
![]() |
علياء المالكي ذات تتغنى بموضوعها |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
ناصر أبوعون (أنا شعرٌ ولستُ قصيدةً) ربّما هذه الشطرة في قصيدة علياء المالكي اختزلت الذات والموضوع، وإن كانت تبدو سهلة في منطوقها إلا أنها تنطوي على مخزون من الرؤى.. قادني شخصيًا إلى متاهة النص مغمض العينين، حيث اكتشفت كيف ترتكز الشاعرة على ضمير المتكلم؛ لتحاور أناها المتعالية، وتصنع سياجًا شائكًا حول عرينها المدجج بالقيم الأخلاقية والضمير هُنا لا يعودُ إلى شخصيّة تاريخيّة عراقية يمكن استدعاؤها في ذهنية المتلقي، بقدر ما يعود إلى الشاعرة الذي تلبستْ الشخصيّة. لكن لاحظنا ونلاحظ حدوث عمليةَ من التماهي والذوبان لأنا الشاعرة في أنا الشخصيّة التاريخية – أيًّا كان اسمها، وربّما تلك الشخصية التاريخية هي العراق الشامخ رغم جروحه الكِثار- والحاضرة من خلال (القناع)، ثمّ حدث اختراق في البيتين الأخيرين من المقطع الأول؛ حيث حضرت أنا علياء المالكي وتوارت في الظلال أنا الشخصيّة التاريخية.. فلتقرأ معي هذا المدخل: [قريبًا سوفَ تنمو في مداري/نجومٌ تملأُ الدنيا حروفا- بلا عزفٍ سألقي أغنياتي/ فينزفُ جرح أزهاري قطوفا- أنا وجعُ البكاء وحين أبكي/يعانقني..فكم يبدو ضعيفا- ويبقى قرب أحزاني أسيرًا/ يهدهدني.. يقاسمني الظروفا- أنا شعرٌ ولستُ قصيدةً كي/ تزيحوها بحرفٍ إنْ أضيفا- وتعطوها ملامحَكم لتبدو/بلا شكلٍ.. فترسمُه نزيفا- وتهدوها سواراً من شكوكٍ/ لتبقى قربكم حرفاً عطيفا] لكن الملفت للنظر أن نكتشف عملية تناوبية بين (السرد) و(الحوار) بشقيه: المنولوج الخفي، والديالوج الصادح لدى الشاعرة في البنية التشكيلية للقصيدة من خلال تنويع الإيقاع الداخلي، فالقصيدة تبدأ بمدخل سرديّ، بإيقاع بطيء يتصاعد تدريجيا ليمهد لعملية الانفجار الشعري في المقطع الثالث، ومن ثَمّ سنلحظ علياء المالكي تتنقل بأريحية بين موقفين؛ الأول حيث ذوبانها واتحادها مع الشخصيّة التاريخية والثاني الانفصال عنها، وإن كانت تشي لنا بتفضيلها حالةَ الانفصال اعتدادًا بكبريائها، من خلال تنويعها في أساليب الخطاب فنراها تُصوِّر (الحرية شخصا تخاطبه) وتارةً تتقمص موقف المتحدّثة إلى شخصيّة (الحرية) من خلال ضمير المخاطب، أو تتحدّث عن الحرية موظفة ضمير الغائب، وقد تعود إلى الحديث من خلالها باستخدام ضمير المتكلم..[أيا رجلاً يمارسُ شكهُ لا/ تكنْ ضدي عدوًا.. كن حليفا - برغم أنوف أحزاني وصبرًا/ على صبري تحملتُ الألوفا - ولم أندم على نصٍ كهذا/ يقرّبُ وجهتي نظراً حصيفا- كفى بالشعر بوصلةً لأمضي/ وإن جارتْ بيَ الدنيا صروفا] ثم نلاحظ الإيقاع في موقف آخر من القصيدة يعود إلى سكونه وهدوئه واستقراره عندما تعود هيمنة السرد مرة ثانية بالأسلوب الحكائي نفسه لتقدم لنا مزيدًا من التفاصيل والجزئيات في تصوير الحالة الشعرية، وقد تسهم القافية المنتهية بصوت الألف في إشاعة قدر أكبر من السكينة والهدوء والاسترخاء. غير أن الإيقاع ما يلبث أن يتسارع بفعل انتقال القصيدة من جمل حوارية منتقاة، تظهر تكثيفًا لغويًا عاليًا حتى تقترب في تشكيل كليشهات أو بقع ضوئية من شعر الحكمة في تراثنا الشعري القديم.. [سأسعى في مُجاراتي لعلّي/ أداوي باللظى قلبًا شغوفا- ولا أشكو إلى أحدٍ عنائي/ ولا زمني الذي يعدو كفيفا- وأقماري التي غابت بليلٍ/ وأدري أنها تخشى خسوفا- أمنّي النفسَ كي تبني وصالاً / وما زال النوى قدرًا رديفا- برغم النزف هذا أحتويني/ وعند الدمعِ أُهديني كفوفا- أقدّر وضعَ من يقصي وجودي/ ولا أرضى لأشعاري عزوفا- فلا تخشوا على همسي فإني/ بهمسٍ قد تجاوزتُ الصفوفا]. وأخيرًا يمكننا القول: إن الشاعرة علياء المالكي استطاعت توظيف الحالة الذاتية شعريًا لتكون دالة على الموضوعيّة كما إن الموضوعية كانت تشير بأصبعها على الذاتية المختبئة خلف الأنا وصولا إلى بناء قصيدة تمتزج فيها الذات الشاعرة بالموضوع ويقف التعبير والإحساس على مسافة واحدة، وتوظيف اللغة والصورة والإيقاع في عملية إبداعية تنتقل بالقصيدة من غنائية الذات إلى غنائية التعبير لنكتشف في نهاية المطاف أن الذات تتغنى بموضوعها. |
المشـاهدات 156 تاريخ الإضافـة 14/09/2025 رقم المحتوى 66630 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |