، وخاصة عندما تحولت شخصيات الفنان جوفاني مانكا الملونة إلى شخصيات مسرحية أخَّاذة.وفي تجربة مسرح الطفل في ألمانيا اقتُرح عمل أشكال مسرحية بالأطفال خارج نطاق المسرح التقليدي، بهدف علاجي وتعليمي، وذلك في عروض ترفض الأعمال الأدبية.أما في تجربة المسرح الفرنسي فتعد شخصية شانسيريل أهم شخصية في تاريخ مسرح الطفل الفرنسي.وفي مسرح الطفل في هولندا تعتبر فرقة سكابينو -وهي فرقة الباليه الهولندية التي تعرض لجماهير الأطفال وتتوجه لهم- فرقة متفردة في العالم. وهي أقدم وأنجح مسرح للأطفال في هولندا.
أصعب المسارح
يقدم المؤلف في الفصل الثالث من كتابه عرضًا وتحليلا نقديًّا لنماذج مختارة من مسرحيات الطفل الأوروبي والآسيوي والأفريقي. ومن المسرح الإيراني للطفل يختار عرض “السمكة السوداء الصغيرة” وهي قصة أسطورية عن حب الاستطلاع والاستكشاف والفضول، وكذلك عن الارتحال والثورة. وهي محملة بعقلية ووجهة نظر الطفل الإيراني الصغير الذي يحاول معرفة العالم من حوله والاهتداء إليه.ومن المسرح الإنجليزي يختار “لغز الأصوات المسروقة”. ومن المسرح الإيطالي للطفل يختار “العجوزتان روزا وكليستا”.ومن المسرح الهولندي للطفل يختار المؤلف نموذج “الحياة الحافلة” لهيلتي جان. ويشير إلى محاولات جماعية جديدة للكتابة للطفل “حيث يكتب أربعة مؤلفين موهوبين يعملون متعاونين في النص الواحد.” كما يختار مسرحية “بعد غد” لرويل آدم الذي قام بإعداد المسرحية العبثية “الملك يموت” -لأوجين أونسكو- للأطفال.ومن مسرح الطفل البرتغالي يختار “حكايات حكيم” وهي مستوحاة من أساطير”ألف ليلة وليلة”، وقد كتبها الأديب البرتغالي نوبيرتو أفيلا لأطفال ما بعد الثامنة حيث تلعب الموتيفات الشرقية وأجواؤها الساحرة دورًا مهما.ومن مسرح الطفل الألماني يختار “الكمان والتشيلو والكونترباس” للكاتبة الألمانية ليللى أكستير، وفيها تتنوع المستويات والأماكن في الخارج، وتجمع بين المستوى الواقعي ومستوى الحلم ومستوى الخيال. وهي لأطفال ما فوق الثامنة.ومن المسرح السويدي يختار المؤلف مسرحية “حكاية العم الصغير” وهي لمسرح الطفل ما قبل الخامسة، للكاتبين لارس إيريك بروسنر وتوماس فون برومسين.كما يختار عبدالمعطي من مسرح الطفل المصري مسرحيتين اهتمتا بالتراث الشعبي وهما “عصفور الجنة” لبيومي قنديل و”قميص السعادة” للسيد حافظ.ويرى المؤلف أن الإبداع المسرحي للطفل هو أشق أنواع الإبداع، وتكمن مشقته في ضرورة أن يدلف كل من يعمل فيه، وعلى رأسهم الكاتب والمخرج صانع العرض المسرحي، بخيالهم وحدسهم إلى عالم الطفل، وأن يروا بعينه ويفسروا العالم بمنطقه الذي يختلف تماما عن المنطق العقلاني والتجريدي الذي يحكم نظرة الكبار، وليظهر لنا في النهاية هذا العالم في جِدته وأيضا في براءته وألفته وغرابته.
أحمد فضل شبلول |
المشـاهدات 31 تاريخ الإضافـة 14/01/2025 رقم المحتوى 58027 |
الحكومة بين النجاح والتحديات |
المسرحيون الجدد يحتاجون عدم التقوقع والتعامل مع مختلف المدارس كمال العلاوي: المسرح لا يزال عاجزا عن خلق هوية عربية |
المنافسة الرسمية تتضمن تنافس عروض من إنتاجات المسرح الوطني ومختلف المسارح الجهوية عروض مسرحية جزائرية تتنافس على جوائز المهرجان الوطني للمسرح المحترف |
مهرجان المسرح العربي يفتتح دورته الـ 15 في مسقط |
يوسف عيدابي: تعاون عربي صيني بالمؤتمر الفكري لمهرجان المسرح العربي |