الأربعاء 2025/4/30 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 25.95 مئويـة
نيوز بار
الصورة وصيلة لمجازات المعنى
الصورة وصيلة لمجازات المعنى
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

 

اسماعيل ابراهيم عبد

لأن جميع التصورات السردية تجد مثائلها في كتابة الكثافة الفنية للقص فأنني سنحاول الإمساك بالصور الحاوية كثافة أفعال من البناء النحوي والدلالي المساعد على اشتغال القص الحدثي لأجل ان نبين ألوان بعض تلك التصورات كنماذج لمجازات المعاني ، اذ لا توجد معاني دون صور مسبقة متخيلة لها يُتَعامَل ذهنياً معها بـدقة أو دونما تركيز ، فالألفاظ قد تكون ـ أثناء نطقها ـ دون معان لصور , لكن المعنى الاستعمالي المقصود ؛ التداولي المتأصل فنياً ؛ لابد وأن يكون موصولاً بهدف، لذا فهو معني بالقصد اللاحق للنطق أو الكتابة.  ويفترض (هنا) ان يكون المعنى محدداً بمسيرة التلاحق التركيبي للصور والكلمات في الذهن والتركيب في الخطاب ، عّبْرَ نيّة مثول التداول المعقول للأثر، فنحن نعرف جميعا ان الصور              لا يمكن تقديرها في الذهن تماماً ، لذا فأن المظهر الصوتي والكتابي سيصيرانها وصيلة لتقدير المعنى ، هذه الوصيلة في تنافرها وانسجامها تؤلف لغة لها خصوصية الكاتب وخاصية المجتمع المنتج للقراءة . ينقل الكاتب ناصر عمارة رأي الرازي في مجال اللغة بالقول :

"مجال اللغة كفعل لتمثيل ذاتي ، تعريف ما فـي الضمير ، وضع اللغة للتعريف هو للتعريف بعالم الذات اعتماداً على تعريف المعنى بما هو صورة ذهنية لا صورة خارجية"(1). يتفق الكاتب عمارة مع الرازي على افتراضات بيرس بهذه الجنبة، إذ الصور المتولدة عن ردود أفعال الابصار أو الأحاسيس أو مظاهر الشعور ستقيم موضعها وتركيبها عند هدفها المفترض ، ثم يدخل الهدف إليها من منفذ التجربة الاتصالية لتعلم ودربة الكتابة بصورة المعنى الأولي ، ثم يُستلهم المعنى التركيبي للمجازات الصورية المنجزة ، التي تولد النُظم الإشارية المتعددة بدلالاتها التأويلية المتعددة . ويقر الاستاذ ناصر عمارة في أنه حيثما يوجد نظام الاشارات في النص الأدبي يتولد للدلالة مستويان من المعاني :" السطحية ـ المكوّن السردي المنظم لمجازات الخطاب. والعمقية : التي تؤلف عنصر وشبكة علاقات وقيم المعنى , ونظام العمليات التي تنظّم العبور من قيمة الى أخرى (2) .   

بينما يرى د. سعيد حسن بحيري : " أن المجاز يتولد عن عمليات التغيير اللفظي التي تمس التنظيم الصوتي والنحوي للدوال وعمليات تنظيم الوحدات الدلالية الصغرى"(3).

إذاً بعد مرور الصور الصغرى (تخيل صورة الكلمات في الذهن) عبر العقل لتخضع الى عملية فرز وانتقاء وتقعيد ثم تخرج منطوقة أو مكتوبة؛ (صور كبرى) ضمن قاعدتين ، النحو والمماثلة ، ثم تقيم علائق التراصف الموائم لنظام التآلف الدلالي. هكذا تتوالد الصور المتصلة بالمظاهر النصية الكبرى لموضوعة الخطاب. هذا تصور مبسط قد لا يعطي فهماً مناسباً للمناول التي يُتوقع وصفها في توليد الصور الفنية تحديداً. فما المقصود بالصور الفنية؟ كيف تتوالد؟

تعدُّ الصورة الفنية وحدة صغرى من وحدات المشهد النصي يشارك في تأليفها (النحو ، البلاغة ، الدلالة ، الغاية الاستعمالية) ، فضلاً عن عناصر مكملة اخرى كالكلمة الواحدة أو الجملة الواحدة ، أو الجمل العديدة . في جميع الحالات ؛ تعطي الجملة صورة لمعنى مقيّد لا يكتمل إلّا بعلائق سابقة وأُخرى رديفة . هذه الصور     لا تتوالد ولا تتوسع إلّا بنسيج يجمع نقائض ومؤالفات القول ؛ فمثلا : القول السردي يُغني الصياغات اللغوية التي تؤلف موضوعاً محكيا وموصوفا، يتصل بنوع (نموذج) من التصانيف الأدبية ؛ كل موضوع يتصل بنوع من الاشتغال المميز بالمفارقة والمقاربة والتأويلات المتخالفة. وفي هذا لنا ان نعرف المواصفات التي تنماز بها الصورة الفنية على وفق الطبيعة المولدة لها؛ يرى د. سعيد حسن بحيري  كذلك: " أن العمليات البلاغية المولدة للصور ـ المعاني ،البلاغة، الإضافة ، الحذف، وإعادة الترتيب ، الاستبدال؛ يمكن إرجاعها الى النحو التحويلي لدى تشومسكي ؛ بتأولين ، أبنية بعلاقات تبادلية ، وإجراءات معرفية لإنتاج أقـوال نصّية "(4).      نحن نفترض ـ للعمل النصي الفني ـ وجودَ صور فنية قصصية ـ مثلا ـ كونها الأعمق في اعتمادها على النحو الدلالي على الرغم من أن هناك صوراً أُخرى تعتمد على البلاغة المعزِزة لنظام التشفير الإشاري بعلاقاته الصوتية والضمرية.     وكذلك فان صور التكثيف القصي تعمّق تركيب العمل النصي في صوغ بُنى العالم من الموجودات الذهنية (الصور) ، والمادية (المحفزة عليها)، التي توّلد بانتظامها واستمرار تعالقها ، عـالـمـاً قصصياً يمكن ان ينماز بمواصفات خاصة، خصوصيات صفاتها تقتضي الاتجاه نحو صب الجمل ـ الصور الفنية ـ متكاملة الاداء بنمط لغوي يتواشج مع تصاعد الحدث بتقدم السرد نحو غايته الكبرى . اعتمادا على الرأي الآتي: "تستند نظرية التمثلات الذهنية الى فرضية معرفية مفادها ، أن التمثيل الذهني المعرفي سيرورة مركبة تعتمد خلق وتعديل ودمج وتجميع تمثلات ذهنية لتأويل الملفوظات. ويفترض أن هذه التمثلات ذات طبيعة تصورية وليست لسانية محظ"(5). بمعنى ان الملفوظات من الصور الذهنية ، المماثلة لحركة الأفعال تصنع حدود التراكم الدلالي؛ وهذه قد تنزوي نحو نموذج تربط بين فعلين لتركيب صورة سردية وصورتين سرديتين أُخرتين لتركيب صورة قصصية واحدة ، وصورتين قصصيتين دراميتين لتكوين صورة لقصص طويلة. وضمن التركيب الأخير هذا تجتمع الصورة الذهنية مع الصورة الشعورية ، مع الصورة الصوتية مع الصورة الفنية ، لتكوين الإحالة القيمية الهادفة الى تمثيل حركة أفقية ، عمودية ؛ لشفرة نص.

ما تقدم بعض اشتراطات اولية للجودة في الاستعمال الفني (لجمل مجاز المعنى) المعتمدة على الطبيعة التركيبية لصوغ الجمل قواعداً او سرداً او نصاً ما. ولكن اذا تحول مجاز المعنى الى معرفة سيحظى بنوع متفرد من الذرى التي تعطي له طبيعة المعلومة عبر التأويل. وإذا كان التأويل يعني تفسير النص وبث معناه وتخريج قواعده وترجمتها إلى لغة ثانية وثالثة ؛ عبر طاقته الكثيفة في استثمار حي لمكونات النص وحمولاتها الرمزية ، فسيكون القص بالتوصيف الذي ينقله د. محمد صابر عبيد عن/ الشكل والخطاب / لمحمد الماكري(6)، فانه حيثما يتفق على أن القص خطاب نصي مبرمج بنظام لغوي قابل للقراءة ، فهذا يدخله في مرحلة التفسير ، وحالما يوجد القارئ المفسر فسيتبنى – حسب مرتبته التعليمية والثقافية ، فهماً أولياً للنص القصصي كخطاب قرائي ، أي أن خطاب القص سيتعرض إلى البحث عن عقدة شد تقارب بين العناصر المكونة للمعنى ، وسيتجه صوب التأويل الذي هو ارتفاع بالوعي درجة قرائية أعلى . بهذه الدرجة تتصاعد طموحات الكاتب والقارئ في شحذ الوعي بمحاولة للوصول الى الفهم الذكي الذي يَعبرُ من مستوى التأويل البسيط إلى التأويل المحايث ، من ثم يتولد التأويل المتعدد ، ابتداء من المفردة الأولى ، واستمراراً حتى المفردة الأخيرة للقص . بمثل هذا المبنى يحال القص – كخطاب – للقبول التداولي والتواصل والتوليد والانعكاس والتمظهر المتعدد .

تجدر الاشارة هنا إلى أن التأويل ، على الرغم من عدم طواعيته للضوابط بدقة إلا انه ممارسة عقلية ممهدة ومحفزة لنصوص أُخرى قادمة حين تصير نصوصاً نقدية مدونة "وان سوء الفهم ومن ثم سوء التأويل يؤديان إلى سوء مزدوج لجدل الواقعة اللغوية والمعنى والخطاب"(7). وهو سيرتب الازدواج التداولي الذي يملأ فراغ ذاكرة القراءة بالتصورات المناسبة لافتراضات التأويل على حساب افتراضات الكاتب الذي قدًر ولم يوفِ بما هو كلي وشامل ونهائي، كون ذلك مستحيلاً غير قابل على الحصر او المقابلة او الاستعادة ، وهو ما يقرّبه من نشوة التخمين ، الذي قد تتفوق درجته على المرتسمات المتوقعة ؛ المُفَكَّر بها ، وفي ذلك متعة مضافة الى النص الحاوي دلالة ناضجة ، خاصة انه ينتظم ذاتياً في سلسلة النظام اللا مرئي لداخل الجوهر النصي العميق ضمن اتساق جمل الخطاب.

ان النتيجة البديهية للتوافق النصي بين القص والخطاب هي التوجه نحو تعميق بنية مكونات القص ليكون أكثر اقناعاً ، أكثر براعة ، يوصل إلى مدرك كتابي مهم هو التنويع الخطي للنص والتجريب الابتكاري متعدد الوجوه، مما يؤشر خطوات متصاعدة " للتراكم الدلالي بحيث يكون المعنى غير قابل للتجزئة ، حصيناً غير قابل للتسمية ، كما سيكون موضوعاً في مكان بعيد العم (8) . العمق البعيد هو عمق رسائلنا . هذا العمق النادر المميز سيختص بتنشيط الموضوع الاشاري بما فيه من جدل واشتغال على مستوى تشكل المدونات الادبية ومحتوياتها من المفردات النصية. وإذ تعتبر السيمياء كل مفردة لغوية اشارة فمجموع الاشارات تؤلف علاقة (موضوع) لتلك الجماعة ؛ على قدر هذا التوصيف تأخذ الاشارات ترتيبها النظامي فتحيل النص علاقة افقية وعمودية في النص ، فيصير النص جملة كبرى للمعنى..

المصادر المساعدة

1 عمارة ناصر ، اللغة والتأويل ، دار الفارابي ،  لبنان ، 2007 ، ص141                                                  

2 عمارة ناصر ، اللغة والتأويل ، المصدر السابق نفسه ، ص 61

3 حسن بحيري سعيد ، علم لغة النص ، مؤسسة المختار ، الـقـاهـرة ، 2004 ، ص71                                             

4 حسن بحيري سعيد ، علم لغة النص ، المصدر السابق نفسه ، ص77                                         

5 امحمد الملاخ ، الزمن في اللغة العربية ، منشورات الاختلاف ، الجزائر , 2008 ، ص483

6 د. محمد صابر عبيد ، شيفرة ادونيس ـ سيمياء الدال ولعبة المعنى ،  مصدر سابق ، ص22

7 بول ريكور ، نظرية التأويل ـ الخطاب وفائض المعنى ، مصدر سابق ، ص54 

8 رولان بارت ، لذة النص ، ت. منذر عياش ، دار الحضارة ، سوريا ، ص20

المشـاهدات 24   تاريخ الإضافـة 29/04/2025   رقم المحتوى 62310
أضف تقييـم