الإثنين 2025/2/24 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 1.95 مئويـة
نيوز بار
فيلم حمل تلميحات سياسية تبرز نهاية إمبراطورية الكرملين بوتين.. صورة سينمائية مشوهة عن قيصر روسيا
فيلم حمل تلميحات سياسية تبرز نهاية إمبراطورية الكرملين بوتين.. صورة سينمائية مشوهة عن قيصر روسيا
فن
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

عبدالرحيم الشافعي

إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واحد من أهم الزعماء في عصرنا الحالي وأكثرهم إثارة للجدل، بسلوكه وصفاته وسياسته في إدارة بلد بحجم روسيا، إلى جانب ما يدور من شائعات حول حياته الشخصية ومغامراته العاطفية، وسيرته قد تكون مادة ثرية وخصبة لأعمال سينمائية ناجحة. من هذه الأفلام يأتي "بوتين" كفيلم لم يقتنص مخرجه الفرصة ليحقق النجاح اللازم وإنما تناول سيرة القيصر الروسي بالكثير من الاستسهال.تدور أحداث فيلم "بوتين" للمخرج البولندي باتريك فيغا حول فلاديمير بوتين، بصفته شخصية سياسية قوية تكشف الجوانب المتناقضة للطاغية ذي اليد الحديدية والرجل الملاحَق بالخوف. الفيلم من سيناريو باتريك فيغا وبطولة كل من تومش ديديكا وجوستينا كارلوفسكا وتوماس كريتشمان.يبدأ الفيلم بصدمة بصرية وزمنية، حينما بدأ المخرج باتريك فيغا بتقنية الفلاش فورورد (الاستباق) ليضع المشاهد في عام 2026، فيبين بوتين في حالة ضعف غير مسبوقة ومن منظور ساخر ومبالغ فيه، ليخلق صورة تهكمية لحاكم لطالما ارتبط اسمه بالسلطة المطلقة، فينتقل السرد إلى استعراض محطات مهمة من حياة بوتين، لكن بأسلوب مشتت يفتقر إلى التماسك الزمني، خاصة عندما يقفز السيناريو بين طفولته المضطربة في لينينغراد وفترة عمله في الاستخبارات السوفياتية ثم وصوله إلى السلطة، بطريقة تجعل الأحداث تبدو وكأنها مقتطفات غير مترابطة.هذا التناول السردي يضعف البناء الدرامي للفيلم ويجعل من الصعب على المشاهدين تتبع تطور الشخصية، كما أن محاولة المخرج المبالغة في رسم ملامح بعض الشخصيات الثانوية، مثل سامييل وليجيون، لم تضف قيمة حقيقية للعمل السينمائي بل جعلت الحبكة الدرامية تبدو مشوشة وغير واضحة الهدف.وركزت المشاهد على الجانب السياسي والجرائم المنسوبة إلى بوتين، في حين تجاهلت بعض الجوانب الأساسية مثل دور الأوليغارشية الروسية وتأثيرها على سياسات بوتين، وأسهب المخرج في تصوير عمليات الاغتيال والمؤامرات بينما غفل عن تحليل كيفية بناء النظام السياسي وتطويع القيصر الروسي للمؤسسات لصالح بقائه في السلطة، وهذه الانتقائية جعلت الفيلم يبدو كعمل دعائي تشويهي أكثر منه تحليلا متوازنا لشخصية سياسية معقدة. ورغم محاولاته الجريئة في طرح بعض القضايا، فإن هناك ثغرات تكمن في غياب البعد الاقتصادي والاجتماعي ما يقلل من شمولية الطرح.ويعتمد فيغا على أسلوب قريب إلى إنتاج أفلام التسعينات من القرن الماضي، فإذا ركزت مثلا على الإضاءة وطريقة التصوير ستجد أن تكوين اللقطات يغلب عليه طابع قاتم وألوان باهتة تشبه أفلام الجاسوسية الروسية القديمة، وهذه الاختيارات الجمالية قد تكون محاولة لخلق أجواء تناسب طبيعة القصة، لكنها تفشل في تقديم تجربة سينمائية متجددة خاصة وأن بوتين رجل كلاسيكي وعصري في الآن ذاته، وهناك بعض المشاهد الوثائقية أُدخلت بشكل غير متجانس تبرز بوتين الحقيقي في حفلات الولاء، بينما اللقطات المصورة التي تتناول حياته الشخصية تبدو سطحية، وتحضر كلحظات عابرة، مثل مشهد طلاقه أو ممارسته لرياضة الجودو، التي تأتي دون تقديمها ضمن سياق عاطفي يوضح عقلية الرجل الماكرة.وتبدو في الفيلم مشكلتان رئيسيتان تجعلان من الصعب اعتباره عملا سينمائيا متكاملا، عندما تكشف تقنية الذكاء الاصطناعي المستخدمة لإظهار شخصية بوتين عن طابع مصطنع يشبه الروبوت في حركاته، إذ يفشل الوجه الرقمي في محاكاة التعابير الطبيعية، ونشاهده كقناع جامد يفتقر للحيوية، وتفشل هذه التقنية في ضبط تناسق الجسد مع ملامح الوجه، لذلك نرى الحركات غير متناسقة تولد شعورا بعدم الارتياح لدى المشاهد، حتى مع محاكاة طريقة المشي وتعبيرات الوجه، يظل الأداء الرقمي أقل إقناعا من أداء ممثل متمكن وقادر على تجسيد الشخصية بعمق وحرفية.وتظهر الفوضوية في السرد الزمني كعائق آخر أمام نجاح الفيلم، فإيقاع الأحداث يفتقد إلى الترابط الدرامي المحكم، والكرونولوجيا تخفق في تقديم تطور منطقي لحياة بوتين، ما يجعل المشاهد يشعر بأنه يتابع مقاطع منفصلة تحتاج بناءا متماسكا، ثم تتنقل الأحداث بشكل متخبط بين الأزمنة دون تمهيد واضح، وهذا يضعف التأثير الدرامي ويجعل القصة أقرب إلى تقرير وثائقي مبعثر بدلا من عمل سينمائي مترابط.وبينما يحاول الفيلم أن يكون تجربة بصرية وتقنية غير مسبوقة، يسقط في فخ ضعف الأداء الرقمي وتشتت السرد، ويعجز عن تحقيق التوازن بين الشكل والمضمون، و الأسوأ أن يترك انطباعا بأن المشاهد يراقب محاكاة رقمية غير مريحة رغم أن شخصية بوتين تحتاج معالجة سينمائية رصينة وقوية.نأخذ على سبيل المثال بداية الفيلم التي تصور الرئيس الروسي عام 2026 وهو يعاني من مرض مميت، غير قادر على التحكم في أطرافه أو السيطرة على جسده، كرسالة عن تدهور صحته كليا، ويبرز هذا المشهد بداية قوية تحمل طابعا سوداويا، ويطرح سؤالا محوريا: هل هذه البداية تلميح مكشوف إلى نهاية قريبة لروسيا كدولة كبرى تحت حكم بوتين؟ أم أنه مجرد فيلم عابر يرسم صورة مستقبلية سوداوية؟ فالفوضى التي تعصف بروسيا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في هذا المدخل تجعل من الصعب تجاهل الرسائل المباشرة التي يراد منها الإيحاء بزوال النظام الروسي الحالي.ويظهر المشهد الافتتاحي وكأنه تقديم لصورة محورية ومحتملة لمستقبل روسيا في حال استمر الوضع كما هو، خاصة وأن مشهد مرض بوتين الذي أصيب بشلل كلي يبدو كمؤشر على انهيار سياسي في المستقبل القريب، فيتساءل المشاهد: هل هذه الرؤية ليست سوى تخمينات سينمائية أو هي بالفعل جزء من رؤية سياسية خفية بشأن التغيير في روسيا؟لا بد أن المخرج باتريك فيغا يحاول أن يقدم مستقبلا مضطربا لروسيا، بما يخلق تشابها مع بعض أفلام السيرة الذاتية السياسية التي تسعى لتشويه صورة الشخصيات مثلما حدث مع فيلم “ترامب المتدرب” الذي كان له تأثير كبير على صورته أثناء الانتخابات الرئاسية.وما يثير الاستفهام أيضا هو طريقة تناول أفلام السير الذاتية الخاصة بالزعماء السياسيين، حينما نجد أنها عادة ما تظهرهم في صورة الطغاة والقتلة والمخادعين والذين يمكرون من أجل الوصول إلى السلطة. وهو ما يتناقض مع أفلام أخرى، مثل “أبراهام لينكولن” و”غاندي”، تبين الشخصيات في صورة أكثر إنسانية مع التركيز على مبادئ النضال من أجل الحرية والعدالة، بينما يبرز فيلم “بوتين” مثلا مسارا حافلا بالعنف والتلاعب الانتخابي، وهذه نظرة نقدية متشددة تجاه الشخصيات السياسية التي تتولى زمام السلطة من خلال ممارسات قمعية، وتظهر هذه الصورة السينمائية وكأنها تغذي الصورة السلبية التي كثيرا ما يتم رسمها عن هؤلاء الحكام، وهو ما يجعل السؤال قائما حول مدى مصداقية هذه الأعمال في تقديم صورة واقعية عن التاريخ السياسي؟وتتناول الأفلام التي تروي قصص سقوط الطغاة تاريخهم الدموي وفقدانهم للسلطة بعد أن كانوا في ذروة قوتهم، مثل فيلم “سقوط” (2004) الذي صور أيام هتلر الأخيرة مع التركيز على انهيار الرايخ الثالث والتأثيرات النفسية والاجتماعية التي رافقت تدهور النظام النازي. بينما يروي “آخر ملوك أسكتلندا” (2006) قصة الطبيب الأسكتلندي الذي يكتشف جوانب مظلمة من شخصية الزعيم الأوغندي عيدي أمين دادا، فالعمل يلمّح للاضطهاد الذي تعرض له الشعب الأوغندي خلال فترة حكمه، مع إبراز جوانب العلاقة المعقدة بين الطبيب والطاغية.ويبرز فيلم “وفاة ستالين” (2017) رؤية ساخرة لأحداث وفاة جوزيف ستالين والتنافس السياسي الذي تلى ذلك في الاتحاد السوفياتي، إذ يركز على الفوضى التي نشأت بين القيادات السوفياتية في فترة حرجة، أما فيلم “إيفيتا” (1996) فيتناول حياة إيفا بيرون زوجة الرئيس الأرجنتيني مركزا على صعودها من حياة الفقر إلى واحدة من أقوى الشخصيات في تاريخ الأرجنتين، ويستعرض فيلم “لا” (2012) حملة الاستفتاء في تشيلي ضد حكم بينوشيه، ليقدم من خلال أحداث حقيقية صورة عن تأثير السياسة والإعلانات في تغيير مصير الأنظمة الدكتاتورية.

 

المشـاهدات 20   تاريخ الإضافـة 23/02/2025   رقم المحتوى 59716
أضف تقييـم