الأربعاء 2025/1/15 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
ضباب
بغداد 8.95 مئويـة
نيوز بار
بنية الصورة الأيقونة في ديوان ( بأيِّ صيفٍ ستلمّين المطر؟)
بنية الصورة الأيقونة في ديوان ( بأيِّ صيفٍ ستلمّين المطر؟)
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

*ماجد الحسن

        إنَّ الصورة (وعي) قبل أن تنتمي إلى (البناء) فهي منظومة أنساق متنوعة تتشكل فيها خطابات المعنى، مع حضور السياق الدلالي والعلاماتي، ومن هنا يعرّف الشِّعر بها، ويمكن أن توصف الصورة (بنظام) من الوظائف تتجسد في بنية كلية مفارقة، ومتماسكة داخلياً تقدم نفسها في النص على أنها كل موحد، كما أنها تسهم بانبثاق المعنى وتدفعه إلى التعدد والاختلاف، من هنا ندرك أن الصورة وعاء المعنى، وحاضنته الدلالية، فهي التي تفرض تشاكلاتها على المعنى الذي يعد الرهان النهائي للنص الشعري، كما تعتمد على سلسلة الجزيئات المترابطة التي تنتظم في مجموعة حقائق تحيلنا إلى الكشف عن المقاربات النصية في أبعادها البنائية والمضمونية المتداخلة، فاكتساب المعنى صار نتيجة حتمية لفاعلية الصورة الشعرية، وهكذا نتخذها معياراً نضبط به إيقاع النص مع الكشف عن صيرورته البنائية، أما الأيقونة حسب ما جاء في معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة هي " النمط الذي تكون فيه الصورة الفنية مجموعة مقتطعات من صور تشير إلى صورة من خلال علاقة التماثل بين الأيقونة وما تشير إليه؛ فهي بعض من صورة يشير إلى الصورة اعتماداً على ما تمتلكه من مميزات " إذاً هي مجموعة توليفات تشكل بنية النص الكلية، وهذه البنية تسعى لتكسير الوحدة التصويرية، وهذا الأمر يمكن بيانه في نصوص الشاعر غسان حسن محمد، إذ جاء في نصه الآتي:

اقبضْ على جمرتِكَ..

فالماءُ يبحثُ عما يطفئ اللهيب..،

رجلٌ يقفُ على حافةِ البحر.،

في عنقهِ حجرٌ..، يحلمُ بالقاع!

وسمكة تنطُ إلى النجوم..،

 تسعى لقطف الضياء..!!

لقد لجأ  الشاعر غسان حسن في بناء صوره الأيقونة انطلاقاً من حقل دلالي واحد (الماء)، لتتفرع عنه مجموعة أيقونات كــ (اللهيب، والقاع، والنجوم)، وتلك الأيقونات انطلقت من مكانيين على قدر من التباعد والتضاد وهما (البحر والنجوم)، جمعهما فعل الأمر (اقبض)، وانطلاقاً من دلالة الألفاظ التي تدل على حقل مكاني تشكلت الصورة الأيقونية من عالمين مهمين، وهما عالم (الواقع) وعالم (الماوراء)، ويتلاحم العالمان استناداً إلى مقومات ثقافية تفصح عن إشكالية وجودية وإنسانية، وهي السعي بالفوز بالضياء إثر ظلمة تلّف المصير الإنساني، إذاً هناك تقطيع صوري أراد منه الشاعر بلوغ الدلالات المقصودة التي جاءت على شكل أيقونات، ذات الأمر فيما يتعلق بالمقطع الآتي:

من أشار..

إلى السنبلة

أن ترفلَ بالقمح..

والأرض تحترق؟

من أشار ..

إلى الماء

أن اهبط..،

والنبع مصابٌ

بدوار الجهات؟

من أشار..

 إلى الثمار بالتعدد

والنساء يراكمن الأبناء

على مدار الحروب؟

 إنّ تعددية  الأيقونات في الصورة الشعرية واختلاف أنواعها يعود إلى اختلاف مرجعيات النص ومعطياته وإن هذا التنوع هو الذي يرصد ثراء النص وعمقه، فالنص لا يقف عند حدود صورة واحدة بما أن للنص معطياته، للصورة معطياتها أيضاً، التي تشكل بنيتها الأساس، ولهذا يصبح للنص في بناءه الصوري وظيفتين، وظيفة الاستقبال للمعطيات الخارجية والتي تنصهر في نسيج النص ووظيفة إنتاجية تقوم بها الصورة، ويلاحظ أن هناك علاقة تلازمية بين تنوع المعطيات وتنوع أنماط الصورة، وأن هذا التنوع من شأنه تفجير مكامن النص وزيادة ثرائه، وهذا ما جاء في المقطع الآنف الذكر الذي انطلق من بنية التساؤل، وبذلك نلمس تنوعاً في الصور الأيقونية وهي صور جزئية التي شكلت الصورة الكلية للنص، فهناك (أرض،  ونبع،  ونساء ) وكل هذه الأيقونات تقع ضمن حقلين دلالين حقل الواقع وحقل الذات، وبذلك نلمس الكيفية التي تشكلت بها جزيئات المعطيات في البنية الكلية للنص، إنَّ بناء الصورة الشعرية التي تعتمد التكثيف والمفارقة تشي بوعي شعري يتخلق في بؤرة مركزية تتشظى عنها أيقونات متعينة، وهذا ما يمكن بيانه في المقطع الآتي:

بعد حلْمٍ  عظيم..

أفقنا على ترانيم حروبٍ..،

يغشانا رصاصها جمعا..

أحرقتِ المراكب والبحر ..!

بعد ان لم تَعُدْ اليابسةُ:

تقلُّ قدماً..، او تُخرجُ حيَّاً..،

فبين حجرٍ يتهاوى من علٍّ

وآخر إليه تركن الأجساد

كانت اليد تحترف العاب المحو..!

إذن الصورة عند غسان حسن لم تكن عشوائية بل وجدت لتحقيق غرض إرادة الشاعر في تحقيق مبتغاه الرمزي والأيقوني, وبذلك شكلت الصورة الشعرية عنده، ركناً مهماً في أنشاء معمارية النصوص, وفتح مغاليق رؤية الشاعر ومبتغاه تجاء القضايا والموجودات, وبذلك اتخذ من أيقونات (الحروب، والحرائق، واليابسة، والمحو) مبتكراً صورة للموت المتمثل بالأيقونات السابقة التي لطالما كانت رمزاً للموت والدمار، فهذه الأيقونات استخدمها الشاعر كوسيلة لاستظهار وعرض مشهد الموت وأهوال الحروب التي عايشها الشاعر، كما أن جوهر الصور الجزئية انبثقت من خلال التضاد بين الموت/ الحروب، والحلم/ الحياة، وإن أهم ما يميز الصورة الشعرية عنده هو التوظيف الدلالي والرمزي للمكان، فالمراكب بوصفها مكاناً متحركاً قلقاً جمعت الضدين البحر/ الحياة، واليابسة/ الموت،  وقد اتخذ الشاعر من التضاد المكاني منطلقاً للكشف عن المضمرات وفاعلية الأيقونات التي تسهم وبشكل كبير في مسار النص وتشكيلة وتأويله.

   إن النص الشعري ليس من نسيج الخيال فحسب, بل هو من ذاكرة تستدرج صورة الواقع لتكشف عن المضمر فيه، لقد باتت الصورة الشعرية في قصيدة النثر تقدم تصورات ذهنية ذات طابع تجريدي بحثاً عن الأنساق الواقعية المتعينة، وهذا البحث هو بيان صورة (الإنسان) وتجاذباته الوجودية، فالبحث الآنف في منظومته التصويرية يقدم تصورات دلالية عن الحياة كوحدة (كلية)، ولكن لها معطياتها المتنوعة المتآلفة أو المتناقضة، كما أن إدراك هذه المعطيات يسهم في بناء الصورة وتكويناتها الأيقوني التي ستفصح عن التجاذبات بوصفها معطيات نكتشف من خلالها طبيعة تكوين الصورة في تدرجاتها النصية (كرؤيا).ولعل المقطع الآتي يشي بذلك:

ريحٌ تساومُ الشمعة على أنفاسها.،

وذكرى تعصفُ بالدمع،

وأنا لستُ قاربَ نجاة.،

بعد أن ضاع النهر..

فلماذا تهتزُّ من تحتي الأرض كموج،

وعلى عاتقي يقع غضب الشراع؟!

 إنّ بناء الصورة في المقطع الآنف اعتمدت طرفين متصارعين وهما (الريح والشراع) تتوسطهما معطيات تحمل ترميزات (المحنة)، وبذلك نلمس تكثيفاً دلالياً كشف لنا عن المعنى الأعمق للصراع الذي توافر على صور الأيقونية، وخلاصة القول أن الصورة الشعرية بوصفها (وعياً وبناءً)، هي عند الشاعر غسان حسن حصيلة لانبثاقات كثيرة من أهمها تنوع الأيقونات التي تتناسب والمقصد النصي العام، من هنا تتشكل الصورة من منظومة علامات تسعى إلى التكثيف لكون الصور الأيقونة بتنوعها ما هي إلا بنية صغيرة داخل خطاب كبير، تتقاطع وتتفاعل لتمنح الصورة خصوصيتها وخصائصها، ولذا بات الوعي الشعري هو من يضع الصورة في إطار بنائي يساعدنا في الكشف عن تلك الأيقونات، ومن هنا صار تكثيف المعطيات نمطاً مهماً درجت نصوص الشاعر.

المشـاهدات 18   تاريخ الإضافـة 15/01/2025   رقم المحتوى 58064
أضف تقييـم