
![]() |
قصص قصيرة جدا |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
١ كأس من ضوء قمر مجهول هو ماتحتاجه، الظمأ المقيم بالروح حالك السواد،وكل الكؤوس الاخرى لاتبدد الظلام. هي كنجمة في الفضاء، تجاور الملايين من النجوم، لكنها وحيدة، بعيدة ، منعزلة، تسكب وحشتها دموعا من فضة لتبلل خدود السماء. - بماذا تفكرين ؟ - بقمر. - الست انا قمرك . - كان هذا يوم امس. - والان؟ - انطفأت. - لماذا؟ - لاادري. اوقف اسئلته، تفهم الامر، غادر طاولة اللقاء بلاامتعاض. كلاهما من مزاج واحد.... مزاج كمناخ شهر شباط، يتغير من يوم لاخر وشباط نفسه لايعرف السبب.
٢
رأيتك تمشين في رأسي منتصف ليلة امس. تمشين كايقاع اغنية (على هدير البوسطة) لفيروز.. الكتب مضمومة بين ابطك والقلب، وجهك كقطعة كيك مغطاة بالكريما، شعرك مبعثر كأغصان شجرة يوكالبتوس ضربها هواء مفاجيء ، وتنورة الزي الموحد المتطايرة ترفعني إلى سقف السماء وترميني جسدا من جهنم. * اليوم وانا اشرب طعم الحلم مع استكان الشاي صباحا، رحت ارسم لك في خيالي صورة أخرى اكبر من صورة البارحة بعشرين سنة، جعلت فيها وجهك رغيفا اكسبه تنور العمر نضجا شهيا، حركتك كايقاع اغنية (يمه الحلو) لفيروز ايضا، واستبدلت تنورتك ببنطال جينز محتشم ولامحتشم، وقد فعلت كل هذا حتى تعودين إلي في الليلة القادمة بعمرك الان لكي يرضى عنه عمري. واذا تسأليني عن شعرك ولماذا اغفلته، فجوابي هو انني نسيت انا والشوارع المؤدية إلى المدرسة، كيف تكون صورة الشعر المتطاير اوالشعر الساكن، إذ ماعدت اراه الا من خلف زجاج الشاشات فقط.
٣
يسكر عبيد الكناس ظهرا،ولايسكر الهم الذي في قلبه، حيث يبقى صاحيا، يزيد من دوران دماغه، لذلك فان ٢٥٠ سي سي من العرق الاسود كانت كمية كافية لتحويله الى اسفنجة هشة، تترنح في سيرها الى ان تسقط منهارة على احد الارصفة. وفي سقوطه لاتتوقف اهزوجة صغار الشوارع غير المؤدبة عن الترداد، بل تستمر بالتصاعد، ثم تصحبها سلوكيات اخرى تبدر منهم، من بينها وضع حذاء عتيق على رأسه مثلا، او رمي شيئا من ماء المجاري على بدلته المتسخة اصلا باوساخنا التي ينظفها. ودائما، ومن بين كل رجال المحلة، تمتد يد جواد نحوه، ترفعه من سقوطه، ثم يسند جسده ويمضي به الى زوجته سعدية بعد ان يشبعنا سبابا ويمكث هناك طويلا. * جواد الشقاوة كان هو الهم الساكن في قلب عبيد، كتمه طويلا الى حد الاختناق، ثم قرر الخلاص منه ذات نفاذ جبن، فسكب النفط على بيته القصبي، واضرم فيه النار، وحول جواد وسعدية الى جثتين عاريتين متفحمتين في عز النهار.
٤
((مطرت الدنيا قيمر)) تنفلت عواطف سعدون الاوتجي ويتخربط ويتقهقر عمره الى زمان المراهقة ويطلق تلك العبارة حين تمر زهور في شارع الصباح ذاهبة الى عملها كعاملة في مدرسة الحي. وزهور تكرر مرورها يوميا وانا اعلم ان في روحها تتصاعد بهجة الإناث من هذا الوصف رغم تصنعها اللامبالاة. * ((مطرت الدنيا قيمر وعسل)) اضاف تلك الكلمة في احد الصباحات حين راها ترسم ربع ابتسامة على شفتيها، وخرج من داخل دكانه ومن الدنيا كلها وطارت نظراته من عينيه وراحت تحوم حول جسدها، فيما صار صوته القوي المتهور يكرر خلفها : ((قيمر وعسل)) والصباح في عينيه يتحول كله الى قشطة تمتد من الدكان حتى المدرسة. * - هل استمر صباحه قيمر وعسل؟ - لا. اوتي الفحم الكبير احرق القشطة وجعل رائحتها كرائحة العطاب وحول صباح سعدون الى حيرة تثير الاعصاب، فابتسامة زهور انسته حتى كفه القابضة على مصدر رزقه وماالذي يجب عليها ان تفعل تلك الكف. اذ انه حين هب خارجا الى الباب بلاوعي منه، ترك المكوى نائما فوق قميص هادي الموظف الذي كان يستعد للدوام، فاحترق هذا خلال لحظات من وسطه، واحرق معه قلب هادي الذي بدوره اشعل حريق الشتائم والاهانات والتهديدات في صباح سعدون، وسلب من روحه طعم القشطة والعسل ووضع طعم الدخان بدلا عنهما.
٥
اذا جن ليلها طارت روحها الى بيته وطار عقلها الى دكان الخمار. وعندما يبكيها الخمر ثم يريحها، ترفع سماعة الهاتف وتتصل به. يرد هو بفرح : - الو. وفي كل مرة تغلق الهاتف مكتفية بسماع صوته وبالتلذذ في تعذيبه وهو يواصل الرد(الو. الو. الو...) ومن ثم تعود للاحتساء والبكاء حتى السقوط في بئر النوم. لاسعد ارتضى بفاتن المجهولة النسب ولافاتن ارتضت بسعد الجبان الخائف من ابيه. وعلى الفراشين، كان سعد يحتضن زوجته على اساس انها فاتن، وكانت فاتن تحتضن المخدة على اساس انها سعد، وكان هذا هو الحل الوحيد لكي ينام الاثنان. في احد المساءات اخذ الخمر فاتنا الى النهر ورماها به، فظل سعد يرفع السماعة منذ تلك الليلة ويصيح : الو. الو. الو. الى ان اصبح مجنونا يعيش نهاراته وليله على جرف النهر. (هذه حكاية سمعتها في صباي من احد جيراننا الكبار عن شخصية (سعد الو) الذي كنا نشاكسه حين نراه بثيابه الوسخة وشعره الاشعث. وجارنا هذا رجل كذوب لكنه برع في تأليف حكاية معاصرة تشبه حكاية قيس وليلى الكاذبة، وصدقناه ولماذا لانصدقه؟ هل كان الخيال حكرا على الكذابين القدماء فقط؟ )
٦
اعرف انني لم ادركك، كل واحد منا يدور في فلكه المقدر له، لكنني لن انقطع عن الرقص من حولك، فبدون ضوئك اغدو مجرد قرص من تراب مظلم. كتب قصيدته القصيرة هذه، وسلمها الى الهواء الممتد بين سطح دارهم وقصر اهلها، وكانت قامة القصر اعلى من ان تعبرها ورقة صغيرة مربوطة بحجر صغير. بعد بضعة ايام، رحلت غيداء في موكب عرس امتلأ بالشمس والنجوم المحيطة بها، تاركة الورقة تنام على شرفة دارهم وهي تحتض الحجر، لكن سمير لم يغادر فلكه، واستمر، حتى بعد زواجه، يرقص حول خيال فلكها الى اخر حياته، رغم تحوله منذ ساعة الرحيل الى مجرد هيكل من تراب فاقد لكل نور. |
المشـاهدات 65 تاريخ الإضافـة 18/02/2025 رقم المحتوى 59477 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |