النـص :
الرويبضة لغةً اسم مؤنث اللفظ وهو تصغير الرابضة، وأصل معنى الرابضة هو الذي يرعى الغنم، وقيل: هو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن طلبها كما قال ابن منظور في لسان العرب. وكلمة رويبضة جاءت في حديث النبي عليه الصلاة والسلام في حديث الفتن حينما قال: "سيأتي على الناس سنوات خداعات يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة" فالرسول عليه السلام بيَّن قبل أكثر من اربعة عشر قرناً انقلاب الأحوال، وتردى الأوضاع، وفساد الأمور في أخر الزمان، حيث يتصدر السفيه التافه الذي لا عقل له، ولا كياسة عنده، فيتكلم ويقرر في أمور وشؤون الناس، هذا معنى الرويبضة كما فسره النبي عليه الصلاة والسلام. وما صدر عن النبي عليه الصلاة والسلام في كلمات معدودة كتب فيه آلان دونو -وهو اكاديمي واستاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية- كتاب بعنوان: نظام التفاهة وهذا الكتاب مؤلف من 365 صفحة شرح فيه مؤلفه بالتفصيل ما تناوله النبي عليه الصلاة والسلام في كلمات معدودة. فنظام التفاهة حسب آلان دونو يتمثل في أن النظام السائد أدى إلى سيطرة التافهين على مواقع أساسية من الخريطة الاجتماعية، فيكفي لأن تنظر حولك كما يقول آلان دونو لترى هؤلاء التافهين قد اخترقوا عالم السياسة والإعلام والتعليم والفن. وهو واقع يصفه بتسيّد شريحة كاملة من التافهين والجاهلين وذوي البساطة الفكرية الذين لا يملكون المهارات ولا المواهب فيتحكمون في مختلف المفاصل والقطاعات في الدول والمجتمعات. هؤلاء التافهين الذين لا يملكون الكفاءات والمهارات بعد أن يستحوذوا على المناصب والمواقع يبحثون عن أشخاص تافهين مثلهم لتحصين مواقعهم. وعلى أساس هذا التخوف على المواقع تُبنى بالتدريج وبمرور الوقت شبكة من التافهين تحصن فيها كل نقطة بقية النقاط في الخريطة الاجتماعية، ومن ثم إسباغ التفاهة في كل شيء وفي مختلف المجالات من التربية إلى الاقتصاد كما يقول آلان دونو.والرويبضة التي عناها الرسول عليه الصلاة والسلام في حديثه والتي أشار إليها آلان دونو في كتابه نجدها للأسف واقع مشاهد خصوصاً في دولنا العربية حيث أن تعيين الأشخاص في المناصب والمواقع المهمة للأسف لا يعتمد على الكفاءة والمهارة والتدرج في أكثر الأحيان، ففي العراق مثلاً صار التعيين في المراكز والمواقع يكون على أساس المحاصصة الطائفية أو القومية أو الحزبية للأسف الشديد دون أدنى اعتبار للكفاءة أو المهارة أو الخبرة في تقلد المناصب والمواقع، لهذا تسيّد الرويبضات على مختلف القطاعات والمفاصل في الدولة وصاروا يتحكمون بأمر الناس وشؤونهم، والأمثلة كثيرة في ذلك فكم من تقلد منصب أو موقع وهو لا يملك أصلاً مؤهل علمي يتطلبه هذا الموقع أو المركز، فلا زال أصحاب الشهادات المزورة أو غير المعترف بها يجلسون على الكراسي في مواقع المسؤولية المختلفة. ولا يزال التافهين من سياسي الصدفة التي -عاثوا في البلد فساداً، فسرقوا ونهبوا الأموال العامة- يتصدرون المشهد السياسي ويتكلمون بل يتحكمون في أمور الناس ويتسلطون على رقابهم، مستغلين المليارات التي حصلوا عليها عن طريق السحت الحرام من أموال الشعب وقوته، مع وجود المطبلين لهم والمستفيدين منهم الذين اسبغوا على هؤلاء التافهين من السياسيين وصف زعماء وقادة!! وهم في حقيقتهم رويبضات كما وصفهم الرسول عليه الصلاة والسلام في حديثه ليس إلا، لذا صار زماننا بحق زمن الرويبضات!!
|