الأربعاء 2025/4/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 22.95 مئويـة
نيوز بار
عندما يكون التجديد روحاً ورمزاً لمشروع بناء الدولة..د.نوفل أبو رغيف إنموذجاً
عندما يكون التجديد روحاً ورمزاً لمشروع بناء الدولة..د.نوفل أبو رغيف إنموذجاً
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ.د. رياض موسى سكران
النـص :

على الرغم من أن عدداً كبيراً من المواقف النقدية والأكاديمية والإعلامية قد كشفت عن إشكاليات وملابسات السلوك الإداري لقيادات بعض المؤسسات، ودعت الى الانفتاح والتحرر من عقد التمركز والتخندق والانطواء والاستحواذ، وأشرت إشكاليات جوهرية في بنية المفاصل الأساسية لبعض المؤسسات، إلا إن مخرجات تلك المواقف لم تتبلور على صعيد الممارسة العملية، ولم تجد إستجابة، وبقيت تلك المواقف أسيرة المعطى التنظيري من دون أدنى تفاعل من الطرف الآخر المعني باتخاذ القرار..فيما انشغلت تلك الأوساط بحدث تعده إيجابياً، بل ومفصلياً في خارطة بناء الدولة، على مستوى توزيع المهام والمسؤوليات والمناصب، وهي تحتفي بنشوة بالغة بتكليف الدكتور (نوفل أبو رغيف) بمهام رئاسة هيئة الإعلام والإتصالات، وهو الشاعر والإعلامي والأكاديمي والناقد والإداري الناجح، وذلك عبر تجارب عديدة في إدارة مواقع تدرج خلالها في دوائر وزارة الثقافة وترك أثراً راسخاً فيها، بل وأسس لسلوكيات جديدة في مفهوم الإدارة الثقافية، حتى وصل الى درجة وكيل الوزارة الأقدم، وهو استحقاق حظي بالتفاؤل والرضا المطلق من مختلف شرائح المثقفين العراقيين، وهذا ما يندر حدوثه ويصعب الإتفاق عليه في المثقف العراقي الصعب المزاج، ولعل ذلك يكشف عن مدى القبول والقناعات المتحققة في شخصية (أبو رغيف)، ليس فقط لما يمتلكه من مؤهلات ورصيد فكري وثقافي واجتماعي، وإنما لما أبداه من سلوك متحضر في التعامل مع مختلف المواقف والحالات والظروف، وهو يقدم المقترحات ويتبنى المشروعات ويضع البرامج، مثلما يقرح الحلول الملائمة للظروف الطارئة، بما يكشف عن كاريزما خاصة وحضور مؤثر لشخصيته ورؤيته في التعامل مع المتغيرات والممكنات..ولأن مؤسسات الدولة تعد المختبر الأصلح والفضاء الأرحب والميدان الأقدر على بلورة رؤى جديدة تنعكس فيها وخلالها رؤية الشخص المسؤول المتعاضدة مع الواقع الراهن وإشكالاته المتجددة وحاجاته المتسارعة، من هنا، لا بدَّ لأي مسؤول في الدولة أن يمتلك القدرة على التأسيس لمفهومات سلوكية محدثة، تتماهى في إطار (ثقافة الإدارة)، تقرأ حاجة المجتمع عبر رؤية أكاديمية منهجية متوازنة قادرة على الإنفتاح على الأفق المستقبلي.ونحن إذ نتوقف هنا عند ملف تكليف الدكتور (نوفل أبو رغيف) لأننا نؤمن بقدراته الشخصية وقدراته الثقافية، بوصفها سلوكاً قبل أي شيء آخر، فضلاً عن مقدرته على تبني مشروعات الحداثة والتجديد وقيادة المؤسسة برؤية متوازنة، ومثل هذا الأمر يستدعي  بالضرورة أن تتحرك إدارة الدولة بقوة نحو تمثُّل (سلوك ثقافي) فاعل ومؤثر، يقف عند التحولات الثقافية والسياسية والاجتماعية المتسارعة التي يشهدها الواقع وإشكالياته المتداخلة، والاستعداد للتعاطي مع ضرورات صناعة المرحلة المقبلة وتتبنى اشتراطاتها وصياغة شكلها.ومن دون تغيير وتخطي الخطط والأساليب التقليدية النمطية السلبية التي طالما كانت تمارس في اختيار وترشيح الشخصيات القيادية في مؤسسات الدولة، فإننا سنظل ندور في حلقات متكررة، ودورات حتمية تتكرر فيها البدايات ونصل فيها الى ذات النهايات، بشكل يجعلنا رابضين دوماً في آخر الصف، نائمين في سبات عميق في ليل معتم طويل لا آخر له، بكل ما يترتب عن ذلك الدوران من شعور بالتراجع، أو السير بالاتجاه المعاكس، إن لم نقل إنه الاتجاه الخاطئ، وليس في ذلك مبالغة، فالشعور بالغبطة والتفاؤل بتكليف الدكتور (أبو رغيف) متأت من ذلك الأمل وتلك الثقة بقدرته على التماهي والإندماج مع كشوفات الثورات المعرفية والانفتاح على مخرجات الحداثة ورغبة المجتمع بتغيير الواقع الذي بات متخلفاً عن مجمل تطورات الفكر الإنساني والحضاري والتقني، واشتراطات الحياة الحرة الكريمة.ولأن ثقافة الإدارة تقترن بمنظومة من التحديات في جميع العصور، ذلك لأنها دائمة الارتباط بالمعنى الخلاق للتجديد الذي من دونه سيبتعد السلوك الإداري عن حقيقة وصفه روحاً ورمزاً مستمراً لمشروع بناء الدولة وخططها الاستراتيجية في إدارة مؤسساتها، المتعاضدة مع عقل المجتمع الذي يفكر في كيفية تلبية حاجاته وتحقيق تطلعاته..ولعلنا في محاولة بحث هذا الموضوع، سندرك بأن تحديات واقع قيادات مؤسسات الدولة، ليست قوى تقع خارجنا، فهي ليست تهديدات ومؤامرات تحاك لنا، وهي ليست عوامل متصلة بنموذج غير نموذجنا الذي نحيا به ونقرره ونختاره، في ضوء ذلك فإن التحديات هي قوانا المهيمنة التي تنتجها ثقافتنا وليست ثقافة أخرى ينتجها غيرنا، لذا لم تكن تحديات التجربة القيادية لمؤسسات الدولة متبدية فقط بمقارنتها بالتقدم والتجدد المتسارع في لدى الآخر، وإنما في العقد الجاثمة في دهاليز ثقافة الذات والرؤية الذاتية المنطوية والمنكفئة على نفسها، والتي كرستها التجارب السلبية في الإدارة التي تعمل بعقلية اقصائية تستوجب إقصاء وتهميش كل من يؤشر حضوراً أو يحقق منجزاً أو يترك أثراً طيباً، وهذه إشكالية عميقة تقتضي التحرر من عقدة الآخر، ومن نظرته الأنانية أيضاً، من هنا يمكن أن نقرأ العديد من الإشكاليات التي وقعت فيها بعض قيادات الدولة وكرست لحالة الفصل بينها وبين المجتمع، سواء في محاذيرها وتخوفها من الآخر، أو في أوهامها وأحلامها إزاء أفكار وسلوك التفاعل مع ذلك الآخر، هذه العقلية الإقصائية المهيمنة، ظلت تشحن الوعي الفردي والجماعي الى الحد الذي أصبحت لدينا تجليات إقصائية لا حصر لها، فالكثير من المتصدرين للقيادة يرفضون الى الآن الحديث عن التنوع والتباين والإنفتاح على الآخر، ويرفضون التنوع ويصرون بشدة على إن رؤيتهم وحدها هي الصحية والناجحة، على الرغم من إن هذه الأحادية وهذا التفرد أدى الى تشنج وانكفاء وتقوقع معظم مؤسسات الدولة.ولأننا الآن نعيش لحظة تفاؤل ونشوة بتكليف شخصية مثل شخصية الدكتور(نوفل أبو رغيف) وهذا التفاؤل نابع من إيماننا بقدرته على بلورة أفكار ومشروعات حداثوية ومتجددة تنعكس من خلالها قدرة الدولة على تحقيق برامجها، وإن كان مثل هذا الأمر يستدعي الى حد الضرورة القصوى استبدال القيادات الروتينية بقيادات جديدة أخرى قادرة على اقتراح وتبني مثل هذه الأفكار والتصورات برؤى منفتحة، بعيداً عن النمطية الروتينية في الأداء الإداري، تلك النمطية التي لفظتها التحولات الفكرية والعلمية المتسارعة والتي أفقدت الكثير من مؤسساتنا ماهية وجودها وجوهر فلسفتها وحيوية دورها، وإن كنا نلمح بوادر التغيير الذي تشترطه المرحلة الراهنة قادم لا محالة، والتي نأمل إن تتماهى إجراءات مثل هذا التغيير مع طبيعة وحجم التحولات الثقافية والعلمية والسياسية الراهنة التي تشهدها تحولات الواقع في دول المنطقة والعالم، والاستعداد العالي للتعاطي الواعي والمنفتح مع متغيرات المرحلة القادمة، وتبني اشتراطات تشكل رؤانا التي تؤكد هويتنا الخاصة والمتفردة، والتي نرى بأنها تقوم من خلال الأسس والمنطلقات:أولا: مراجعة المخرجات الأساسية لتجربة قيادات مؤسسات الدولة العراقية مراجعة موضوعية في ضوء ما آلت إليه النتائج، وما أشرت من مستوى على أرض الواقع العلمي والعملي، وانطلاقاً من الاعتبارات الآتية:أ- التعامل مع الموقع القيادي بوصفه فضاءً يتسع للتنوع الثقافي ويستوعب المتغيرات الاجتماعية، ومن ثم لا بد من أن تحتضن الدولة فكرة التجديد في القيادات، لضرورات تجديد الرؤى والافكار والأساليب، في نطاق يحررها من النسقية والسقوط في الروتين، وهذا بدوره يحرر القيادات نفسها من رؤاها المغلقة، ويجعلها تعيد صياغة مفهوم القيادة بوصفه مجموعة سلوكيات تحترم حق الآخر وتتضامن معه.ب- التخلي عن المفاهيم الحتمية، مثل القول بحتمية البقاء على رأس قيادة المؤسسة، ومعالجة ذلك بإصلاحات علمية وعملية، نظرية وتطبيقية، وصولاً الى وحدة الاختلاف والتنوع.ج- التحرر من عقدة المركزية النرجسية الضيقة من أجل الارتقاء بالمؤسسة، مع ضرورة الانفتاح على الآخر، واستيعاب أفكاره وكشوفاته العلمية ومرتكزاته المعرفية، من دون وضع أي قيود نسقية تكرس أزمة الإقصاء والتهميش والتمركز على الذات.ثانياً: مراجعة تجارب قيادات المؤسسات العراقية، وتقييمها في ضوء مشروع حداثوي وتجديدي، من أجل تنقيته وبلورة أفكاره الواقعية بطريقة منهجية، والعمل على إعادة إنتاج تلك التجربة في سياق مشروع بناء الدولة الحديثة.ثالثاً: الخروج من دوائر التمركز الذاتي والدخول في دائرة الفعل والممارسة العملية المباشرة، من أجل امتلاك الثقافة الجديدة والمعرفة المتقدمة والثورة التقنية العلمية.رابعاً: تفكيك المفهوم النسقي المتحكم في السلوك الشخصي لقيادات مؤسسات الدولة، عبر تجديد أنظمة القيادة وتنميتها في اتجاه معاصر، على مستوى النظام الإداري والشخصيات القيادية ومناهج الحداثة والتجديد، وذلك بهدف تنظيم حياة مؤاتية لإنتاج مجتمع مدني تشترك في بنائه كل من الدولة والأفراد والمجتمع، على وفق تقنين أكاديمي علمي ممنهج مستمد من واقع الحياة، وليس من سجلات التأويل المنحرف أو من فرضيات جاهزة مستوردة لا يمكن أن تتطابق مع واقع الحياة العراقية واشتراطاتها الجديدة.

 

المشـاهدات 746   تاريخ الإضافـة 22/03/2025   رقم المحتوى 60801
أضف تقييـم