الثلاثاء 2025/9/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
نيوز بار
أبرياء الطلاق
أبرياء الطلاق
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب رياض الفرطوسي
النـص :

 

 

 

 

كتب هشام الذهبي عن ثمانية أطفال تخلّت عنهم أسرهم في يوم واحد، ثمانية وجوه صغيرة ألقيت على هامش الحياة بسبب خلافات متكررة تنتهي دوماً بكلمة واحدة: الطلاق. ما كتبه الذهبي هو صرخة إنسانية صادقة، لكنها تبقى مجرد محاولة فردية، إذ لا يمكن لفرد مهما بلغ من إخلاص أن يحمل عبء دولة كاملة أو يعالج جرحاً غائراً بحجم وطن. فهذه القضية ليست مسؤولية متطوعين ولا مبادرات خيرية، بل مسؤولية مؤسسات متخصصة وتشريعات عادلة وقوانين راسخة، لأنها في جوهرها أزمة قضاة ورجال دين وساسة قبل أن تكون أزمة أسر متصدعة.

 

النظام السياسي يُرى بوضوح في تفاصيل الحياة اليومية: في أطفال الشوارع، في أرامل الحرب، في صور الشباب المحفورة على الشواهد الحجرية في المقابر، في الأنين الصامت داخل البيوت بلا أفق ولا مستقبل، في كبار السن الذين يكدحون في أعمال شاقة بعدما أفنوا أعمارهم. النظام السياسي لا يُقاس بخطاباته واحتفالاته وطقوسه، بل بما يتركه من بؤسٍ ظاهر. يمكن معرفته من أطفال المزابل، ومن أسعار الخبز والدواء، ومن طعام الأطفال في حقائب المدارس، ومن مقاعد الصف المكسورة وزجاج النوافذ المهشم في الشتاء، ومن المراوح التي لا تعمل في الصيف، من المتسولين على الأرصفة، من القمامة التي تملأ الطرقات، ومن وجوه الناس في الصباح: كئيبة أم فرحة؟ هنا يكمن المعيار الحقيقي، بعيداً عن الشعارات.

 

الطلاق، في صورته المتكررة، ليس إلا وجهاً من وجوه هذا الخراب العام. فرويد كان يقول إن معظم مشكلات الإنسان تنبع من غرائزه المكبوتة، والعراقي لم يتصالح مع جسده ولا مع رغباته، فقد طُمرت لغته وذاته ومشاعره تحت سلطات متعددة وانقاض لا تنتهي. الرغبات المشروعة لم تجد متنفساً، فغرقت في القيعان، وبعضها تعفن وعفن الجسد معه. الزواج لم يكن حلاً واعياً ولا عقداً ناضجاً بين شريكين، بل صار في كثير من الأحيان مخرجاً مؤقتاً لكبتٍ جنسي يتفجر سريعاً في خلافات تؤدي إلى طلاق. والضحايا هم الأطفال الذين يجيئون إلى هذا العالم بلا سند ولا حماية، ثم يُدفعون إلى الشوارع وإلى مصائر مجهولة.

 

المأساة أن ما يصفه الذهبي ليس حالة عابرة، بل هو تعبير عن خلل عام في بنية المجتمع، عن غياب التشريع الذي يجعل مصلحة الطفل فوق كل اعتبار، عن غياب مؤسسات تحميهم من الشارع ومن الاستغلال، عن غياب رؤية سياسية ترى في الإنسان قيمة قبل أن تراه رقماً انتخابياً أو أداة للدعاية. إن الأطفال ليسوا قضية عاطفية نُذرف لأجلها الدموع، بل هم المرآة التي تعكس فساد نظام كامل وعجزه عن حماية أبسط حقوق الكائن البشري.

 

الطلاق في العراق إذن ليس مجرد حدث عائلي، بل عرض من أعراض مرض أكبر: غياب العدالة، انكسار القيم، تفكك العقد الاجتماعي. وحين نرى طفلاً متسولاً أو مهمشاً أو متشرداً، فإننا لا نرى خطيئة أبويه فقط، بل نرى خطيئة الدولة والنظام برمته.

 

لن يكون الحل في بكاء فرد أو مبادرة محدودة، بل في إعادة بناء المنظومة كلها على أسس تحفظ كرامة الإنسان. حينها فقط يمكن أن يكبر الأطفال بلا خوف من أن يكونوا مشروع خسارة أخرى تضاف إلى سجل وطنٍ أثقلته الخيبات.

المشـاهدات 45   تاريخ الإضافـة 31/08/2025   رقم المحتوى 66207
أضف تقييـم