الأحد 2025/4/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 31.95 مئويـة
نيوز بار
قراءة تحليلية لقرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن اتفاقية خور عبد الله
قراءة تحليلية لقرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن اتفاقية خور عبد الله
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناجي الغزي
النـص :

يمثّل قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق، القاضي بعدم دستورية القانون رقم (42) لسنة 2013، والمتعلق بتصديق الاتفاقية بين العراق والكويت لتنظيم الملاحة في خور عبد الله، محطة مفصلية في العلاقة القانونية والسياسية بين البلدين. وقد أثيرت تفسيرات متباينة لهذا القرار، بلغت حدّ الادعاء بأنه تراجع عن الاعتراف العراقي بالحدود الدولية مع الكويت، بينما جاء القرار – وفق منطوقه وأسبابه – في إطار فني دستوري محض، يخص آلية المصادقة على الاتفاقيات، دون المساس بجوهر الحدود أو سيادة الدول.لكن اللافت للانتباه، هو *تقدّم كل من رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بطعنين منفصلين أمام المحكمة ذاتها، طالبا فيهما العدول عن قرارها وإعادة الاعتبار للقانون رقم 42 لسنة 2013. *هذا الحدث السياسي - القانوني يثير تساؤلاً جوهرياً:ما الذي يفسر لجوء أعلى سلطتين تنفيذيتين في الدولة العراقية للطعن بقرار المحكمة الاتحادية العليا، رغم أن قرارها لم يمس أصلاً ترسيم الحدود الدولية؟

 

أولاً: ماهي طبيعة القرار القضائي

 

عند دراسة القرار القضائي للمحكمة، يتضح أن السبب الرئيس في إبطاله للقانون 42 لسنة 2013 يعود إلى مخالفة أحكام المادة (61/رابعاً) من الدستور العراقي، التي تشترط موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عند التصديق على المعاهدات والاتفاقيات الدولية. وبما أن القانون المذكور لم يُصوّت عليه بهذه الأغلبية الموصوفة، فقد رأت المحكمة أن ذلك يشكل خللاً دستورياً يوجب بطلانه، دون النظر إلى مضمون الاتفاقية ذاتها أو آثارها السياسية أو الدولية.لكنّ هذا القرار – رغم طابعه الفني – ولّد ارتباكاً سياسياً داخلياً وخارجياً، لا سيما في العلاقة مع الكويت، وشكّل مادة حساسة تم تضخيمها إعلامياً وتفسيرها وكأنها انسحاب أحادي من اتفاق دولي أو إنكار لحدود ترسمت بقرارات أممية.

 

ثانياً: قراءة في موقف رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء

 

إن تقديم الطعنين من أعلى سلطتين في الدولة العراقية يحمل دلالات قانونية ودبلوماسية عميقة، يمكن تحليلها كالتالي: 1.تأكيد احترام العراق للاتفاقيات الدولية: استند الطعن إلى المادة الثامنة من الدستور العراقي التي تُلزم الدولة باحترام التزاماتها الدولية، وتحقيق مبدأ حسن الجوار، وحل النزاعات بالطرق السلمية. هذه المادة تُشكّل التزاماً دستورياً صريحاً بعدم الإخلال باتفاقيات الدولة أو التنصل منها، مما يجعل إلغاء أي قانون ذي طابع دولي قضية تمس هيبة الدولة والتزاماتها الدولية. 2. الاستناد إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 (وليس 1966 كما ورد إعلامياً): استند الطعن المقدم من رئيس الوزراء إلى المادة (27) من الاتفاقية، التي تمنع الدول من الاحتجاج بقوانينها الداخلية كذريعة لعدم تنفيذ المعاهدات الدولية. وهذا يعكس إدراكاً قانونياً دقيقاً بأن إلغاء قانون التصديق – إذا فُسّر على أنه إلغاء للاتفاقية نفسها – قد يعرّض العراق *للمساءلة الدولية، ويضر بسمعته والتزامه بمعايير القانون الدولي. 3. الاتفاقية لا تتعلق بالحدود بل بتنظيم الملاحة .. أشار الطعنان بوضوح إلى أن الاتفاقية لا تُشكّل أساساً لترسيم الحدود (الذي تم أصلاً بموجب قرار مجلس الأمن رقم 833 لعام 1993)، بل هي فقط لتنظيم الملاحة في ممر مائي مشترك.  هذا التوضيح يسعى إلى نزع الطابع السيادي أو الحدودي عن الاتفاقية، وإبراز أنها ذات طبيعة إدارية – تنظيمية بالأساس، مما يجعل بطلانها خللاً وظيفياً أكثر منه انتكاسة سيادية.4. تداعيات القرار سياسياً وأمنياً  من المرجح أن يكون من بين دوافع الطعن الحرص على منع تدهور العلاقات مع دولة الكويت، وطمأنة المجتمع الدولي إلى التزام العراق بثوابته القانونية والدبلوماسية. كما أن القرار أثار توترات داخلية وخارجية، الأمر الذي تطلب موقفاً سياسياً واضحاً من رئاستي الجمهورية والوزراء لاحتواء تبعاته.

 

ثالثاً: التفسير القانوني لمآل الطعن

 

من الناحية القانونية، المحكمة الاتحادية العليا غير ملزمة "بالعدول" عن قراراتها النهائية ما لم يظهر تعارض صارخ مع أحكام الدستور أو وقائع جوهرية لم تكن معروضة عليها سابقاً. ولكن، تقديم الطعن من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء:* يعكس إرادة سياسية – قانونية لتدارك التبعات الخطيرة لقرار المحكمة.* يُعيد التأكيد على أن الاتفاقية لا تزال قائمة دولياً ما لم يُلغِها أحد الطرفين بموجب إجراءات الانسحاب المنصوص عليها في الاتفاقية نفسها أو في القانون الدولي.* قد يدفع المحكمة إلى إعادة النظر في القرار، أو على الأقل إصدار توضيح قضائي يبيّن أن بطلان القانون لا يعني بطلان الاتفاقية ذاتها، وهو أمر له أثر مهدئ في العلاقات الثنائية والدولية.

المشـاهدات 33   تاريخ الإضافـة 20/04/2025   رقم المحتوى 61796
أضف تقييـم