النـص :
ان اقامة مهرجانات للمسرح العربي هو ظاهرة فنية وثقافية رائعة لان ذلك من شإنه ان يخلق حراكا فنيا وإبداعيا كما انه يعمق العلاقة بين المسرح والجمهور. ويزيد من حالة الاطلاع والتفاعل بين مختلف التجارب المسرحية ويجعل جيل الشباب يتواجد مع جيل الرواد لتتلاقح الخبرات وينجم عنها مزيدا من المواكبة والاستمرار في العطاء وما يناله الجمهور ينبغي ان يكون الإنجاز الأكبر كونه الجهة التي يستهدفها الفنان ولديه يتحقق الأثر
، كل هذا يشكل بعضا من أهداف المهرجانات المسرحية العربية ، ولكن لو نتأمل الواقع لهذه المهرجانات نراها خلاف ذلك تماما حيث اصبحت معظم هذه اللقاءات هي تجارب مستنسخة عن بعضها وان العروض لم تعد تستهدف الجمهور وحاجاته قدر البحث عن موضوعات غرائبية وأساليب مصطنعة تحت لافتة التجريب وما بعد الحداثة وقد قيض لي قبل ايام قليلة ان احضر افتتاح مهرجان الشارقة للمسرح العربي وقد التقيت بذات الوجوه المسرحية التي يتكرر حضورها في كل مناسبة ومهرجان بل باتت هذه الأسماء وكأنها وريث دائم في هذه اللقاءات امام غياب الوجوه الشابة والتجارب التي نأمل ان تكون فاعلة سواء على مستوى المشاركة او الجمهور ، وكان عرض الافتتاح هو اعادة لعرض مسرحية البخارة لفرقة أوبرا تونس قطب المسرح والفنون الركحية ومن اخراج الصادق الطرابلسي هذا العرض قد سبق ان فاز بجائزة مهرجان المسرح العربي الذي أقيم في عمان بدورته الخامسة عشرة منتصف الشهر الماضي ونتيجة لما تابعته واطلعت عليه من اخبار ومتابعات اعلامية حول العرض صار لدي فضول كبير وحرص لمشاهدته لذلك توجهت وفريقي المشارك في ورشة الكتابة المسرحية بإمارة الفجيرة إلى الشارقة وبعد ان شاهدت العرض تولدت لدي عدة ملاحظات لعل أبرزها هو الاستغراب في منح جائزة المسرح العربي لعرض لا يتوفر على العناصر التكاملية التي تؤهله لان يتحصل على هذه الجائزة الاثيرة التي تمثل حوصلة المسرح العربي لان العرض رغم ان فكرته تتصدى لظاهرة اصبح من الضروري الوقوف عندها والمضي في معالجتها إلا وهي مشكلة التلوث والفضلات والمخلفات الكيمياوية وغيرها من عوادم المعامل والمصانع والمخابر التي باتت تهدد حياة الناس، أظهرها لنا المخرج عبر معاناة عائلة بخمسة شخصيات مإزومة تعاني مشاكل نفسية وجسدية بسببها التلوث الذي اصبح عاملا اساسياً في تدمير الحياة البشرية والطبيعية ،ازاء هذه الفكرة المطروحة كيف جاءت المعالجة الاخراجية والأداء ، فالسينوغرافيا المتحركة إلى جانب الموسيقى التي رافقت تفاصيل العرض والتي كانت عنصرا مهيمنا ومتحكما في مسار الحدث ورسم حركة وإيقاع الشخوص مما جعل الأفعال المسرحية وألاداء التمثيلي رهينة المقاطع والمؤثرات الموسيقية ومما زاد لي غموض الرؤية الاخراجية هو التكرار في الحوار والحركة وان اعتماد اللهجة المحلية التونسية وسرعة الكلام أضاع علينا فهم الحوار وقد تنبه فريق البخارة لذلك باعتبارهم يقدمون العرض لجمهور غير تونسي ويجهل معظم العبارات والمفردات التي تنطقها الشخصيات مما اضطرّهم إلى اعتماد الترجمة التي وضعت اعلى واجهة المسرح مما أعاقت
بل شتت تركيز وانتباه الجمهور على مشاهد العرض البصرية وسحبته لمتابعة الترجمة التي كانت قاصرة في توصيل مدلولات الحوار كما كانت تنطقه الشخصيات وهو حوار كان مختزنا بالنقد والسخرية اللاذعة اما الاداء فقد شابه نوع من التكرار في الحركة والتطويل الممل بسبب الاستغراق والمبالغة في الافعال او القطع السريع بما فيها الرقصة التعبيرية التي ارادها المخرج ان تكون نقيضا وتمردا على واقع مزري تعيشه معظم شخصيات البيت الذين باتت تخنقهم روائح الكبريت والمواد الكيمياوية المنبعثه من المعمل المجاور ، لا اريد هنا ان أتعرض بالتحليل التفصيلي لهذا العرض الذي جعلني استغرب كيف منح افضل جائزة في مهرجان للمسرح العربي يفترض ان يقدم عروضا تتوفر على عناصر التكامل للعرض المسرحي وما شاهدناه في افتتاح مهرجان الشارقة جاء خلاف ذلك الامر الذي يدفعنا إلى القول بأنه من الضروري جدا اعادة النظر في مسابقات المسرح العربي وشروطها وتوخي الدقة في اختيار لجان التحكيم وكذلك الضيوف بعيدا عن هامش العلاقات والمجاملات والترضية وإيلاء المهرجانات ومنافساتها اهتماما يليق بالمسرح العربي وجمهوره .
|