الإثنين 2025/6/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 37.95 مئويـة
نيوز بار
ارتسام آفاق رحبة عن الموصل لمذكرات من رماد...
ارتسام آفاق رحبة عن الموصل لمذكرات من رماد...
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

 

نقد: كريم إينا

صدر للشاعر والقاص الموصلي عمر حمّاد هلال مجموعة قصصية بعنوان: " الموصل.. مذكرات من رماد" يقع الكتاب في (89) صفحة من الحجم المتوسط بقياس ( 21 في 14 سم ) ضمّت مجموعته القصصية على (147) قصة، وافتها في البداية مقدمة لهذه القصص من قبل المؤلف مع سيرته الذاتية، لوحة الغلاف للفنان أنور الدرويش، تصميم غلاف المجموعة شروق سمير، سنة الطبع 2025، طبعت في مطابع الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق المركز العام بغداد. تنبع من رحم الموصل مذكرات آتية من رماد العنقاء، فهي أرضُ الأجداد لهذا الوطن الواسع العراق، رؤية القاص تكبر وتتسعُ لكلام وحلم وحكمة، وما تهبُ الدنيا من أحداث، ففي ص7 تبدأ قصة " يوميات حرب" يقول: / إستيقظ مرعوباً، فتح عينيه لكارثة وقعت / ركض نحو الشارع ينتظرُ رصاصة تأخرت منذُ ثلاث سنين لكنّها لم تأت / يعتري هذه القصة غبار ودخان وتعثّر بالأشلاء والحطام، وهي تعكسُ حياتنا اليومية في زمن التفخيخ، وما زال القلق مستمراً يجهشُ بالبكاء، تمرّ قصة " قلق ، وإصرار، وإفتراس، بنفس الصفحة بحالات إنسانية بحتة كالوعي، والوصول، ونهاية المطاف، أنّ نَفسَ القاص عمر حمّاد هلال قصير في كتابة القصة فتراهُ يكتبُ قصة قصيرة جداً، ولكن هذا لا يمنعهُ من كتابة الرواية التي يشترط فيها الشخصيات والفصول والأحداث والزمكانية، فهو يحاول وضع خطوط عريضة لتلك الشروط، سواء في شهادة براءة، أو هرطقة، أوربية. وعلى حد قوله: في قصة " هرطقة" ص8 أنّ المجنون دائماً ينطقُ الكلام بصدق وعفوية، ليس بعيداً إذا إرتابهُ هلع من بعوضة تخدشُ جلدهُ لأن لديها ثلاث أبر الأولى لإدخال الأبرة والثانية لإمتصاص الدم والثالثة لتخدير مكان سحب الدم بالفولتارين، يلفت القاص للقارىء مدى تحكم العادات بالناس والتي ما زالت الأصوات تعلو بسببها عند الجلوس في المقهى سواء عن طريق الجد أو المزاح. كلّنا نمرّ بمأزق وندفعُ الثمن باهضاً، يستذكرُ القاص صور مغايرة للواقع وينوي الخروج من خياله قبل لحظات، ففي قصة " أمل ضائع" ص13، لم يف لصديقه المغترب والصباح قد داهمهُ، ربّما سيجلبُ لهُ هدية من الطراز الأول عندما يرجع، وفي قصة " لفافة تبغ" ص14، إستطرق الكاتب برؤى الحدث وفقدان الإنسانية تاركاً عائلته تتشبثُ به لعدم خروجه، ما أقسى تلك الأيام وهو منزو في ركن غرفة من داره يستجمع ذكرياتهُ الخائفة الملفوفة بلفافة تبغ، ربّما حلّ الظلام وهو منشغلاً بالعودة. في ص17، 18 تظهر قصة: إمتحان، وبخل، حاجة، كأنّ القاص يعيشها لحظة بلحظة من حياته، وهو يلمسُ العوز بين حاجياته التي يعتزّ بها، أكثرية الأحداث التي يسردها الكاتب تحملُ طابعاً إنسانياً، مرةً يكونُ مفرحاً وأخرى حزين وهذا ما يختبرُ صبرهُ في الحياة، يصفُ شخصياته بدقة وبواقع ملموس مثال: يقول: / يجوبُ الأسواق كلّ يوم رغم بلوغه الثمانين من العمر / محدودب الظهر / علّ محسناً يعطيه ما تجودُ به يدهُ /. أكثرية قصص عمر حمّاد هلال هي من الواقع، فتراهُ يصحّح الأوضاع ويغادرُ يومهُ الجديد بأخطاء تثقلُ كاهلهُ، يحرص القاص كلّ الحرص بالتركيز على شخصيات صغيرة في السرد القصصي وذلك لكثرة الأسئلة التي تثار عن أحلام الكبار، تنضح من هذه القصص بعض الحكم والمواقف المشرّفة التي تبتعدُ عنها الإزدواجية، كقصة: تساؤل، ضرّة، قناعة، حادثة، ص21، ص22، يحاول تأصيل الأجناس الأدبية، فهو ينظرُ إلى عمق الحياة في الموصل عن تفاصيلها وشخوصها، مآثرها وحكاياتها، يقومُ بنقلها بغير تكلّف، صوّرها كما هي على حقيقتها، فنجدُ بعض شخصيات قصصه جالسة معهُ، يحكي لنا عن ذاك المشهد أو تلك اللقطة، أو نجدُ أنفسنا قد إمتزجنا بأحداث قصة ما، أو قصص على ما فيها من دقّة التصوير وروعة الوصف التفصيلي للأحداث، لا يصيبُ القارىء بالملل، بل يزيدهُ دهشة وإعجاباً، وفي نهاية كل قصة ومضة تُبينُ الكيفية التي ستسيرُ وفقها أحداث النهاية، يُقال: بأنّ القصة القصيرة جداً نثر سردي يأتي به القاص من القمامات ويلتقطهُ من قاذورات اليومي، ليستنطق الواقع من خلال رصد مظاهر التهميش وتصوير حالات العيش وإبراز وجهات نظر مكتومة، ربّما الإيحاء لهُ دور كبير في دمقرطة المعنى وشيوعية الحقيقة الفنية، ربّما يأتي النص مفخخاً بالبياض يتمنطق بالوقفات والفجوات المباغتة، والقصة القصيرة جداً ما هي إلاّ محاورة فنية مع الآخر دون إستطراد لغوي أو فخامة أسلوبية، والقاص هنا يعمل على الإقتصاد اللغوي بشكل مدروس متعدّد الدلالات، فنرى القارىء يذهب في التأويل بكل ما يرى، والغاية الأساسية هي إستنفار حواس القارىء، الأشياء التي تواجه القاص هي الإستبداد، القهر، التهميش، وفي ص24 قصة " خوف " يقول: / أتركتها تحت المجسّر؟ / قال: والغصّة في حلقه نعم في منطقة الحرام /  إستجمع رجلان رباطة جأشهما محاولين التسلّل تحت جنح الظلام / وجداها قد فارقت الحياة /، إنّ الفن القصصي ما هو إلاّ المتعة وتبصير الناس بمصائرها، تُعد هذه المجموعة كذخيرة أدبية موثقة تراثياً، يروي القاص هلال في قصصه: إنكسار، إهانة، نزاهة، إنفجار، زواج، ص30، 31 على لسان الأبطال شيئاً من المأساة ما حلّ بالموصل من خراب، إنّ فضاء الدلالات التي يولدها سرد القاص تتولد في حركة الإنتظام فتشكل علاقات بينها لأحاسيس ملتصقة بتجاويف الذات وبأعماق الموضوع، على الكاتب أن يواجه العالم والأشياء وأن يختار عزلتهُ أو حضورهُ مع الآخرين، لقد نجح عندما إستحدث قصصه من واقع الحياة المحيطة تُعالجُ قضيتين مهمتين، هما: الفقر المدمّر، والإرهاب القاتل، وهما مفروضان علينا، جاءت الأحداث متسلسلة أي تبدأ ضعيفة ثمّ تنمو وتتعقد حتى تنتهي مع الحل، وقد تثري المتلقي ويحسن متابعتها، ينقدُ القاص مهنة الإنسان سواء كان صائغ أو تاجر أو طبيب الذي لا يشعر بالقيم الإنسانية وينتابهُ حيرة في تجديد هويته، فتراهُ الإنسان الغير السوي يتلون كالحرباء مثل تلون زميلهُ الصحفي في ذات الجريدة التي عمل فيها، يدّعي أمام الناس بحياديته بينما هو إنتهازي بإمتياز، فيقول: / بقي هو وزملاؤهُ يعانون الأمرّين لمدّة ثلاث سنوات عجاف، وفي قصة أخرى " تحضّر" ص38 يعكسُ الكاتب الفرق الشاسع بين الغرب والشرق وتصرفات الإنسان المتحضرة وغير المتحضرة، يستمد الكاتب ألفاظهُ من غذاء الشعر، فكيفَ لا وهو شاعر يملكُ خزين لتغذية سرده، يقولُ في قصة " لحظات" ص40 / كانت حركة السير سريعة في ذلك الصباح / عبَرَ المسلك الأول متجهاً لعبور المسلك الثاني /  راقب حركة السيارات القادمة /  رأى الفرصة مواتية للعبور حثّ الخطى /، سيارة قادمة بالإتجاة المعاكس لحركة سير السيارات لسنتمترات قليلة فصلت بينهُ وبينها /، تنضح من هذه القصص حكم وعبرات ومواقف تعلّمُ الإنسان طبيعة الحياة وتزيدهُ إصراراً بالتمسك بالقيم النبيلة ونبذ كل ما هو سيء لا يدعو إلى الخير، وفي قصة " تجربة" ص41 يقول: / أيّ أشواق لديك بين أحضان الخيانة / حينما الطهر تعرّى في خضوع وأستكانة /، كانت تجربة عاشها ذات حبّ فكتب إليها، حتماً الشعر لهُ حصة الأسد في رفد القصص، نرى في قصة " فضول" لا تفوته شاردة وواردة يكثرُ التساؤل عن عظائم الأمور وسفاسفها بماذا؟ ومتى؟ وأين؟ وكيف ولماذا؟ سواء الذهاب والعودة ينتهي كُلّ ذلك عند التدخل بخصوصيات الآخرين، في قصة " نازح فهلوي" ص50 فكرتها جميلة تذكرني عند النزوح بأناس لم يملكوا اللظى وهم الآن تجار يتكلمون مع الناس ببرود بفضل نزوحهم ونكران الجميل للمكان الذي آواهم، رصد الكاتب جزء من الأحداث التي مرّت على الموصل من قبل الدواعش، وصف المتجمهرين الضاحكين والشباب الذين تم إسقاطهم من أعلى البنايات دُونَ تعليق، تعطي القصة القصيرة عند عمر حمّاد هلال بعداً وجدانياً في تصوير الحي الموصلي للواقع الأليم الذي يعيشهُ الوطن، القصة عندهُ ترتفع في المستوى الدرامي وتهبطُ أحياناً حسب خبرته، ففي قصة " نكران" ص62 وقصة " شغف" ص70 وقصة " صباح لن يأتي" ص72، فقد عالج موضوعاً إنسانياً، لذا أجاد في الوصف الداخلي لأبطال القصة، مستخدماً الصور الحسية في التعبير، وهذه الرموز والتفاسير والمعطيات التي لجأ إليها الكاتب ممّا أظهرت لنا بظهور شخصية الكاتب الفكرية والنفسية التي وضعت البصمات بين سطور النص، إضافة إلى اللغة الشاعرية والتخييل الواضح فيها، تحكي لنا قصص عمر عن الظلم الجائر، وقد توزع على رؤوس الرجال والنساء دُونَ أن يستثني أحداً، هذا اللغز الجائر أصبح ملاذاً وملجأ للإذلال والمهانة تحت مظلة الفساد والإفساد، رغم ذلك فهو يحاول إيجاد طريقة للسكينة والعدالة والعطاء، ومن هنا تظهر براعة القاص في رسم إطار فنّي للنص يمنحهُ الحياة ويقرّبهُ من الواقع، أتمنى لهُ التوفيق والإبداع في مجال الشعر والقصة لخدمة الحركة الأدبية في العراق خاصة والعالم العربي عامة. 

المشـاهدات 120   تاريخ الإضافـة 31/05/2025   رقم المحتوى 63537
أضف تقييـم