الثلاثاء 2025/6/17 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 35.95 مئويـة
نيوز بار
الوضع القانوني للنزاع بين إيران وإسرائيل في ضوء قواعد القانون الدولي المعاصر
الوضع القانوني للنزاع بين إيران وإسرائيل في ضوء قواعد القانون الدولي المعاصر
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. سيف هادي عبد الله جاسم الزويني
النـص :

 

 

كلية الحقوق  ـ جامعة النهرين

 

مقدمة: يمثل النزاع القائم بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودولة إسرائيل إحدى أكثر حالات التوتر الإقليمي تعقيدًا في الشرق الأوسط، حيث يتسم بالصراع غير المباشر وتبادل التهديدات والأعمال العسكرية المحدودة عبر وكلاء أو أدوات سيبرانية. ويثير هذا النزاع عدة إشكالات قانونية في ضوء ميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي العام، خاصة فيما يتعلق بشرعية استخدام القوة، والتدخل غير المشروع، ومسؤولية الدولة عن الأفعال المنسوبة لوكلائها، وغيرها من المسائل ذات الصلة.

 

أولًا: الإطار القانوني لاستخدام القوة في العلاقات الدولية

 

ينص ميثاق الأمم المتحدة صراحة في المادة (2/4) على حظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي. وهذا الحظر يُعد من قواعد القانون الدولي الآمرة التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، ويشكل ركيزة أساسية في هيكل النظام القانوني الدولي المعاصر.

 

ميثاق الأمم المتحدة، المادة (2/4)

 

غير أن الميثاق أجاز استخدام القوة في حالتين فقط: أولاهما الدفاع المشروع عن النفس بموجب المادة (51) من الميثاق، وثانيتهما تدخل مجلس الأمن وفقًا للفصل السابع لردع تهديد أو خرق للسلم. بخلاف ذلك، فإن أي استخدام للقوة يُعد غير مشروع ويستوجب المسؤولية الدولية.

 

ميثاق الأمم المتحدة، المادة (51)

 

ثانيًا: توصيف العلاقة بين إيران وإسرائيل كنزاع مسلح غير معلن رغم عدم وجود حالة حرب رسمية بين الدولتين، إلا أن أعمالًا عدائية متكررة تقع بين الطرفين، منها هجمات جوية إسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا، وعمليات اغتيال لعلماء نوويين إيرانيين، فضلًا عن هجمات سيبرانية متبادلة. وتشير هذه الأعمال إلى وجود نزاع مسلح فعلي، حتى وإن لم يُعلن بشكل رسمي.تُعرّف اتفاقيات جنيف النزاع المسلح بأنه كل نزاع ينشب بين دولتين وتُستخدم فيه القوة المسلحة، بغض النظر عن إعلانه رسميًا من عدمه. ويعني ذلك أن الحالة بين إيران وإسرائيل، في ضوء الهجمات المستمرة، يمكن تصنيفها قانونًا ضمن النزاعات المسلحة الدولية غير المعلنة.

 

البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف 1977، المادة 1/4

 

ثالثًا: مدى مشروعية الهجمات السيبرانية والتصفيات الجسدية برزت الهجمات السيبرانية كأحد مظاهر هذا النزاع، حيث يُتهم كل طرف باختراق البنى التحتية الحيوية للطرف الآخر، مثل المنشآت النووية أو أنظمة المياه والكهرباء. ورغم غياب قاعدة صريحة في القانون الدولي التقليدي بشأن هذه النوعية من الهجمات، فإن “دليل تالين” الصادر عن مركز الناتو يعتبر أن الهجمات السيبرانية التي تُسبب أضرارًا مادية قد تُعد استخدامًا غير مشروع للقوة.أما بشأن الاغتيالات، كحادثة اغتيال العالم الإيراني فخري زاده، فإنها تُعد انتهاكًا صريحًا لمبدأ حماية الأشخاص المدنيين خارج أوقات القتال، ولا يمكن تبريرها إلا في إطار الدفاع المشروع المباشر والضروري، وهو ما لم يتحقق في هذه الحالات، ما يجعلها أعمالًا غير مشروعة وفقًا للقانون الدولي.

 

رابعاً: التهديد باستخدام القوة كمخالفة مستقلة

 

ينص ميثاق الأمم المتحدة ليس فقط على حظر استخدام القوة، بل كذلك على حظر التهديد بها. وقد تبنت محكمة العدل الدولية في قضية نيكاراغوا موقفًا مؤيدًا لذلك، عندما أكدت أن مجرد التهديد باستخدام القوة يمثل مخالفة للمادة (2/4) ما لم يكن مبررًا في إطار الدفاع المشروع.وقد اعتادت إيران وإسرائيل توجيه تهديدات متكررة باستخدام القوة في خطاباتهما الرسمية، سواء ضد المنشآت النووية أو المواقع العسكرية، وهو ما يُعد خرقًا صريحًا لالتزام الدول بحل النزاعات بالطرق السلمية وعدم اللجوء إلى التهديد العسكري.

 

خامسًا: المسؤولية الدولية عن أفعال الوكلاء

 

غالبًا ما تُنسب الأفعال العدائية في هذا النزاع إلى جهات غير حكومية، مثل جماعات فلسطينية مدعومة من إيران، أو وحدات إسرائيلية تعمل بسرية. لكن القانون الدولي لا يعفي الدولة من المسؤولية في حال كانت هذه الجهات تعمل بتوجيه أو تحت سيطرة الدولة، وفقًا لمشروع مواد المسؤولية الدولية لعام 2001.أن مجرد تقديم دعم مادي أو لوجستي لجماعات مسلحة تنفذ عمليات عسكرية قد يؤدي إلى إسناد المسؤولية الدولية للدولة الراعية، خصوصًا إذا تبيّن أن تلك العمليات تُنفّذ ضمن استراتيجية سياسية أو عسكرية مقصودة.

 

سادسًا: غياب الردع القانوني وفشل مجلس الأمن

 

رغم خطورة الأفعال المتبادلة بين الطرفين، إلا أن مجلس الأمن لم يتخذ إجراءات قانونية رادعة، بسبب الانقسامات السياسية وحق النقض الذي يُستخدم لحماية الحلفاء. ويُعد هذا الغياب إخفاقًا في تطبيق قواعد القانون الدولي، ويقوّض من مبدأ المساواة بين الدول في الالتزام بالقانون.هذا التقاعس في التفاعل مع النزاع القانوني بين إيران وإسرائيل يُعزز من ثقافة الإفلات من العقاب، ويُضعف من مصداقية النظام الدولي القائم على مبدأ الأمن الجماعي.

 

خاتمة وتوصيات

 

في ضوء ما تقدم، يتبيّن أن العلاقة بين إيران وإسرائيل تُشكّل نموذجًا معقدًا لانتهاكات القانون الدولي، سواء من حيث استخدام القوة أو التهديد بها، أو المسؤولية عن أفعال غير مباشرة، أو توظيف الوسائل السيبرانية خارج نطاق الشرعية القانونية. ويزداد الوضع تعقيدًا بسبب فشل المجتمع الدولي في فرض الالتزام بقواعد القانون.

 

توصيات:

 

1. ضرورة تطوير القانون الدولي ليشمل تنظيمًا واضحًا للهجمات السيبرانية وعمليات الوكلاء.

 

2. تعزيز أدوات المساءلة الدولية لضمان عدم الإفلات من العقاب.

 

3. دعوة الأطراف المتنازعة إلى احترام الالتزامات الدولية المتعلقة بالسلم والأمن.

 

4. إصلاح آلية عمل مجلس الأمن لضمان عدالة القانون على الجميع دون انتقائية.

المشـاهدات 31   تاريخ الإضافـة 16/06/2025   رقم المحتوى 63973
أضف تقييـم