الإثنين 2025/9/15 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
نيوز بار
قــصــة قــصـيـرة : (( مـن أضـاء الـشـمـعـة ))؟؟
قــصــة قــصـيـرة : (( مـن أضـاء الـشـمـعـة ))؟؟
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

وسيلة أمين سامي / اليمن

 

إقتربت أكثر وأنا مبهورة بتلك المساحة المليئة بالمشاتل المتراصة بأناقة بالغة وأكاد لاأصدق ماأرى .

كان  يتحدث لمن حوله عن تلك النباتات  التي زرعها  :

ـ أما هذه فمن فصيلة الصبار ، وتسمى دمعة الطفل ويسهل زراعتها ومن مميزاتها أنها تغطي سطح المكان الذي تنمو فيه  كأنها سجاد .

واسترسل في شرح صفات بعض النباتات والزهور

طرحت عليه سؤالا

التفت إلي ، لمحت في عينيه حزنا دفينا ، أطال النظر إلي   كأنه فوجيء بوجودي

شعرت بشيء من الحرج

و بنبرة لطيفة لاتخلو من مرح قال :

ــ أما أنتِ فلاتسألي عن شيء سوى عن زهرة القرنفل 

وأشار نحو زهرة رائعة الجمال .

سرَتَ في أعماقي ابتسامة فيها ريبة من لطفه .

نسيت للحظة أنني في ساحة سجن :

ــ أنت من زرع كل هذا ؟

ــ نعم مازلت أتنفس الجمال رغم أن الظلم قد تغول ولم يبقِ  من نبض الروح إلا  النزراليسير  .

حزنت كثيرا إثر كلماته .

أردف قائلا:

ـ لو أن لك  عينان تخترقان ملامحي  لرأيت كرنفالا من الجمال ، لاتغرك بدلة السجن التي أرتديها .

خانتني العبارات ، لم  أدر  ماأقول  أو كيف أطيب خاطره غير أني قلت وبسرعة :

ـ لنعد لزهرة القرنفل  ، ماذا عنها ؟

كان رده أسرع :

ــ تشبهك تماما ..

تفاجئت برده ، يالجرأته  قلت ذلك في سري وقد اعتراني شعور بهيج غامض ..

وشعرت بلهفة حقيقة لسماع سيرة تلك الزهرة .

إبتسم وعاد لزهوه شارحا باستفاضة  ..

غاب صوته في ضجيج أسئلة  تعالت في سري :

ـ ترى ما الذي جاء بك إلى هنا أيها المفعم بكل هذا الجمال ؟؟

أذهلني بهذا المخزون لديه عن كل نبته هنا .

لم أشعر بالوقت الذي انقضى سريعا

حتى تنبهت ليد صديقتي رئيسة المجموعة :

ــ أنت هنا وأنا أبحث عنك .

نظرت إليه ثم إلي وماكان منها إلا أن سحبتني جانبا :

ــ أتدري مع من تقفين ؟؟ إنه السجين أحمد  محكوم عليه بالاعدام في تهمة قتل  لم يبق له سوى أيام وسينفذ فيه الحكم

ــ ياإلهي ..

كان وقع ذاك الخبر صادما مؤلما ..

أخذت أسير مبتعدة عن المكان بخطوات بطيئة وكأن على كتفي حمل ثقيل .

ــ أحقا ياسلوى

ــ نعم نعم

ــ ماذا تعرفين عنه أيضا ؟

ــ تخرج من كلية الزراعة ، كان نابغة في مجال دراسته ، واعتبارا لحسن سيرته وسلوكه في السجن  مدة الخمس سنوات استجابت إدراة السجن لطلبه  وسمح له بممارسة هوايته  بزراعة النباتات المختلفة وزودته بكل مايحتاج .. والغريب أنه مصر على أنه بريء  من تهمة القتل المنسوبة إليه ،  وأن هناك متنفذين هم من الصق به هذه التهمة .

ــ  أنا أميل لتصديقه ياسلوى .

ــ ماذا ؟؟

ــ بعد إذنك أريد العودة إليه لدي بعض الأسئلة

ــ ليس الأن  فقد انتهت فترة استراحة السجناء ، لاتنسي جئنا هنا لمهمة معينة لاتضيعي الوقت بأشياء جانبية .

ــ لم أنس ياعزيزتي  نحن متطوعون للدفاع عن السجناء الغير قادرين على توكيل محامين .

ــ سلوى هل يحق لي  أن أتعاون مع هذا السجين ، هل بامكاني فتح قضيته مرة أخرى والدفاع عنه ؟؟

 

ــ لا  لا فقضية هذا السجين قد استنفذت جميع الطرق القانونية ومرت بجميع مراحل التقاضي  لم يبق سوى تنفيذ حكم الاعدام .

 

كان اللقاء التالي به مختلفا تماما ، كأنني أعرفه منذ زمن بعيد  :

ــ أريد  أن أساعدك ، أنا هنا من أجل ذلك ، أحقا أنت قاتل ؟

ــ هل تصدقيني لو قلت أنني بريء ؟؟

تنفست الصعداء ودون تفكير أجبته :

ــ أصدقك ، وأريد أن أعرف كل تفاصيل قضيتك .

ــ لماذا  ، والغلبة للظلم  في هذا الزمن ، لم أستسلم إلا بعد جهد مضن ، تخلى عني كل من يعرفني  ، لم يصدقني أحد ، هناك من أحكم حولي التهمة ، القاتل حر طليق وأنا هنا أنتظر  النهاية ، سأظل أقول أني بريء حيا وميتا  هذا ماأستطيع فعله الٱن بعد أن استنفذت كل الطرق .

 

صمت ، ثم نظر إلي :

ــ لماذا أنت مؤمنة ببرائتي ؟

ــ شيء ما بداخلي يخبرني أنك صادق وأنا لايخطيء حدسي

ــ إنه صادق هذا الحدس .

أصدقكِ القول  لقد يئست من الحياة قررت أن أنتظر الموت وأستقبله بكل أناقتي  وبكل الجمال الذي يعتمره قلبي ، هذا قدري ، وخير لي أن ألقى ربي مظلوما لاظالما .

ــ لن تموت ظلما

ــ الموت لايخيفني  بل صرنا صديقين حميمين  أحدثه ويحدثني ، يتمثل لي طيفا  لطيفا ودودا ، يصيبني بنوبات صفاء تغرقني في شغف علوي

فتسكن روحي وتهدأ نفسي .

تركت كلماته أثرا عميقا في نفسي قلت له :

ــ أريد  أن أعرف عنك كل شيء ، هل تسمح بذلك ؟

ــ لماذا ؟

ــ لأثبت أن العدالة تصاب أحيانا بالعمى

ــ بل البشر يطغى عليهم الشر فتصاب انسانيتهم  بالعمى ، أعدك بأنك ستعرفين عني كل شيء .

 

تكررت اللقاءات في ساحة السجن .

لاأدري لماذا بدر لي أن أعاتبه بلطف  :

ــ لم تسألني عن اسمي ياأحمد

ــ لأني قد أسميتك في سري .

استلطفتُ ذلك كثيرا وانتابني فضول  أي اسم اختاره لي ؟؟

 

ــ أحقا !!  وأي اسم اخترته لي ؟؟

ــ ( أمل )

 

صعقت !!  وانتابتني حالة من الذهول

حاولت أن أخفي ذلك  فلم أستطع ، أشحتُ بوجهي حتى أخفي تعابيره .

ــ لم يعجبك الأسم ؟؟  لكني أراه مناسبا جدا  ولن أناديك بغيره .

ــ أي شفافية وصفاء فيك ياأحمد  ، لكن أصدقني القول هل سمعت أحدا هنا يناديني ؟  أنا فعلا اسمي أمل .

 

لأول مرة منذ رأيته لمحت على شفتيه ابتسامة  تتبختر بكل حلل الصدق .

ــ لقد  أخرجت الدنيا من قلبي فوصلت لعالم ٱخر لايراه غيري ، ألم أقل لك أنني بت أنتظر  الموت بكامل أناقتي ؟

ــ ياله من عالم  !!

 

إنه إنسان مختلف ، لقد شدتني شخصيته  بطريقة عجيبةوجعلته يحتل كل مساحات تفكيري .

غبت عنه لمشاغل أجبرتني على ذلك وتخلفت عن موعد أبرم بيننا  لأسلمه بعضا من البذور التي طلبها مني

وحين التقيته  اعتذرت له عن التأخير  فكان رده :

ــ حضرت أم لم تحضري فحتى غيابك  صار حضورا  يتسيد الزمان والمكان

وحتى زهوري هنا  تمتثل وتعلن الولاء الكامل لهذا  الغياب - الحضور .

أمل  عندما يكون  المحبوب( أملا ) يصير ( المحب ) روحا تذكي اتقاد الحنين تضمد أنفاس الحياة وإن كانت على مشارف الاحتضار  ، الحب عطاء حتى في الغياب .

كنت أنصت له بكل جوارحي وكأنني أعيش حلما لاأود  الاستيقاظ  منه .. لكنه حلم كسير

 

المشـاهدات 283   تاريخ الإضافـة 14/05/2025   رقم المحتوى 62881
أضف تقييـم