في مسيرة الشعوب نحو الحرية والاستقرار، تبقى الديمقراطية خياراً حضارياً وإنسانياً، ليس فقط كنظام سياسي، بل كمنظومة قيم تقوم على العدالة والمساواة والكرامة والمشاركة.وقد تبنّى العراق بعد عام 2003 هذا النموذج، وكرّسه دستورياً، عبر نظام انتخابي وتعددي يكفل التداول السلمي للسلطة، ويمنح الشعب موقع الصدارة في صناعة القرار.لكن التجربة أظهرت أن هناك فجوة بين النصوص الدستورية والتطبيق الواقعي، وهذه الفجوة لا تعني فشل الديمقراطية، بل تؤشر إلى حاجة ملحة لإصلاح الآليات، وتقوية المؤسسات، وتنمية الوعي الشعبي.فالشعب العراقي، رغم كل ما مرّ به من حروب وعقوبات وإرهاب واحتلال وانقسامات، أثبت في أكثر من محطة أنه متمسك بالديمقراطية، ويريد نظاماً سياسياً نزيهاً وعادلاً، يعكس إرادته وتضحياته.وقد كان لصوت المرجعية الدينية في هذه الرحلة دورٌ لا يُقاس، حيث تصدّت في اللحظات الحاسمة للحفاظ على المسار، ونادت بالإصلاح، ورفضت الفساد والمحاصصة، وقدّمت رؤية أخلاقية وروحية متماسكة للنهوض بالدولة على أسس العدل والخدمة العامة.وما كان لهذه التجربة أن تصمد لولا دماء آلاف الشهداء الذين قدّموا أرواحهم من أجل أن تبقى الدولة قائمة، والديمقراطية ممكنة، والسيادة مصانة.ومن أجل تحويل الديمقراطية من نصوص إلى ممارسة، نحتاج إلى: 1- إصلاح المنظومة الانتخابية وضمان تمثيل عادل وحقيقي. 2- تمكين الشباب والنساء والمجتمع المدني من التأثير والمشاركة. 3- فصل المصالح الحزبية عن مؤسسات الدولة وتحقيق الاستقلالية والنزاهة.4- ترسيخ مبدأ الرقابة والمساءلة في الثقافة السياسية. 5- تبني خطاب وطني جامع يتجاوز الطائفية والفئوية.نحن لا نبدأ من الصفر، بل من تضحيات عظيمة ومن أسس راسخة، وما نحتاجه هو الإرادة الجماعية للانتقال من الصبر إلى الفعل، ومن الانتقاد إلى المشاركة، ومن الانتظار إلى البناء.

نقطة وعي

إذا كنا نؤمن بأن الديمقراطية خيارنا، فهل نملك الشجاعة للمساهمة في إصلاحها؟ هل نرد الوفاء للشهداء والمرجعية والمواطن، ببناء دولة تليق بتضحياتهم؟