
![]() |
تداعيات الذات ونبوغ الشعر في ... تُراب الوجع |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
دراسة نقدية
المجموعة الشعرية "تُراب الوجع" للشاعرة منال الحسن، لها زاويتا نظر مختلفتان، اولاها، الحياة والهموم الحياتية التي حدثت للشاعرة، في مسيرة حياتها، وخاصة الفقد والغياب، فقد رحل عنها الأهل الى ملكوت آخر، والدها، واخوها الشهيد هيثم، واختاها الفقيدتان، وظلت تعتز لمن بقي من أسرتها، وتأتي هذه المجموعة وقد اجتاح هذا الفقد صناعة قصائدها النثرية، ليضيف لها ملامح شعرية ذات حس شعري، تجعل القارئ يحلق بهذا العالم الشعري الساحر، إذ عمدت الشاعرة على انتقاء مفردات شعرية ذات دلالات شعرية عميقة واستعارات تغوص في أعماق الذات وتخرج كتلة من الاحساس والهيام والسمو، فترتبط بثيماتها وموضوعتها المتناسقة المتصلة ببعضها، والأمر الملفت للاهتمام والانتباه، الذي يدعونا الى التأمل أن الشاعرة عملت على أن تكون هذه المجموعة متصلة اتصالاً حميمياً ومتجذرة معه، وتنساب الشاعرية من تلك اللهموم بلغة شعرية عميقة، تؤكد على قدرة الشاعرة في صناعة قصيدة نثرية تنتمي الى عالم الشعر. وتتضح لنا تلك المعالجات الفنية في عملية بناء القصيدة النثرية للشاعرة، فأنها أشارت في هامشها ضمن القصيدة الشعرية "ترابُ الوجع" التي وسمت المجموعة الشعرية بها، وهي أضافة الى تشكيلها وتكوينها، توضح رؤية الشاعرة الفنية لمجمل النصوص الشعرية، فإنها تنطلق بتداعيات ذات حس شعري عميق، ونتلمس ذلك بعد اطلاعنا على الهامش: "القصيدة اشتغال على فكرة أنني عند سفري إلى المهجر، أخذت حفنة من تراب بيت أهلي، وأخرى من قبر والدي الراحل ، وثالثة من قبر أخي الشهيد هيثم، ورابعة من قبر أختي الراحلة أشواق، الرحمة وجنان الخلد لهم جميعاً، والى ذكرياتهم التي اتنفسها كلَّ يوم." (ص 17) وهذا الهامش هو توضيح لبنية العنونة والقصيدة ذاتها، وسنكشف الكثير مما تكنه الشاعرة ونشرته شعراً على متن القصيدة: وأنا أفتحُ البابَ على أسئلتي حطَّ على راحتي طائرٌ حزينٌ رسم لي خارطةً أحاطها بخيطٍ من دمٍ قالت لي عيناه: خَبِّي أوراقكِ واحتفظي بدموع أخذتها ذات هلع من صدى وصية لأبيك وهو يغرس في وجدانكِ وردة الروحِ كنت على جناحِ غيمةٍ أُضمدُ ذاكرتي وأنا أختار تراباً استنشق منه تاريخاً من العَبراتِ والشجن الى آخر تلك القصيدة الغارقة بالتداعيات الذاتية، وتتحس هذا التراب الذي يرافقها في رحيلها. أما القصيدة الشعرية "شَجرةُ الحياة" فإن الشاعرة تقوم مقام الشجرة، لتقدم لنا تفاصيل عن حياتها، الفؤوس، والحطب، والصيف، والشتاء، والمطر، وكل ما رأته الشجرة في حياتها. تقول في خاتمتها: حتى لو كنت تُشاركني هذا الأوكسجين... أنا شجرةٌ... إن دَنَوتَ منها ألقت عليك اساطيرها لِتُغلِّفَ نفسك بالذنوب أنت الواقفُ على بُعد هَمْسَةٍ لن تعرفَ عني سوى حفيفٍ وعطْرٍ وخضرة تَتَماهَى في حقول الر ُّوح. ونكتشف أيضاً أن تلك الشجرة، هي ذات الشاعرة، وهمومها ومسيرة حياتها. وفي قصيدة "لستُ قلقةٌ أبداً" فبالرغم من حولها هسيس ذكرياتها وتكاثر الافكار لكنها ليست قلقة، لأنها تحس بأن الحبيب قربها: وأنا في غرفتي أترقبُ دخانَ شَجَني صورٌ عديدةٌ تمرُّ أمامي أتأمل خرائط أسئلتي كلما تكاثرت الخطوطُ على جدرانها أهرب الى الحلمِ فهو ملاذي الأثير وفي قصيدة "الرجل الذي تحبه أمي!" فإن الشاعرة تقدم لنا العلاقة العاطفية بين أمها وأبيها وحكاية زواجهما ممزوجة بلوعة الحنين والفقد وحب الوالدين. مِمَّا أذكُره أن أبي على الرغم من سمو وعيهِ وتفتح نوافذ آفاقهِ ونبوغ فِكرِهِ وحِذق يَراعِهِ الذي رسم عالماً من جمالٍ وسطَّرَ كلماتٍ من نبض قلبه إلا أنهُ كان رجلاً شرقياً يغار كثيراً على أمي وفي قصيدة "دَعني أنطلق" فإن الشاعرة تجد أن القصيدة تحد من مشاعرها، وتحتاج الى انطلاق أكبر، نقتطف جزءاً منها وكثيراً ما تكون قاصرةً عن تطويع الحرائقِ فأنا في لحظة الكتابةِ أريد أن اصير فراشةً وأنسى أنني منالً بيد أنها فراشةٌ لا تحترقُ مهما كان لهيبُ النارِ عالياً وخصت الشاعرة قصائد شعرية تحمل عبق ونفحات ايمانية مقدسة، عن الأمام علي والامام الحسين والامام العباس عليهم السلام، ولم تغفل الشاعرة في هذه المجموعة حضور الشعراء الذين خدموا الحركة الشعرية بقصائد حداثوية ومنهم الشاعر الكبير مظفر النواب، وكذلك الشاعر الشاب الذي فارق الحياة في ريعان شبابه مروان عادل. وفي قصيدة "قارئة الفنجان" تقدم لنا الشاعرة طالعها المليء بالهموم والمضبب والخالي من الملامح، وكأن القارئ يتيه وسط المفردات الشعرية المنسابة: في دوَّامة من دخان تحت سيلٍ من هواجس ونظرات من عينين هما مدينتا أسئلةٍ وحقول نبوءاتٍ رفعت رأس دَهَشَتها قالت كأنها تنادي شراعاً هارباً ومَوجةً دثرت زيدها ببقايا ريحٍ: فنجانك يا ابنتي وجوهٌ تتبعها وجوهٌ نساء تطلُّ غيرتهنَّ من نوافذ الحسد... لم يقطعن أيديهن.. ولم يتركن فسحةً لدهشةٍ الى آخر تلك القصيدة. اما زاوية النظر الثانية فإن تلك القصائد النابعة من الذات وتراب الوجع، وهي ذاتها تلامس مشاعر واحساس القارئ وشمولية عامة، أي يحسها كأنها تحاكي وجدانه وما حدث له. المجموعة النثرية الشعرية "تُراب الوجع" للشاعرة منال الحسن، وهي المجموعة الشعرية الثالثة، تؤكد مضي الشاعر نحو النبوغ والتمكن من صناعة قصيدة فيها كل مقومات النجاح. من اصدارات شمس للنشر والاعلام لعام 2025 |
المشـاهدات 100 تاريخ الإضافـة 20/05/2025 رقم المحتوى 63135 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |