
![]() |
توازنات ما قبل الانتخابات... بين طموح المالكي وهدوء السوداني |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
في مشهد سياسي شديد التعقيد، تتجه الأنظار داخل العراق نحو سباق مبكر داخل البيت الشيعي، تتقدمه شخصيتان محوريتان: رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.هذه المنافسة لا يمكن وصفها بأنها صراع شخصي بقدر ما هي إعادة رسمٍ لخريطة النفوذ داخل الإطار التنسيقي الذي يقود الأغلبية الشيعية في البرلمان، مع اقتراب البلاد من استحقاق انتخابي جديد يتوقع أن يكون الأكثر سخونة منذ عام 2003.نوري المالكي، الذي خبر دهاليز الحكم والسياسة، يحاول استعادة موقعه القيادي، مستنداً إلى إرث سياسي طويل، وتنظيم حزبي راسخ يرى في "دولة القانون" مشروع الدولة القوية، القادرة على فرض الانضباط والهيبة.في المقابل، يسير محمد شياع السوداني بخطى محسوبة، معتمداً على نهجٍ أكثر هدوءاً وواقعية، مركزاً على الأداء الخدمي والإنجاز الحكومي، ومحاولاً تقديم نفسه كوجه توافقي قادر على تحقيق التوازن بين القوى الداخلية والشركاء الإقليميين.لكن جوهر المعركة لا يقف عند حدود الإطار الشيعي، إذ يراقب المكونان السني والكردي هذا التنافس بترقب وحذر، مدركَين أن التفاهم مع الطرف الغالب داخلياً سيحدد موقعهما في الحكومة المقبلة.السنة – الذين خاضوا تجارب متعددة في الشراكة السياسية – يميلون إلى السوداني الذي أظهر مرونة في ملفات الإعمار وعودة النازحين والعلاقات مع المحافظات المحررة.في المقابل، يحتفظ المالكي بعلاقات متينة مع بعض القيادات السنية التقليدية، لكنها مشوبة بذاكرة سياسية مثقلة من حقب سابقة ما زالت تُستحضر عند الحديث عن إدارة الدولة وملفات الأمن والعدالة.أما المكون الكردي، فهو الأكثر براغماتية في قراءة المشهد. فالحزب الديمقراطي الكردستاني يفضل التعامل مع السوداني لاعتداله في ملف الموازنة والنفط، في حين يجد الاتحاد الوطني الكردستاني في المالكي شريكاً يمكن الوثوق به في الملفات السياسية والأمنية، لا سيما تلك المتعلقة بكركوك والمناطق المتنازع عليها.ومع ذلك، فإن الكرد في المجمل لا يربطون مصالحهم بالأشخاص بقدر ما يربطونها بالاتفاقات الموقعة على الورق، وهي القاعدة التي تحكم تحالفاتهم منذ أول حكومة بعد التغيير.وفي خلفية المشهد، يظل التيار الصدري – رغم انسحابه من العملية السياسية – حاضراً بثقله الجماهيري. فدعوة السيد مقتدى الصدر لأنصاره لتحديث بطاقاتهم الانتخابية، رغم مقاطعته المعلنة، أعادت إلى الواجهة تساؤلات حول نوايا التيار في المرحلة المقبلة.إلا أن عودته إلى السباق الانتخابي باتت شبه مستحيلة قانونياً بعد انتهاء مهلة تسجيل الكيانات، ما يعني أن تأثيره القادم سيكون من خارج البرلمان، من خلال أدوات الضغط الشعبي والرمزي التي لا يزال يمتلكها بقوة.التفاهمات بين المكونات الثلاثة تبقى الركيزة الأساسية لاستقرار أي حكومة عراقية قادمة. فالأغلبية العددية لم تكن يوماً كافية للحكم دون توافق، وهو ما يدركه المالكي والسوداني على حد سواء. لذلك، فإن الخطاب الذي يتجه نحو “الاستيعاب لا الإقصاء” يبدو اليوم أكثر قبولاً من أي وقت مضى، خصوصاً في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تتطلب تهدئة لا تصعيداً.إن ما يجري اليوم هو إعادة تموضع شاملة في المشهد السياسي العراقي، تتقاطع فيها الطموحات الشخصية مع حسابات الدولة والمكونات.المالكي يعتمد على خبرة التجربة وصلابة التنظيم، والسوداني على الاعتدال والهدوء والإنجاز الواقعي، فيما يقف السنة والكرد في موقع "المرجّح الحاسم" لأي معادلة قادمة.أما التيار الصدري، فيبقى الغائب الذي لا يمكن تجاهله، والقوة التي وإن انسحبت من الميدان، لا تزال تتحكم باتجاهات الريح.وفي النهاية، يبدو أن العراق مقبل على مرحلة اختبار جديدة لميزان القوة داخل الأغلبية، اختبار قد يحدد ليس فقط من يفوز بالانتخابات، بل من يمتلك القدرة على حفظ توازن الدولة وسط بحرٍ لا يهدأ من التحالفات المتبدلة. |
المشـاهدات 27 تاريخ الإضافـة 18/10/2025 رقم المحتوى 67462 |