الأحد 2025/2/23 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 4.95 مئويـة
نيوز بار
الرؤية الاستراتيجية لسياسة ترامب في فرض الرسوم الجمركية: بين الحمائية والتوازن التجاري
الرؤية الاستراتيجية لسياسة ترامب في فرض الرسوم الجمركية: بين الحمائية والتوازن التجاري
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناجي الغزي
النـص :

في عالم تسوده العولمة وتتحكم فيه شبكات التجارة المتداخلة، مثلت سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فرض الرسوم الجمركية نقطة انعطاف في الاستراتيجيات الاقتصادية العالمية. لم تكن هذه السياسة مجرد أداة اقتصادية، بل كانت رؤية استراتيجية متكاملة، تهدف إلى إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي وفقاً لمفهوم "التجارة العادلة" الذي يؤمن به ترامب. جاءت هذه الإجراءات استجابةً للعجز التجاري الكبير الذي تعاني منه الولايات المتحدة، ورغبةً في فرض شروط جديدة على الدول التي يرى أنها تستفيد بشكل غير متكافئ من النظام التجاري الدولي. ولكن، هل كانت هذه الاستراتيجية ناجحة؟ وما تداعياتها على المدى الطويل؟

 

الجذور الاستراتيجية لسياسة ترامب التجارية

 

لم تكن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب مجرد قرارات منفصلة، بل جاءت ضمن إطار أوسع من السياسات الحمائية التي سعت إلى تحقيق أهداف استراتيجية واضحة:

1- إعادة التوازن إلى الميزان التجاري

 

استندت إدارة ترامب إلى فرضية أن العجز التجاري الأميركي هو نتيجة لممارسات غير عادلة من قبل الشركاء التجاريين، حيث تفرض العديد من الدول رسوماً مرتفعة على المنتجات الأميركية، بينما تستفيد من دخول منتجاتها إلى السوق الأميركية بتكاليف أقل.وبناءً على ذلك، تبنّت الإدارة سياسة "التعرفة الجمركية المتبادلة"، التي تستهدف فرض رسوم مماثلة لتلك التي تطبقها الدول الأخرى، بهدف تحقيق "ساحة لعب متكافئة".

 

2- حماية الصناعات المحلية وتعزيز التصنيع الأميركي

 

كان أحد الشعارات الأساسية لحملة ترامب "أميركا أولاً"، والذي انعكس في سياساته التجارية. فقد سعى إلى إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة عبر فرض رسوم على واردات الصلب والألمنيوم، ومنح الصناعات المحلية ميزة تنافسية داخل السوق الأميركية.جاءت هذه الخطوة في سياق رؤية أوسع تتعلق بتقليل الاعتماد على الواردات، وتعزيز الأمن الاقتصادي من خلال بناء قاعدة صناعية قوية

 

3- استخدام الرسوم الجمركية كأداة تفاوضية

 

لم تكن الرسوم الجمركية مجرد وسيلة لزيادة الإيرادات أو لحماية الأسواق، بل أصبحت سلاحاً سياسياً يستخدمه ترامب في المفاوضات التجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك.وتمثل ذلك في الحرب التجارية مع الصين، حيث فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية مرتفعة على المنتجات الصينية، مما أجبر بكين على تقديم تنازلات، مثل زيادة مشترياتها من السلع الأميركية، وخاصة المنتجات الزراعية والطاقة.

 

الآثار الاستراتيجية على الاقتصاد الأميركي والعالمي

 

أولا: التأثير على الاقتصاد الأميركي

 

إيجابياً:   تعزيز الإنتاج المحلي لبعض الصناعات، مثل الفولاذ والألمنيوم، مما أدى إلى زيادة فرص العمل في هذه القطاعات. وتحفيز الشركات الأميركية لإعادة توطين مصانعها داخل الولايات المتحدة، خاصة مع التهديد بفرض رسوم على الشركات التي تعتمد على التصنيع في الخارج.سلبياً: ارتفاع تكاليف الإنتاج على الشركات الأميركية التي تعتمد على المواد المستوردة، مما أدى إلى رفع أسعار السلع داخل السوق المحلي.كما تعرض القطاع الزراعي الأميركي لضغوط كبيرة، حيث ردّت الصين ودول أخرى بفرض رسوم انتقامية على المنتجات الزراعية الأميركية، مما أضر بالمزارعين الأميركيين.

 

ثانياً: التأثير على الاقتصاد العالمي

 

دفعت الحرب التجارية الشركات إلى البحث عن بدائل عن الصين، مما أدى إلى تحولات كبيرة في سلاسل التوريد، حيث بدأت بعض الشركات في تحويل عملياتها إلى دول جنوب شرق آسيا مثل فيتنام والهند.كما أثارت سياسة ترامب مخاوف حول مستقبل منظمة التجارة العالمية، حيث فضّلت الولايات المتحدة اتخاذ قرارات أحادية بدلاً من اللجوء إلى الحلول متعددة الأطراف.

 

ثالثاً: التأثير على العلاقات الدولية

 

أجبر ترامب كلاً من كندا والمكسيك على إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، مما أدى إلى استبدالها باتفاقية USMCA، التي تضمنت شروطًا أكثر تشددًا لحماية المصالح الأميركية.كما أدى فرض الرسوم الجمركية إلى تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، مما خلق حالة من عدم الاستقرار في الأسواق العالمية.

 

استشراف المستقبل: هل كانت سياسة ترامب ناجحة؟

 

تعتمد الإجابة على هذا السؤال على المدى الزمني الذي يتم تقييم السياسة فيه. فعلى المدى القصير، ساهمت الرسوم الجمركية في الضغط على بعض الدول لتقديم تنازلات، كما حدث مع الصين في اتفاق "المرحلة الأولى" الذي وقع عام 2020. ومع ذلك، فإن هذه السياسة لم تؤدِ إلى تقليص العجز التجاري الأميركي بشكل كبير، بل على العكس، زادت من تكلفة السلع للمستهلكين الأميركيين، وأثرت سلبًا على قطاعات مثل الزراعة والصناعات التي تعتمد على المواد الخام المستوردة.أما على المدى الطويل، فإن سياسة الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى تعزيز توجهات الانفصال الاقتصادي بين الدول، وتقليل الاعتماد المتبادل الذي كان حجر الأساس للنظام التجاري العالمي بعد الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، فإن تأثير هذه السياسة لا يقتصر على عهد ترامب، فقد استمرت بعض عناصرها حتى بعد رحيله، مما يعكس تحولاً أعمق في الفكر الاقتصادي الأميركي نحو الحمائية.

المشـاهدات 23   تاريخ الإضافـة 22/02/2025   رقم المحتوى 59596
أضف تقييـم