الأحد 2025/7/13 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 45.95 مئويـة
نيوز بار
وفاء كلب
وفاء كلب
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب حسن العكيلي
النـص :

في مقتبل عمرنا لم نبلغ السعادة البتة فقد مررنا بضروف قاسية للغاية فارضنا الزراعية التي نملكها عشعش فيها الوجوم وغال في جسدها السباخ وغادرت البيادر افقها الواسع المترامي الاطراف للابد . اضف الى ذلك جفاف النهر الذي البس سهولنا ثوب الجفاف والاكتئاب فقد غادر اغلب جيراننا قريتهم  الى المدن القريبة والبعيدة لكي لا يفترسهم وحش الفقر بأنيابه القاسية وبقيت بيوتهم المهجورة كالاطلال تبكي اصحابها الذين غادروها رغما عنهم في تلك الاوقات العصيبة اتصل عمي بوالدي وطلب منه  القدوم الى بغداد ليعمل مع احد اصدقاءه الذين يمتلكون اكثر من معمل للطابوق . بدلا من البقاء في مكان يحاصر عائلتنا بالجوع والقلق- فبعد انتهاء الموسم الدراسي وبدء العطلة الصيفية قرر والدي ان ياخذني واخي الكبير معه - حينها كان الوقت صيفا شديد الحرارة وقاسيا على طفلين لم يتجاوز عمرهما  الاثنتي عشر عاما -  بعد وصولنا الى مكان العمل قام (الفورمان) المسؤول على العمل باضافتنا انا واخي الى مجموعة العمال الذين يحملون قوالب الخشب التي يوضع عليها الطابوق  المشكلة ان الخشب الذي يوضع عليه الطابوق وهو في مرحلة الطين يحتاج الى دهنه وبشكل مستمر بالنفط الاسود تصوروا ماذا يحدث لجسد طفل وهو يحمل قوالب الخشب المغطاة بالنفط الاسود الذي يتحول في وقت الظهيرة الى مجمرة تلسع اجسادنا الغضة البريئة كل يوم..قبل ان ينتهي موسم العمل بايام تركنا والدنا امانة عند احد اصدقاءه وعاد الى بيتنا في القرية وبعد وصوله جلس مع والدتي وتحدثا في موضوع رحيلنا من القرية التي لم تعد مكانا طبيعيا للعيش الكريم بعد ان هرمت فيها الاحلام وأصبح كل شيء يتشح بالسواد وينذر بالموت وبعد نقاشات وسجالات ممزوجة بالحسرة والدموع والاهات اتفقا في النهاية انه لابد من الرحيل في اسرع وقت ممكن . فقام ببيع كل مانمتلك من حيوانات واشياء اخرى لاشك ان الرحيل عن ألاماكن المحفورة بداخلنا، صعب للغاية فمن المستحيل على قلوبنا الرقيقة المعلقة بمن نحب ان تنسى ألاشخاص الذين عرفناهم وتعلقنا بهم لان ذكرياتهم ستبقى معلقة بمن تحب وتعشق ولفترة طويلة . فمن الصعب أن يفارق انسان روحاً كانت جزءاً منه، دون أن يحزن ودون أن يتألم . لذلك لا يوجد أصعب من فراق الأحبة.وتوديع كل ذكرى عبقة والى الابد وماهي الا يومين اثنين حتى عاد والدي الى معمل الطابوق ليكمل ماتبقى من ايام الاسبوع وابلغنا ان عائلتنا وصلت بغداد واستقرت في بيتنا الجديد سألته عن كل شي يخصنا في القرية فاجاب لقد قمت ببيع كل مانملك من اغنام وابقار واهديت بيتنا الطيني الى جيراننا وتركنا خلفنا الكثير من الاشياء الغير مهمة ومن بينها الكلب0(برع) عندما تيقنت ان والدي قد تركه هناك بكيت عليه كثيرا حتى احمرت عيناي من الدموع وعاتبته على ذلك وطمأنني انه سيلتجا الى بيت احد الجيران ليكون حارسهم الجديد-  وحين اشتغل شريط الذكريات في رأسي وراح يدور سريعا ويتوقف بالمحطات الجميلة وبالمواقف المختلفة احسست بغصة في صدري ودمعة في عيني. كالنار تحرق وجنتي ..فرحت اتذكر مواقفه التي لاتنسى في انقاذي من الغرق والدفاع عني من الكلاب الاخرى وحماية بيتنا من اللصوص بنباحه المتميز لقد احببت ذلك الكلب لانه كان مثالا للوفاء والاخلاص والطيبة .  بعد ايام من استقرارنا في بيتنا الجديد حل علينا احد جيراننا في القرية ضيفا – وسالناه عن احبتنا هناك وكذا ماحل بكلبنا الوفي فاخبرنا انه اراد وبكل ماأوتي من قوة ان يلحق بالسيارة التي حملتكم لكنه لم يقدر اللحاق بها. فعاد خائبا الى بيتكم الخالي من الاصوات والوجوه والحركة. فقضى ليلته يعوي ويأن لعله يرى واحدا منكم . حاولنا ان نعطيه شيئا من الاكل لكنه أبى ان يأخذ من ايدينا  فبقي على ذلك الحال ثلاثة ايام وبعد ان يأس من عدم وجود احد توجه الى ارضكم وبقي هناك ايام عديدة يحم ويلوب باحثا عن اي شي يعود لكم .  حتى تغير شكله وحاله فافترش الارض واستسلم الى النوم حتى وجدناه ميتا عندما سمعت كلام الضيف وهو يروي لنا ماحدث للكلب بكيت كثيرا وحزنت أكثر وكان حزني يشبه حزن ام فقدت وليدها الوحيد لقد اثبت برع انه كان مثالا للوفاء والاخلاص لاهله .بعد ان قرر الموت بكرامة ولا يطأطأ راسه  للغرباء.. ليستجدي منهم رغيف الحياة ..

 

المشـاهدات 83   تاريخ الإضافـة 15/04/2025   رقم المحتوى 61651
أضف تقييـم