الأربعاء 2025/3/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 21.95 مئويـة
نيوز بار
عتبات البياض وغربة الشاعر قراءة في المجموعة الشعرية(البياض بقميص مقدود) للشاعر ناظم كاطع الساعدي
عتبات البياض وغربة الشاعر قراءة في المجموعة الشعرية(البياض بقميص مقدود) للشاعر ناظم كاطع الساعدي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 غسان حسن محمد

الشعر فن يحفل بالعديد من المزيّات التي قد لا تتحقق في غيره من الفنون والاجناس والانواع الأدبية.. وتكاد تكون الفطرة الباهية العذبة أهم مزية يتمتع بها فن الشعر، حيث انبنى عليها الانسان منذ أبانا آدم وحتى راهننا الملتبس بالثنائيات المتضادة في الحياة والموت ، الوجود والعدم، الافراح والاتراح، البناء والهدم..الخ.

الشعر ميدان الوجدان ومفاعيل الذات الممهورة بأختلاجات اللاوعي المثمر للنتاجات الإبداعية.. متمرد على المنطق والعقلنة التي قد تصلح مع فنون السرد الأخرى لا الشعر..على ان الشعر لايرعى المتاهات ولا ينبت في مزارع العبث واللاجدوى فهو قيمة أنسانية تلج الذات الإنسانية وترسم بالأحرف الخيالات والاحلام وتصنع المعنى والمتعة والجمال، الشعر أكسير شفاء يمرع الانفس الوالهة بالإنسان ومحيطه المادي والمعنوي.

العنوان مرسلة صغرى تتعاشق مع المرسلة الكبرى"النصوص الشعرية" له وظائفه القصدية التي اعدها الشاعر لمنجزه الإبداعي ابتداءً من غلاف المجموعة الشعرية ومدونتها الكتابية والصورية واللونية.

يذكر جان كوهين(  أنَّ العنوان يُمثّل المسند إليه أو الموضوع العامّ وتكون كلُّ الأفكار الواردة في الخطاب مسنداتٍ له، إنَّه الكلُّ الَّذي تُكوّن هذه الأفكارُ أجزاءَهُ".

وهنا يطل  علينا الشاعر ناظم كاطع الساعدي عبر مجموعته ذات العنوان اللافت " البياض بقميص مقدود". الصدرة عن دار المتن بواقع (100) من القطع المتوسط.

العنوان بوظائفيته التي أدركها "جيرار جينيت" حيث حددها بـ " الوظيفة الانطولوجية والوصفية والايحائية والاغرائية"..، كانت بنية البياض هي البنية القارة في المتن الشعري بعدما تصدرت غلاف المجموعة الشعرية للساعدي معلنا البراءة ونقاء السريرة وهنا يتحقق البعد الانطولوجي/ التعييني والتأثيري/الايحائي والوصفي الاخباري/  والايحائي / الاغرائي للمدونة الشعرية.،  حيث يستعير الشاعر حكاية نبي الله يوسف(ع) من النص القرآني كعنوان ومفتتح لمتنه الشعري.

) واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ) قرآن كريم.

وهنا كان للعنوان صفة وصفية أخبارية  بالاحالة الى قصة النبي يوسف..مؤكدا الشاعر على فطرته وبراءته عبر ملفوظة "البياض"  المتصدرة للغلاف الأول للمجموعة الشعرية/ براءة من الخطيئة في تورية أضمر الشاعر مقصدياتها في بيان مدى التشابه والاختلاف مع القصص القرآني..فقد غيب الشاعر  النصف الاخر من الحكاية ولم يكشف نهايتها..ليطل التأويل برأسه فالمضمر أجمل من المعلن وتلك هي خصيصة الشاعر في دس الحكايات واستثمار طاقتها الايحائية والاغرائية لجذب القاريء المتلقي والعمل على ازدياد منسوب الشغف لديه وجعله مشاركاً فاعلاً في دائرة الاتصال بين المرسل والمرسل اليه والرسالة.

من علامات علم السيماء الكلمات المفتاحية في المتن الشعري وهنا يهدي الساعدي كلماته الى والديه بهذا التصدير:

( الأهداء: " لرفيف روح أمي

ووجنات أبي الطافحة بالمحبة لا سواها

الى من توارى عن عالمٍ تسودهُ الحروب

وعلّق نياشينه لتوخز قلبي..

اليكم اشير بوابل محبتي

وكلماتي التي لاتفي حقكم" المجموعة ص5")

لا فقد أصعب من فراق الأحبة ..الام بدورها الوجودي شجرة العطاء تغادر الشاعر والأب الذي أكلت قواهه الشيخوخة بشهادة الحرب ..آلت الدمار وقطف الانفس..سيدة الخراب التي دمرت العباد والبلاد.

الغربة تنقض على الشاعر فلا طعم لحياة واتته الاحزان تلو الاحزان في بيئة الوطن وضمن مدار العائلة.

لاينفك الشاعر ناظم كاطع الساعدي عن ابتعاث رسائله الوجودية والوجدية عبر خطابه الشعري  متناولاً علاقته الجينالوجية بالاب والام بمؤازرة الحياة التي مضت بغفلة الشاعر عن مكتنزاتها التي اثارها الفقدان عبر زمن لم يمر بيسر..كانت تسيره سرفات المجنزرات وحياة الخوف والقلق والحزن والترقب من بطش يد الحرب بالابناء ..على صوت الام :

 

 (كانت صورتي تبتسم في "الفوتوشوب" فقط

صورتي التي علقتها جنب صورة أبي وهو ينأى بأحماله الثقيلة

أدركتُ أن الماء لا زال يبكي

من آخر الرتوش التي وضعتها امي قرب صورتي المنسية

على حافة الرصيف المهجور

قرب ناصية العدم) (صورة للذكرى ص11).

 

(لا زلتِ معي

أيتها المسكونة بمسك الأرض وجبروت السماء

تلمني "شيلتكِ" الجنوبية

بعطرها وغنجها الممشوق

كراحة يدكِ

التي تتوسد شباك ضريح" موسى الكاظم"

لتنجينا من وحشة الطرقات..

لا زلتِ معي أيتها المعشوقة

التي لاتفارق حدقات عيوني

ترقبينَ ولدكِ الصغير

وهو يتسع في الظلام)( أتعبني رحيلك ياقاطنة في روحي/ ص14).

 

(وأنا أرنو لخيط أمي

تلك المشبعة بأدعيةِ الحفظ إلينا

والمهملةُ حتماً لخيط عمرها

الذي توارى لردم خطايانا السبع

خيطها الممسوس بمحبة من فقدت

أتذكر بياض يدها الناصع

وحنتها وشيلتها

التي تعبق بمسك الآخرة

وانينها الذي لم يهدأ

وهي تغادر حياتنا

الفارهة بالخطيئة

وأبي ذاك الباسق

الذي لم يعد يتذكر

اسماءنا

لا زال يدونُ رحيلكِ

بخطوات خجلة!( أبي وهو يعمد غربة أمي/ ص40)

البياض بنية مفارقة في هذه المجموعة فهو بياض يحمل الفطرة ونقيضها ..الظلام والضياء/ الدمعة والابتسامة.. الاحسان والخطيئة..الشاعر يكتب مدونته الشعرية على صفحات هي الحياة باشتغالاتها وحركيتها / حسنها وقبحها.

كان البياض النسق المعلن لجوهر الانسان الذي سعى الى تكامله الشاعر يقابله السواد  التي تصنعه يد الانسان عبر نسق مضمر يمارس لعبة الظهور والاختفاء على مساحات الورق الأبيض يغازل المخيلة ويداعب الحس والوجدان لتستمع به الجوارح.

( البياض الذي تلاشى بأبهته

التي اعتدناها

ورمى نياشنه بعيداً

عن حدقات العيون

البياض الذي قدَّ قميصهُ

من دبرٍ وتناسى

تلك الغيوم

لتتوالى تركات السواد

تحوم بلا رفقٍ

على صوان قلبي

البياض الذي أودعَ أسرارهُ

لغيابٍ بعيد لا أثرَ له) (عن عزلة فقدان نتحدث/ ص64).

الشاعر ابدع في مجموعته الشعرية " البياض بقميصٍ مقدود" اعتمد نصوصه الشعرية كمعادلٍ موضوعي لكتابة التاريخ. عبر استلهام مرموزاته المدينية وحواراته مع مجانين الحكمة والأصدقاء الذين شكلوا محوراً فاعلاً في تثوير طاقات اللغة  للشاعر وبعث الصور الشعرية الإبداعية في مدونته الشعرية.

المشـاهدات 29   تاريخ الإضافـة 19/03/2025   رقم المحتوى 60694
أضف تقييـم