السبت 2025/6/14 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 46.95 مئويـة
نيوز بار
صِفة العِنَاد في الشخص مَذمُومة أم محمودة ؟
صِفة العِنَاد في الشخص مَذمُومة أم محمودة ؟
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ.م.د.عماد يوسف خورشيد
النـص :

بداية يفرض المنطق السليم التعرف على مُصطلح العِنَاد، ومن بعد ذلك، الخوض في تفاصيلهِ مع إعطاء نَماذج من الواقع له؛ ليكون الموضوع واضح المعالم أكثر.فمن خلال البحث في معاجم اللغة العربية؛ لاحظنا ان كلمة العناد تعني: مصدر عَانَدَ. كَثِيرُ الْعِنَادِ: كَثِيرُ الْخِلاَفِ، اللِّجَاجِ.( الحق أبلج والباطل لجلج). إضطراب وظيفيّ عقليّ يتميّز بإنحصاره في موضوعٍ واحد. عنَدَ عن يَعنُد ويَعنِد، عُنُودًا وعَنْدًا، فهو عاند والجمع: عُنَّدٌ، وعَنَدَةٌ وهو عَنُودٌ، وعَنِيدٌ والجمع: عُنُدٌ. عَنَدَ الرَّجُلُ: خَالَفَ الْحَقَّ وَهُوَ عَارِفٌ بِهِ. عَنَدَ الرَّجُلُ: خَالَفَ الْحَقَّ وَهُوَ عَارِفٌ بِهِ. ( المعاني الجامع). والعِنَاد في الاصطلاح يعني: المُنازعة في المسألة يصل الى درجة عدم الاعتراف بكثير من ثوابت الدين والقيم الانسانية والقانون، والضوابط التي تنظم سلوك الانسان.( مصطفى محمد نجدت، اثار العناد ومفهومه في القران الكريم، مجلة كلية العلوم الاسلامية، ملحق العدد 71، ايلول 2022، ص 235). وان اللغة العربية هي مصدر القرآن الكريم من حيث انها الوسيلة التي نزل بها، وبناءً على ذلك، وبالبحث عن كلمة العناد فيه، لاحظنا انه ذكر كلمة العناد في آيات كثيرة بشكل غير مباشر من القران الكريم وبصفة مذمومة، ومع ذلك جاءت كلمة العناد بشكل صريح في مواضع أربع بشكل صريح وهي: قال تعالى ( وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴿٥٩ هود﴾ ( وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)  ﴿15ابراهيم﴾ و( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) ﴿٢٤ ق﴾ و( كَلَّا ۖ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا ﴿١٦ المدثر﴾. ويُلاحظ ان هذه الأمكان الاربعة التي وردت فيها كلمة العِناَد جاءت بصفة مذمومة في الآيات أعلاه نذكر منها: المُعاند هو الجاحد، والعاصي للحق، والمتسلط، والمتعال عن قبول الحق متكبر، والخاسر، ولا يعترف بالحق وبكل ما جاءت به الشريعة من أحكام. وتجدر الإشارة الى ان صفة العِنَاد كانت حاضرة منذ القديم، ومتجسدة بحركة فكرية منتشرة قبل ظُهور الديانة المسيحية والشريعة الاسلامية، تحديدًا في اليونان خلال القرن السادس قبل الميلاد، وقبل مجيئ الفيلسوف سقراط. فقد كانت شائعة تحت مذهب الفكر السفسطائي والتي كانت تنقسم الى ثلاث فرق، إحداها الفرقة العنادية. والفكر السفسطائي قائم على إنكار حقائق الأشياء وزعموا أن كل شيء مبني على الوهم ولا توجد حقيقة ثابتة، وهم بذلك قاموا بنقل الفلسفة من المحسوس إلى الفكر والعقل. وفرع العِنَادِيّةُ كان يقوم على انهم :ينكرون حقائقَ الأشياء، ويزعُمون أَنَّها وهمٌ وخيالٌ باطل.( ويكيبيديا).  وبناءً على ما تقدم، فإن صفة العِنَاد هي صفة مَذمومة في الشريعة الاسلامية، واللغة العربية، والقيم الانسانية، والقانون. ولكن في مقابل ذلك، قد يتبادر تساؤلات في الذهن منها: ماذا يمكن ان نسمي موقف الشخص الذي يتعرض الى ضغط لِتغير الحقائق، أو يتعرض الى مضايقات إجتماعية أو في الوظيفة وهو يرفض تغير الحقيقة؟ أو الاخوة الذكور يرفضون إعطاء البنات من الميراث واحدهم يقول: ضرورة إعطاء الميراث للبنات والبنين كل حسب استحقاقه؟ تهديد الشاهد من قبل شخص في ان يقول ما لم يشاهدهُ، وهذا الاخير يرفض إلا ان يقول ما رآه؟ تهديد القاضي لتغيير الحقيقة وإظهار المتهم بريئًا، ويرفض القاضي ذلك؟ والامثلة كثيرة بالقياس على ما تقدم.وللإجابة على التساؤلات أعلاه نقو ل: ان الصفة التي يُطلق على الشخص في الامثلة أعلاه هو: الإصرار والثبات على الحق. قال تعالى في القرآن الكريم (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ سورة ابراهيم (27). فالحَقُّ في اللغة العربية مأخوذٌ من حقّ الشيء، إذا ثبت ووجب ووقع بلا شك، وهو ضد الباطل. وكذلك يأتي بمعنى اليقين. وكذلك يأتي بمعنى الإحكام والتحقق. فلا يمكن ان نقول رجل عنود او يعاند؛ لان العِنَاد هو ضد الحَقّ وهو الجُحود والخُسران والعِصيان كما تبين.ومن صُور العِناد من الواقع: عدم إلتزام الشخص بحضر التجوال الذي تفرضه المؤسسات الحكومية لمدة محددة بسبب إنتشار مرض خطير، دون وجود سبب طارئ له، فهذا يعد عنادًا بإتجاه القانون. وكذلك عدم الالتزام بإشارة المرور لتنظيم السير عِنَاد. عدم دفع فاتورة الماء والكهرباء، فهذا عِنَاد. عدم إلتزام الشخص بالزي الذي تفرضه المؤسسة الحكومية او الاهلية، كما في مهنة الطب، القضاء، المحاماة...الخ فهذا عناد للنظام العام. عدم القيام بالواجبات الوظيفية واستلامه الراتب فهذا عناد. اذية الناس عناد؛ لان الدين والقانون والعرف الصحيح يرفضون الاذية( لا ضرر ولا ضرار)، ومع ذلك يعاند على مخالفة كل الثوابت ويؤذي الناس. وقبل الختام يمكن إرجاع العناد الى إحدى الاسباب الاتية: 1- الجهل بنتائج الامور لعدم الخبرة وقلة التجارب في الحياة، وقصر النظر الى الحقائق.  2- الشعور بالنقص لأسباب كثيرة فيلجئ الى العناد ودحض الكلام؛ يعارض من اجل المعارضة، لكي لا يظهر عيب جهله في الموضوع. 3- إستهزاء بعض الناس من الشخص يولد العناد. وضعف الإرادة واهتزاز الشخصية. والاستهزاء والسخرية لا يصدر الا من الجاهل. قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ سورة البقرة 67. فترك العناد يمنع نشوء معاندين في المجتمع ومشاكل إجتماعية وجرائم.  4- عدم تغير الوضع النفسي والاجتماعي، الخوف من التغير؛ لما فيه صعوبة أن يغير الإنسان ما إعتاد عليه من سلوك سيء، ولا يكون التغيير إلا إذا أراد الشخص النجاح في الحياة، وفهم قيم المجتمع وحقائق الامور. 5- كثرة توجيه الملامة للإنسان تجعله معاندًا، ولِذا يجب ان لا يلقي الوالدين اللوم كثيرًا على الاطفال في حال إرتكابهم الخطأ، وإستخدام التوجيه والنصح ليتعلموا صحيح القيم. حاصل الكلام، ان صفة العِنَاد مذمومة وغير مقبولة، لا في الاديان السماوية، ولا في القيم الانسانية العليا، ولا في القانون، ولا في العرف المستحسن من قبل الناس، فالعناد يقتل الشخص دون موت، أما رفض السلوك الخاطئ، وعدم الموافقة على إرتكاب ما يُخالف القيم الانسانية، والدين، والقانون؛ يُسمى الثبات. الثبات على الحق. وان ترك صفة العِنَاد هي إحدى خطوات تزكية النفس الانسانية من الشهوات الدونية، وصلاح النفوس، والتوجه نحو الخير. قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ). سورة المدثر 14.

 

المشـاهدات 461   تاريخ الإضافـة 11/06/2025   رقم المحتوى 63737
أضف تقييـم