الأربعاء 2025/2/12 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 4.95 مئويـة
نيوز بار
ألم القصيدة في " أشجار بلون الهديل" للشاعر سعد ياسين يوسف
ألم القصيدة في " أشجار بلون الهديل" للشاعر سعد ياسين يوسف
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

د. عامر هشام الصفار

 المملكة المتحدة

 

‏   يستمر الشاعر سعد ياسين يوسف في نهجه الشعري الذي يركز فيه على لغة القصيدة والشكل فيها والبنية، قاصدا إحداث الدهشة عند القارئ لقصيدته، حتى الوصول لمرحلة الاستمتاع بالشعر، رغم اختياره لموضوعات جلّها فيها الألم إحساسا، يكاد أن يكون الدال الأعمق على النهج الشعري، ومراد القصيدة عند يوسف.

   احتوى الديوان الجديد للشاعر سعد ياسين يوسف وهو التاسع في تسلسل دواوينه على ثلاثين قصيدة من قصائد النثر تحت عنوان "أشجار بلون الهديل"، وصدر في مئة وعشرين صفحة من الحجم المتوسط عن "مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع".

وقد تنوعت قصائد ديوان "أشجار بلون الهديل" شكلا ومضمونا، وعدد كلمات. فهناك من القصائد ما أعده قصيرا جدا، وهناك ما يأخذ ثلاث إلى أربع صفحات من الديوان أو أكثر، حتى إذا أختصر القصيدة راح يكثف في لغتها ويزيد في أفعالها المضارعة وصولا إلى المفارقة في خاتمتها، لإحداث الدهشة عند قارئ يتطلع إلى الجديد في الموضوع.

 

   وإذا كان بعض النقاد قد عدوا سعد ياسين يوسف شاعر الأشجار لتركيزه في إصداراته الشعرية السابقة على الشجرة كرمز ومعنى، فإن لأشجار هذا الديوان لونها الخاص الذي انزاح عن أصله فأصبح كالهديل (صوتا للحمائم)، فكأن الشجرة وهي تغذي بستان الشعر وتتغذى منه، قد امتدت جذورها عميقا في صخر الأرض لتفتته، وتبني على أغصانها أعشاشا لحمائم لا تكف عن الهديل الذي يكون في أحايين كثيرة (قصائد)..هديلاً نابعا من ألم.

 

    يقول جان كوهن في كتابه النظرية في الشعرية "أن الشعر سلطة من السحر والافتتان". ثم إن اللغة الشعرية هي أسلوب تعبير يستخدمه الشاعر ليخلق تجربة جمالية وفنية لابد لها من أن تختلف عن اللغة اليومية، التي يستخدمها الناس في الحوار اليومي مثلا أو في النثر العام. وعليه فاللغة الشعرية لابد من أن تتميز بالإيقاع، والصورة الشعرية الفريدة، واستخدام الاستعارات، والرموز لتحفيز الذهن.. ذهن المتلقي، بصور تعبر عن معاني عميقة بطريقة غير مباشرة.

وقد تميل اللغة الشعرية إلى الغموض أحيانا مما يترك المجال واسعا أمام المتلقي للتأويل والتفاعل مع القصيدة.

 

‏    ومن موضوعات الديوان الجديد للشاعر سعد ياسين يوسف، موضوعة الحرب عامة، والحرب على غزة خاصة، والزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، والشهداء في حريق مستشفى الحسين في ذي قار العراقية في عام 2021.

ثم ان من موضوعات الديوان الأخرى: الأم، والأمكنة (المدن) كمدينة قليبيا التونسية، والوباء، والحب الأول، وحضور الشخصيات الكبيرة كالشاعر مظفر النواب..

ولا بد للشعر عند سعد ياسين يوسف من أن يوظف التراث والموروث الشعبي فتقرأ في ديوانه الجديد أسم الحجاج أبن أرطأة، وتقرأ خمبابا، وجلال الدين الرومي، وتسير مع الشاعر في الرابية وحي التوراة، وتسمع معه طور غناء المحمداوي، وتشاركه رقصة النوبة.

 

    وفي رصدنا الفني الجمالي لبعض من قصائد الشاعر يوسف في ديوانه "أشجار بلون الهديل" نشير الى قصيدة "ما تطحنه الحرب"..

 

"الحرب تطل بوجه

من رماد

بضفائر النار التي

تلتف حول البيوت". ص10

 

‏فكأن الحرب بصورتها الفاجعة هذه تطل قبيحة مؤنسنة. لها وجه ولكنه من بقايا النار، ولها ضفائر من النار نفسها، ولكن هذه الضفائر لا يمكن لها إلا أن تكون شرسة، فتظل تلتف لتطيح بالبيوت.. دلالة على البشر والحجر والفناء والدمار…وليستمر هذا الألم:

 

"مهشمة دمى الأطفال

تسقط فوق ما تبقى

من جذوع الشجر القتيل

الحرب رحىً

لا تطحن القمح للفقراء

قد تطحن الشمس

فتنقلب آية النهار".ص11

 

‏وهكذا يذهب الأطفال كما النساء والشيوخ والأبرياء ضحايا لحرب قبيحة، فتتهشم الدمى ..دمى الأطفال لتظل دالة على الضحية التي توسدت جذع الشجر الذي لم يسلم من الحرب. هذه الحرب التي كالرحى تشبيها، ولكنها رحى تطحن الكون، وتقلب المدار، فتصبح النهارات كالليل، وتختفي الشموس في لجة النيران والألم.

وفي قصيدة " وردة حمراء في يد شاحبة" والتي جاءت في زلزال أرضي، يفاجئ الشاعر القارئ بلفظة الأنين مبتدأً قصيدته:

 

" أنقطع الأنين

لا

لا لا

من قال؟

فالأسقف المنهارة

تعلو بالشهيق

ثم تهبط

لا تطلقوا الرصاصة

الأخيرة

أسكتوا المحركات

الهادرة

المطارق الكبيرة

لوذوا بصمت عميق

وأرهفوا السمع

فللسماء

ما يشبه الهديل".. ص15

 

‏وهنا تتجسد لغة الشعر في قصيدة الشاعر سعد ياسين يوسف فكأن ما يصاعد في السماء يشبه الهديل، في قصيدة بدأت بالأنين (دلالة الألم) والأسقف المنهارة التي تنتظر أجنحة الملائكة:

" يا أجنحة الملائكة

كوني الوسادة

لمن توسدوا كتل الركام"ص16

 

هو الألم الذي ما أحوجه الى وسادة من جناح ملاك.

ثم إن قدرة التعبير الفنية عن المشاعر الإنسانية تتجلى عند الشاعر يوسف بأوضح صورها في قصيدة "الجمر ورمل البلاد" والمهداة الى مظفر النواب. لنقرأ:

 

"في وضح المساء

رأيت حزني

وقد تدلى على شجر الغيابِ

غيابك الذي كلما آخيته

أستبق الخطى نافراً" ص21

 

‏ففي لحظة المساءات التي يعيشها المرهف الإحساس يتجسد له الحزن فيراه، ولكن الرؤية هنا ليست إلا للحزن وقد تدلى على شجرة نادرة هي شجرة الذين غابوا عن دار الفناء.. فكأنهم لم يغيبوا.!

تقول القصيدة:

 

"حيّا كنتَ وكانوا خلفك

وأنتَ تمدّ لهم لساناً مشتعل الكلمات" ص22

مذكّرا المتلقي من خلال عنايته بالعبارة الشعرية بأن القصيدة مهداة الى مظفر النواب.. ومن غيره صاحب الكلمات المشتعلة!

ويتواصل الألم الذي لا مسّكن له، فيكون عرس النار حول حريق في قاعة زفاف بقضاء الحمدانية في الموصل:

 

" آه كم تنوراً نُحصي

لندرك سرّ النار

الأزلية اللاهثة فينا".. ص87

 

وهي عودة الشاعر للاسم النار… والسؤال-الحق عن تنانير (جمع تنور) مفتوحة لنار لا يخمد أوارها…. ليستمر الحريق.. وليستمر الألم.

 

المشـاهدات 58   تاريخ الإضافـة 07/02/2025   رقم المحتوى 58949
أضف تقييـم