الأحد 2025/3/16 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 21.95 مئويـة
نيوز بار
كاظم السعدي يوقظ الذائقة الجمالية
كاظم السعدي يوقظ الذائقة الجمالية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناصر أبو عون
النـص :

 

 

الشاعر العراقي كاظم ناصر السعدي، يبتكر صورا شعرية مرئية تكشف لنا ما يعتمل في داخله من صراعات، وما يتخلّق من حيوات جديدة آملة ومأزومة ويعيد تشكيلها في تنور روحه، ثمّ يتعمق أكثر وأكثر في بناء هذه الصورة لتكون بمثابة مجهر ميكرسكوبي دقيق يُظهر لنا طبيعة الدواخل المتعددة التي تحيط به، وتعيش في كوكبه الذي اصطنعه لنفسه من فسيفساء القصائد.

كاظم السعدي مع كل فاصلة شعرية، وعلى ناصية كل تفعيلة يسعى إلى إبداع خطاب جماليّ مُغاير عن المعتاد، ويجهد نفسه في توظيفه كأداة لاختراق القُراء من الداخل، ثم يتركهم على سطح صفيح ساخن يواجهون مصائرهم، ويسعون إلى استبطان ذواتهم التائهة، والدخول في تجارب تأمليّة، في محاولة دؤوبة لتفكيك رموز الحياة، وإعادة تركيب مفرداتها لاكتشاف المناطق المعتمة للخروج من حالة الوهم.. على نحو ما نقرأ له في قصيدة (تعب) التي يقول فيها: [روحي مثل طير منكسر الجناح/ كلّما تضيق أحلام وردتها/ يتّسع فضاء حزنها    / ماذا أفعلُ/ ورحى الليل تقضم كريستالها؟]

وقصائد كاظم السعدني التي تضجّ بالخيال وهو على صورتين: أوليِّ في مادته الخام، وخيال ثانويّ انعكاس له ولذات الشاعر؛ وهذا يُحيلنا إلى رؤى (كولوج) الفلسفية  الناجحة في التفريق بين الخيال والوهم؛ فالخيال الأوليّ هو القوة الحيوية التي تجعل الإدراك الإنساني ممكنا، وهو تكرار في العقل المتناهي لعملية الخلق الخالدة في الأنا المطلق. أما الخيال الثانويّ فهو صدى للخيال الأوليّ، غير أنه يوجد مع الإرادة الواعية، وهو يشبه الخيال الأولى في نوع الوظيفة التي يؤديها، ولكنه يختلف عنه في الدرجة، وفي طريقة نشاطه، بل إنه يحطِّم ويُذيب ويتلاشى لكي يُخلق من جديد، وحينما لا تتسنَّى له عملية التخليق والتجدد فإنه على الأقل يسعى إلى إيجاد الوحدة، وإلى تحويل الواقع إلى مثالي إنه في جوهرة حيويّ، بينما الموضوعات التي يعمل بها باعتبارها موضوعات في جوهرها ثابتة لاحياة فيها. [حبل انكساراتها/ آخِذٌ بخناقي/ ما تختزنه الذاكرة/ يترسّب في أعماقي/ رحلة آمالي أتعبتني/ كيف أصنع من الهواء جداراً/ أتّكئُ عليه؟..لاعاصم لي سِوى البصيرة..]

ولأنّ المشهد الشعريّ حيويّ واللوحة الشعرية التي يرسم أبعادها كاظم السعدي حركيّة وديناميّة في تفاعلاتها، وتشظيها؛ لذا نجد صوره الشعرية ليست مؤطرة ولا ثابتة الشكل؛ بل تتعدد وتتنوع استنادًا لقانون الحرية الذي سَنَّه الشاعر لنفسه منذ تجاربه الأولى وإصراره على ألا يكون صدى لأحد، ولا مرآة عاكسه لتجارب الآخرين، وهذا القانون يقضي بعدم الخضوع حتى لهيمنة الشكل الشعري الجديد، وبناءً عليه يمكن بهذه الأداة قياس منسوب الشاعرية وآليات استثمارها في بحيرة الشاعر التي تموج في القاع وتصطرع فيها حيوات على الرغم من هدوء سطحها وتراقص القوارب على صفحتها الشاعر.. على نحو ما نقرأ في قصيدته (أشجان) التي يقول فيها: [قبل طلوع الفجر/ بنصف يقظة/ زهرة قلبي/ كانت تُخبئُ أحلامها/ تحت وسادة الإنتظار/ تنثرُ الوقت في الهواء/ تطرّز الصحراء بالواحات/ وتعيدُ صيانة الفراغ/ الشتاء.. ترك الصقيع على جسدها الناعم/آهٍـ.. قلبي المليء بأشجانها/ يقفُ طيرهُ على/ غصن الذهول صامتاً/ مِن كوّة الغياب/ تتسرّبُ/ الأحلام/ الذابلة]

إن كاظم السعدي في صوره الشعرية، يسعى دؤوبا إلى تجسيد رغبته الجامحة في إيقاظ الذائقة الجمالية في نفس المتلقي عبر إحياء فكرة التخييل وهي منطقة وسطى تقع ما بين الوهم والخيال، بل يحاول الاستناد إلى مرجعياته التي يحاول أن يقدمها على هيئة نصوص ممزوجة قليلا  بسحر الفنتازيا. ونقرأ هذا الملمح في قصيدته (نافذة) التي يقول فيها: [الوقتُ.. يتسرَّبُ من نافذة الانتظار/ وأنا مُوَزّع/ بين يأس جارح/ وأمل شحيح الضوء/ لم يبقَ لروحي ما تقتات عليه/ سِوى فتات الصبر]

وفي الأخير يمكننا القول إن الشاعر العراقي كاظم ناصر السعدي يستلهم مجمل تصوراته من خلال حوادث مر بها، إنه يحاول بداية أن يتلمَّس حداثة القصيدة وحرارتها الوهَّاجة، التي ما تلبث أن تخفُت رويدًا رويدًا؛ وذلك ربما بسب تراكمات القراءة وتناصّاتها [شمس الخيبات/ جفَّفَت نبع الفرح في قلبي/ كيف أتنفّس هواء الحرية/ وأنا في زنزانة؟/ليتَ القدر/ ينفضُ ما عَلقَ بي من غبار الألم/ لأعبرَ نهر أحزاني/ صمتي يشي بمرارة المكبوت].

المشـاهدات 18   تاريخ الإضافـة 15/03/2025   رقم المحتوى 60546
أضف تقييـم