
![]() |
ظاهرة التغالب في الثقافة العراقية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
التغالب... ثقافة ٌ تعصف بمجتمعنا منذ زمن بعيد ، وهي متجذرة في اللاوعي الاجتماعي ، لها إرتدادات وإنعكاسات واضحة في سلوكنا وأدائنا على المستوى السياسي و الاجتماعي ، وكلما أبتعد المجتمع عن المدَّنية كلما إقترب من ثقافة التغالب البدوية على رأي ابن خلدون في مقدمته ، وهي بالضد من ثقافة التنافس.
تستند هذه الثقافة الى, موروث شعبي واسع تتكرس مفرداتها في حياتنا اليومية ، فما ان تفتح عينيك، حتى يواجهك كم هائل من الأمثال والروايات والشعر الذي يغذي روح الكراهية ويحرضك على التفوق بالقوة والقهر وسحق الآخر، فواحدٌ من الأمثال الشعبية التي يرددها الكثير منا وهو ( إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب ) وهذا المثل يعتبر ان القوة والتغلُّب على الاخر وتدميره نوع من انواع البطولة والفحولة، وكأننا في معركة مع الاخر أو غابة لا يسودها القانون بل في مجتمع ذئاب يتربص احدنا بالآخر لينتقم منه، رغم اننا نعيش في عصر العلم والتكنولوجيا .
فيما يذهب المثل الاخر الى ابعد من ذلك وهو مثل مشهور يقول : ( اتغده بيه قبل ما يتعشى بيك ) أي تغلب عليه قبل ان يتغلب عليك ، والمقصود هنا التغلب بالقوة والسطوة ، وهذا إيغال في القسوة والتوحش. يمكنك ان تتغلب على خصمك أو عدوك ولكن ليس بالضرورة ان تنتقم منه وتعدمه الوجود، فالحياة قائمة على التنافس بين البشر وهو سر ديمومتها واستمرارها وتجددها .
موروثنا الديني هو الاخر لا يبتعد كثيراً عن موروثنا الاجتماعي فالشاعر السيد حيدر الحلي يدعو الى محو بني أمية وإستأصال شأفتهم وهو يخالف تعاليم الدين حينما يقول في احدى قصائده:
" وإستأصلوا حتى الرضيع لآل حرب والرضيعة"
هذا الموروث الذي يجعلك في غياهب العمى لا يمكن ان يُسكت عنه، أو أن يُترك دون تمحيص ، فكيف سمح الشاعر لنفسه ان ينتقم من الأطفال بحجة ان آبائهم مجرمون .
اي ثقافة تتيح لك هذا النوع من الانتقام.
كما استوقفني بيت الشعر الشهير من قصيدة احمد شوقي (سلو قلبي غداة سلا وتابا) التي يمدح بها النبي(ص) الذي يقول:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
ولا أدري لِمَ غلابا.. ؟ لمَ يغيَّب صوت العقل وثقافة الحوار، لِمَ لا نلجأ للتنافس بدل التغالب ، فهناك فرق كبير بين التغالب والتنافس ، فالتغالب يعتمد على القوة والبلطجة والسطوة المنفلتة ، بينما التنافس يعتمد على القدرات والإمكانات الشخصية او الجماعية وهو يعتمد مقاييس علمية، ناهيك ان التغالب صفة لا تليق بالإنسان المتحضر، فهو عملية إقصاء وعزل الخصم وتدميره . لماذا نعتبر الحياة معركة او غابة يجب ان ينتصر بها احدنا ، لماذا لا نتكامل ببعضنا ونشيع ثقافة حب الخير . الموروث الذي يقول :
اذا مت ضمآناً فلا نزل القطر
إنه موروث بالٍ لا يُؤْمِن بالتعايش، فروح التسامح توجب علينا ان تكون مصدراً للخير والمحبة والعطاء .لكن إنسانية ابي العلاء المعري تتفوق حينما يقول:
فلا هطلت عليَّ ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلاد
ان الذين يتبرعون بأعضائهم الجسدية أو دمائهم من اجل أن يعيش الاخرون بسلام وأمان أولئك هم المترفعون عن الحيوانية. عالم اليوم يسوده القانون والعقلانية ولا مجال لثقافة ( خذ حقك بيدك ) فالبقاء للأجدر والأفضل وليس للأقوى ، فمصطلح البقاء للأقوى هو نتاج فلسفة الألماني فردريك نيتشه قد اثبت خطأه وهو بعيد عن المدنية والتحضر ، فلم تعُد القوة هي العامل الأساس في التفوق والمفاضلة ، فهناك العلم و العقل ، وهما عاملان مهمان في حيازة مرتبة متقدمة بين الامم ، مخترع الفيسبوك شاب صغير هو مارك زوگر بيرگ تفوق بعقله لا بعضلاته . وكذلك مخترع الهوت ميل البريد الالكتروني شاب باكستاني تنافس مع أقرانه وتفوق عليهم ، وهكذا البقية. |
المشـاهدات 37 تاريخ الإضافـة 07/04/2025 رقم المحتوى 61265 |