الثلاثاء 2025/3/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
نيوز بار
العبودية الرقمية في المسرح…..تأثير التقنية الرقمية على الإبداع الفني
العبودية الرقمية في المسرح…..تأثير التقنية الرقمية على الإبداع الفني
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

د. عماد هادي الخفاجي

 

 

في عصرنا الحالي، أصبح المعطى التكنولوجي بالوسائط الرقمية جزءاً لا يتجزأ من واقعنا المعاش، وهذا ما فرضته الحضارة الغربية من خلال تجاربها التقنية المتعددة، ليُصبح قدراً تاريخياً لا يمكن التراجع عنه، فقد فرضت هذه التقنية الرقمية نفسها على كافة مجالات الحياة، بما في ذلك المجالات الإبداعية والفنية، وأصبحت ضرورية في عملية تشكيل كل الأبعاد الثقافية والفنية من الجماليات، الأيدولوجيات، والسلوكيات الاجتماعية. وبالتالي، فإن كل ما كان يُعتبر وسائط وأساليب تعبيرية لتشكيل الواقع اليومي، سواء كان في الأبعاد الجمالية أو الاجتماعية أو الثقافية، قد أصبح الآن في طور التحول وإعادة التشكيل عبر معطيات هذه التكنولوجيا الحديثة. وبالنظر إلى ذلك، يمكننا القول بأن التقنية الرقمية يمكن اعتبارها واحدة من أهم الأدوات التي ساهمت في تفكيك التراث الثقافي والجمالي، وتغيير الأنظمة التي كانت سائدة قبل تطور هذه التقنيات، وفي هذا السياق، يشهد المسرح عملية انتقال وتحول هائل في كيفية تشكيل الوسائط الفنية وأدوات التعبير السينوغرافي، فقد تغيّرت الأنماط التقليدية للفرجة والتفاعل مع العرض المسرحي نتيجة لتوظيف التقنيات الرقمية، حيث أصبحت الإمكانيات المتاحة لهذه الأدوات تتجاوز الحدود البشرية المألوفة، مما أتاح إبداع تجارب مسرحية فائقة التأثير، لذلك فالتقنية الرقمية قدمت للمبدع المسرحي أدوات لا حصر لها لتحسين الأداء المسرحي، من خلال خلق بيئات بصرية وسمعية أكثر تعقيداً وثراء. ومع ذلك، وفي قلب هذه الثورات التكنولوجية، يبرز تساؤل عن ماهية العبودية الرقمية التي قد تفرضها هذه الأدوات الجديدة على المبدعين والجماهير على حد سواء.ان العبودية الرقمية في المسرح تشير إلى الاعتماد المفرط على التقنيات الرقمية بشكل يُفقد الفن المسرحي جوهره الإنساني وأصالته الفنية، ويجعل الفنانين والمبدعين أسرى لهذه التكنولوجيا، ففي ظل هيمنة الوسائل الرقمية في الإنتاج والإخراج، قد تتحول أدوات المسرح من وسيلة لتدعيم التعبير الفني إلى غاية في حد ذاتها، بحيث يصبح الإبداع محصوراً ومقيداً بقوالب رقمية ثابتة، تُحجم حرية المبدع وتحد من قدرته على استكشاف إمكانياته لتقديم رسالة مسرحية مؤثرة، لان عملية استبدال العنصر البشري بشكل كامل أو جزئي بأدوات رقمية تؤدي ذات الوظائف، تفقد العمل المسرحي تفاعله الحي مع الجمهور ويتحول إلى عرض تقني يخدم الشكل على حساب المضمون، وبشكل او باخر فأن هذه  العبودية تهدد روح المسرح، حيث أن هذه التقنيات قد تسيطر على مسار العرض واتجاهاته، بدلاً من أن تكون مجرد أدوات طيعة تعزز من تجارب العرض وتدعم الإبداع الحر، دون أن تحل محل الحضور الإنساني والمحتوى العميق الذي يميّز المسرح، ولكن على الرغم من الفوائد الهائلة التي تقدمها التقنية الرقمية في مجال المسرح، من إمكانية خلق أجواء بصرية وفكرية متقدمة، إلا أن السؤال يظل قائماً: هل هذه التكنولوجيا تعمل لصالح المبدع أم تفرض عليه قيوداً جديدة؟ لا شك أن التقنية الرقمية قد ساهمت في تحسين القدرة على الإبداع وفتح آفاق جديدة للمسرح، ولكن في ذات الوقت، هناك خطر محدق من الوقوع في فخ العبودية الرقمية، فقد تؤدي هذه التكنولوجيا إلى تبعية فكرية وإبداعية حيث يتسلط النظام الرقمي على اختيار الأفكار والوسائل الفنية المتاحة، وبمعنى آخر، بدلاً من أن تكون التقنية أداة لتحرير الإبداع، قد تصبح هي المسيطرة عليه، مما يؤدي إلى فقدان القدرة على الابتكار المستقل، وان هذه العبودية تظهر جلياً عندما يصبح المبدع في المسرح مجرد خادم لتقنيات لا نهائية، حيث تتعدد الخيارات الرقمية بشكل قد يربك العقل الإبداعي ويجعل الاختيارات الفنية تُحدد بناء على الإمكانيات التقنية المتاحة، وليس بناء على رؤى فنية شخصية، كما أن الجمهور نفسه، الذي أصبح متأثراً بشكل متزايد بالعرض المسرحي المعزز بالتقنيات الرقمية، قد يواجه حالة من الاعتماد على المحاكاة الافتراضية بدلاً من الاستمتاع بتجربة جمالية حية وواقعية، ومع ذلك، يمكن القول إن التقنية الرقمية قد ساعدت في خلق واقع جديد في المجال المسرحي، حيث أتاحت للمبدعين بناء تجارب جمالية جديدة تستند إلى الإمكانيات التكنولوجية اللامحدودة، إذ أصبح بإمكان العرض المسرحي أن يتجاوز الحدود التقليدية للفضاء والزمان من خلال التصميم البصري المتقدم واستخدام تقنيات الصوت والصورة المتطورة، وان هذا التحول يعكس تحولا في الأطر الجمالية لفعالية الوعي الإنساني، حيث أصبحت الأدوات التقنية تمثل مفتاحا لتوسيع نطاق التجربة الجمالية، ولكن في مقابل هذه الفوائد، يتبادر في ذهني سؤال جوهري: هل أصبح الإنسان المبدع في المسرح مجرد أداة في يد الأنظمة الرقمية؟ وهل يمكن أن تؤدي هذه الأنظمة إلى تدمير جوهر الفن والمسرح في سعيها لتحقيق أقصى درجات الفعالية؟ان التحدي الحقيقي هنا يكمن في كيفية التعامل مع هذه التقنيات بطريقة تحافظ على الهوية الإنسانية والفنية، مع تجنب الوقوع في فخ العبودية الرقمية التي قد تُقيد الإبداع وتجعل المبدع أسيراً للتكنولوجيا، وهذا يعني بان التقنيات الرقمية، على الرغم من إمكانياتها الكبيرة في إثراء العرض المسرحي وتطوير أدوات التعبير، تشكل تحديا للمبدع في المحافظة على الهوية الفنية والإنسانية التي تميز هذا الفن العريق، ولكن مع تسارع التطور الرقمي، قد نجد أنفسنا أمام مسرح محاصر داخل حدود التكنولوجيا، حيث قد يُحاصر الإبداع ضمن نطاق ضيق من الخيارات المحددة مسبقاً، مما يحِد من مرونة الحركة الفنية ويفقد المسرح جانبا من أصالته، لذلك، ينبغي على المبدعين والفنانين تحقيق توازن ذكي بين توظيف التقنيات الرقمية والاستفادة من إمكانياتها وبين الحفاظ على أصالة وجوهر المسرح كوسيلة تعبير حر، لتقديم تجربة جمالية وإنسانية تتفاعل مع الجمهور بعمق، وان هذا التوازن يتطلب فهما عميقا للكيفية التي يمكن من خلالها استخدام التقنية بشكل يعزز من الرسالة الفنية ويُثري المحتوى المسرحي، دون أن تصبح هذه التقنية هي الهدف بحد ذاتها، بحيث يظل المسرح فضاء للإبداع الخالص وحافزاً للتأمل والتفكر.ومن هنا، يصبح واجباً على الفنانين أن يعيدوا النظر في كيفية استثمار التقنيات الرقمية، بحيث تكون أداة مساعدة لا مهيمنة، لتبقى القيم الجمالية الحقيقية والمعاني الإنسانية في مقدمة ما يقدمه المسرح للجمهور، جامعا بين الأصالة والتجديد في تجربة تجمع بين حداثة العصر وعمق الفن المسرحي.

 

المشـاهدات 22   تاريخ الإضافـة 18/03/2025   رقم المحتوى 60614
أضف تقييـم