
![]() |
جيران آخر زمن! قصة قصيرة حزينة – |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : فوز حمزة
جاري حميد البقال وكما اعتاد أهل الحي مناداته بـ ( حُميّد ) بضمِ الحاء وتشديد الياء، كان يمتلك دكانًا لبيع الأعشاب، والحق يقال كان فيها بارعًا خبيرًا، فذاع صيته ليس فقط في السوق الشعبي الذي يعمل فيه، بل وفي الأسواق المجاورة، ولن أبالغ إن قلت وصل صيته بعد أن تعدى بغداد لبعض المحافظات، لكن ( حُميّد ) هذا كان ذو طموح يفوق قدراته العشبية والعطارية - إن صح التعبير - وهذا الطموح المفاجئ قلب حياته وحياة عائلته رأسًا على عقب حينما قرر ترك مهنة أجداده وأبوه لصبح ناقدًا! وعلى الرغم من تحذيرات بعض أصدقاءه المقربين من المستقبل المجهول الذي ينتظره، إلّا أنه ضرب بعرض الحائط نصائح الجميع من بينهم زوجته حينما أخبرته أن الكتب التي تتحدث عن مضار الأعشاب وفوائدها ليست لها علاقة من قريب أو حتى من بعيد بالأدب أو كما صحح لها بالنقد، لكن حُميّد صمَّ أذنيه وعينيه وقرر أن يصبح ناقدًا أدبيًا ولتذهب الأعشاب ومتعاطوها إلى الجحيم!. مضى حُميّد لتحقيق حلمه الذي باتْ يؤرق ليله ويشاغل نهاره، فجاره الناقد الذي يعمل أستاذًا في الجامعة ليس بأفضل منه .. وليت الأمر اقتصر على ذلك، فالطامة الكبرى وقعتْ عندما أعلن أن الأيام القادمة ستسفر عن ولادة ناقدٍ شاملٍ على غرارِ الفنان الشامل وحينما سأله البعض ممن كان دون المستوى الثقافي له عن معنى ( الشامل ) أجاب وقد وضع ساقًا فوق ساق بأنه سيكون ليس فقط ناقدًا للمسرح الشكسبيري أو البرختي - كما سمع ذلك من جاره حينما كان يتحدث في إحدى لقاءاته التلفزيونية - بل قدراته الدفينة وموهبته الجبارة تدعوه للكتابة عن الشعر العمودي وقصيدة النثر، والتفعيلة، والرواية، والقصة القصيرة بل سيتفوق على اليابانيين في نقدهم الهايكو القديم والحديث وليس اليوم الذي سيكتب فيه عن النظريات الأدبية ببعيد، وها هو أصبح من مرتادي المتنبي المعروفين، لكن الأهم من ذلك - كما بين لأحد الزبائن كان يطلب منه وصفة للقولون العصبي - أن سعادته تكمن في أنه سيكون واحدًا ممن سينهضون بالبلد ويحارب كل فساد قد يطال الأدب، والفن، والجمال، ففي السابق كان يحارب الأمراض العضوية، أما الآن فوطنيته تقتضي منه محاربة ( الأمراض الأدبية ) إن جاز له التعبير كما صرح في إحدى الجلسات التي كانت تقام على باب دكانه. مرّت الأشهر .. الآن حُميّد ( البكال ) حاصل على عضوية أحد الاتحادات بعد أن ألفَ كتابًا يتحدث فيه عن تجربته في ( القراءات الانطباعية بعد الثورة الصناعية ) أما مقالاته ودراساته الفذة، فلا تكاد صحيفة أو مجلة تخلو منها، ومؤخرًا اتجه بعد حصوله على شهادة تكريم من إحدى المؤسسات التي تُعنى بالشأن الثقافي للكتابة عن تأثير الومضة في حياة المرأة المطلقة. |
المشـاهدات 65 تاريخ الإضافـة 18/02/2025 رقم المحتوى 59479 |