التأرجح بين العالم الداخلي والعام في قصيدة “أرجوحة النار” للشاعر رضا السيد جعفر |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص :
د. انسام المعروف
غالبا ما يتأرج المعنى العام في القصيدة بالتزامن مع المعنى الباطني لها وادراك هذا التأرجح يحدده القارئ بفطنته وعمق رؤيته. و قصيدة " أرجوحة النار" للشاعر العراقي رضا السيد جعفر التي القاها في مهرجان الشعر الثاني في محافظة صلاح الدين والتي حملت اسم الاديب فرج ياسين ، هي من تلك القصائد التي ينطبق عليها هذا الوصف. فالقصيدة تتأمل في معاناة الإنسان في مواجهة صراعات داخلية وخارجية، وتركز على فكرة النضال المستمر رغم الصعوبات والهزائم. الشاعر يرسم صورة ملحمية لصراعه الشخصي والعام، حيث تمتزج قضايا ذاتية (كالروح والعاطفة) بقضايا كونية (كالزمن، الحروب، والإنسانية). فعلى السطح، نجد القصيدة توحي بمعاناة شديدة مع الحياة، لكنها أيضًا تعكس مقاومة وإصرارًا على مواجهة المحن. اما في العمق، فالنص يبدو كنداء وجودي لإعادة تعريف الذات أمام قوى العدم والانهيار، متأرجحًا بين الأمل واليأس. ان القارئ المتمعن يجد القصيدة مليئة بالصور والرموز التي تمنحها عمقًا وأبعادًا متعددة: فقول الشاعر “جمر قيثاري” يرمز للإبداع المتألم، حيث القيثارة أداة موسيقية تعكس الحزن المختلط بالجمال. وقوله “خيول دون مضمار” فهي استعارة ترمز للجهود الضائعة أو النضال بلا وجهة واضحة. اما قوله “النازع الشوك عن ياقوت ضحكتها” فهو صورة معقدة تربط بين الألم والفرح، حيث يتمثل الحب في التضحية. ان العنوان ذاته “أرجوحة النار” يمثل رمزاً وجودياً للحياة المتأرجحة بين الألم والفرح، وبين الأمل واليأس. ومن حهة اخرى فان “الطواحين” و”طشّاري” تشير إلى صراعات عبثية، وكأنها معركة دون جدوى على غرار معركة دون كيشوت مع الطواحين. ونجد ايضاً في التناص الذي استخدمه الشاعر الكثير من المعنى العميق الذي يحيلنا الى نصوص اخرى كروايتي سيرفانتيز ورواية طشاري. ان اللغة في القصيدة تحمل طابعًا متينًا، غنيًا بالاستعارات والرموز، وتتسم بقوة المجاز، فالصور المجازية مثل “ألاطم إعصارًا بإعصار” تعكس صراعات تتجاوز المحسوس لتلامس أبعادًا فلسفية. والمفارقة تظهر في الجمع بين المتناقضات (مثل “الروح تهذي دون سمّار”). اما الإيقاع الداخلي فيظهر في تكرار الكلمات والعبارات المرتبطة بالنار والصراع.ان البناء وعلاقة الشكل بالمعنى يلعب دوراً بارزا في هذا النص فالبنية السردية تسير كرحلة أو سردية ذات مراحل، تبدأ بوصف المعاناة الفردية، ثم تتحول إلى تأملات فلسفية حول الإنسان والحياة. ويظهر التكرار في صور النار والصراع، مما يعزز من الإلحاح الذي يشعر به القارئ. اما الصور والرموز فتتكامل لتشكيل لوحة واحدة تعبر عن المعاناة والصمود. والقصيدة تنتمي إلى بحر الكامل، الذي يتسم بالإيقاع العميق والمرن. وهذا البحر يلائم الموضوع الملحمي للقصيدة، حيث يساهم الإيقاع في تعزيز الشعور بالصراع والاستمرارية. تستدعي القصيدة لدى القارئ مشاعر متناقضة من الألم والإعجاب، وتدفعه للتأمل في قضايا إنسانية تتعلق بالوجود والمعاناة. اللغة العاطفية والمجازية تترك أثرًا عميقًا وتجعل النص مفتوحًا للتأويلات المختلفة. ان “أرجوحة النار” كقصيدة تنتمي إلى الأدب المقاوم والوجودي، حيث يتداخل الخاص بالعام، والذاتي بالكوني. تحمل عمقًا فلسفيًا وإحساسًا بالتجربة الإنسانية التي تتسم بالصراع والبحث عن معنى وسط الألم. بناء النص، رموزه، وصوره تجعلها نصًا ثريًا يفتح أفقًا للتأمل والإبداع. |
المشـاهدات 21 تاريخ الإضافـة 15/01/2025 رقم المحتوى 58063 |