
![]() |
العرض المسرحي ((الجريمة والعقاب)) … مُخلّص جديد يليق بزمنه |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
محمد عبد الرحيم
القاهرة ـ «القدس العربي»: «أريد أن أطرح عليكم سؤالاً مهماً.. في جانب لدينا امرأة عجوز عديمة القيمة، عديمة الفائدة، حقيرة ومريضة ومريعة، وعلى الجانب الآخر حياة الشبان تتمزق لأنهم لا يجدون ما يكفي… أليس موت واحد لا يساوي شيئاً في مقابل مئة حياة؟» (راسكولينكوف). ستظل رواية فيودور دوستويفسكي (1821 – 1881) «الجريمة والعقاب» ـ نُشرت عام 1866 ـ حكاية لا تنضب لمناقشة العديد من الأفكار وحالات السلوك البشري، في ظل ظروف سياسية واجتماعية تتلون فقط، دون أن تتغير، أو بمعنى آخر تتغير شكلاً وتتباين زمنياً، دون أدنى تغيير جوهري ينعكس على حال الإنسان. لذا تتعدد المعالجات والأعمال الفنية المختلفة، سينما أو مسرح أو أوبرا، وصولاً إلى الفن التشكيلي. ومن هذه المعالجات يأتي العرض المسرحي المصري «الجريمة والعقاب» ضمن عروض (مهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة) في دورته الأولى، التي تقيمها أكاديمية الفنون في القاهرة. العرض أداء.. عبد الله سعد، نغم صالح، وكريم أدريانو. دراما حركية مناضل عنتر، أشعار محمود البنا، ديكور هشام عادل، إضاءة وليد درويش، أزياء رحمة عمر، موسيقى محمد علام، أكسسوارات سهيلة الهواري، ماكياج روان علاء. العرض من إنتاج مسرح نهاد صليحة، وإخراج عماد علواني.
الشخصيات
بداية اعتمد العرض المسرحي على نص «الجريمة والعقاب» لمارلين كامبل وكيرت كولومبوس ــ ترجمة طارق عمار ــ والذي عُرض للمرّة الأولى في نيويورك عام 2007. ومنه يتم تجسيد رواية دوستويفسكي من خلال ثلاث شخصيات فقط، فشخصية (راسكولينكوف) ــ عبد الله سعد ــ التي لا تتغير، تتباين الأدوار حولها، ليقوم الممثل الآخر ــ كريم أدريانو ــ بأدوار (المحقق بورفيري، مارميلادوف والد سونيا، والسيدة نستاميا إحدى زبائن أليونا)، بينما تؤدي الممثلة ــ نغم صالح ــ أدوار (سونيا، ليزافيتا الشابة شقيقة أليونا، أليونا المرابية المسنة، ثم أم راسكولينكوف). فهذه المعالجة اللافتة أساسها النص المسرحي المُترجَم بالأساس.
عاديون واستثنائيون
وفق نظرية راسكولينكوف، التي اكتشفها المحقق من خلال مقال كتبه الأول أن البشر ينقسمون إلى فئتين.. العادي والاستثنائي، والأخير له الحق في افتعال ما يُعد جريمة، دون محاسبة، فهو لا يسير وفق القوانين التي تحكم المخاليق من القطيع. وبالطبع يرى البطل أنه كائن استثنائي، دون التصريح بذلك، فالمحقق يكتشفه من اللحظة الأولى، ويثق ثقة مطلقة في أنه لن يتحمل الفعل، وأنه سيعترف بجريمته في النهاية، فيقول له المحقق .. «إن كنت رجلاً تابعاً لأفكار رجل آخر، سوف تهرب، ولكنك رجل تابع لأفكاره». ففعل القتل هنا جاء نتيجة أفكار وموقف من الحياة، فراسكولينكوف يجد نفسه مسيح زمنه ــ استثنائيا ــ وفق رؤيته ومعتقده، بخلاف نابليون الذي استشهد به، فوجوده رمز، وضحيته رمز آخر بالتبعية تجسد كل الشرور والموبقات في الحياة، فكان لا بد من نهاية حياتها، حتى يمكن أن تستقيم حياة الآخرين، وفق معتقد بطل الحكاية. ولكن.. هل بالفعل يصدق راسكولينكوف نفسه بأنه أحد هؤلاء الذين يتغنى ويمجد وجودهم؟ ـ شخص استثنائي ـ حتى تتحقق عدالة شعرية يتعذب البطل بفعلته، فيعترف في المسرحية بأنه لم يساعد أحدا بالأموال التي سرقها، حتى أمه وأخته لم يساعدهما، واكتفى بدفن هذه الأموال، وحتى سونيا وإنفاق المال على جنازة أبيها، كانت من الأموال التي أرسلتها أمه له! وهو ما يُبرر حالة الندم والعذاب الذي يعيشه. هذه الحالة التي فرضها تفسير ورؤية صاحب العمل المسرحي، فيتحول المخلّص كما يبدو في البداية إلى مستجدٍ لمن يخلصه، وكيف ستستقيم فكرة إمكانية قتل كائن فظ من أجل كثيرين يمكنهم الحياة؟!
التفسير الديني
مشكلة العرض المسرحي أنه انطلق من وجهة نظر دينية ـ تفسير ديني ـ فـ(سونيا) التي لا تستطيع قراءة الكتاب المقدس، نظراً لكونها عاهرة، حتى وإن كانت ضحية، ولا تستطيع القراءة إلا بإصرار (راسكولينكوف) نفسه، تحاول باعترافه بجريمته ـ الطقس الكَنسي ـ أن تعيده بدورها إلى حظيرة الدين، رغم أنه يصفها بأنها تؤمن إيماناً أبله، رغم كل ما يحدث لها، وأنها نفسها ــ كجسد ــ أصبحت كقربان حي. ولكن.. ماذا لو أمكن تفسير الحكاية من وجهة سياسية واجتماعية، وأن تصبح هذه المرابية هي الرمز لأي فساد، خاصة الفساد السياسي، وأن التخلص منها هو هدف هؤلاء (الاستثنائيون)، الذين سيوجدون بالضرورة في كل عصر لتحقيق شكل من أشكال العدالة، ليصبح الاستناد هنا إلى تفسير ثوري للعمل، دون الاقتصار على التفسير الديني الذي سيطر على الأحداث. فـ(راسكولينكوف) شخص ثوري في الأساس استطاع أن يحول فكرته إلى فعل، خاصة تجاه مَن يستحق هذه النهاية. فرواية دوستويفسكي ليست نصاً مقدساً، لذا فهي تحتمل التأويل وتجاوز رؤية مؤلفها، حسب السياق الاجتماعي والسياسي، وكذا الزمن الذي يُعاد تقديمها من خلاله.
البناء والتقنيات
يبدأ العرض المسرحي من خلال رقص حركي يوضح إطار الحكاية، فنرى راسكولينكوف كجثة ملقاة على المسرح بين كل من المحقق والفتاة، وكل منهما يحاول تحريكه واستنهاضه، وكأنه في حلم. تتأكد فكرة الحلم هذه في تكرار بعض الأحداث، أو قطع الحدث الرئيس ـ عملية استجوابه ـ وتذكّره لبعض الأحداث الأخرى، كمقابلته للمرابية العجوز، وتفكيره واتخاذ قراره بالتخلص منها ـ ومن هذا الحلم، تتواتر فكرة أو الإيحاء بأن هذه الشخصيات كأنها أشباح تطارده، ولا تتجسد إلا في عقله، خاصة في حالة الأداء الإيقاعي وكأنهما ملائكة الحساب أو الجحيم، وفقاً للتفسير أو الرؤية الدينية التي انتهجها العرض. هذا الأداء الحركي الذي كان في مُجمله خارجاً وغريباً عن دراما العرض المسرحي، وكذلك الأغنية الدخيلة التي أدتها الممثلة، والموسيقى العالية جداً، والتي ضاعت معها الكلمات، وهو ما أثقل العرض وشتت الانتباه أكثر من الحالة الدرامية المتصاعدة في الحوار بين الشخصيات، التي اجتهد الممثلون في تجسيدها، من حيث تنوعها وتداخلها، وتحولات كل منهم. |
المشـاهدات 36 تاريخ الإضافـة 21/04/2025 رقم المحتوى 61925 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |