حين يصير الضوء ملامسةً للروح
قراءة في ديوان "لا تلمس الضوء فقط غنِ" للشاعرة السورية فيروز مخول![]() |
| حين يصير الضوء ملامسةً للروح قراءة في ديوان "لا تلمس الضوء فقط غنِ" للشاعرة السورية فيروز مخول |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص :
وفاء داري كاتبة وباحثة من فلسطين في ديوانها الشعري "لا تلمس الضوء" (الصادر عام 2025 عن دار المصرية المغربية للنشر والتوزيع، ويقع في 146 صفحة)، تختار الشاعرة السورية المقيمة في السويد "فيروز مخول" عنوانًا يشي منذ الوهلة الأولى بحساسية لغوية ووجودية عالية. تكتب مخول قصائدها من تخوم الألم الإنساني والصفاء الجمالي، حيث تتداخل ثنائية الغربة والانتماء، ويغدو المنفى ليس مجرد مكان، بل حالة شعورية تتغلغل في نسيج اللغة. في هذا السياق، لا يُعدّ "الضوء" في العنوان مجرد استعارة للحياة أو الأمل، بل يتحوّل إلى كائن روحي هشّ، يتأرجح بين اللمس والانطفاء، بين الحضور العابر والغياب الممتد. إنها كتابة تنبع من وعي أنثويّ مشبع بالحنين والبحث، وتعيد تشكيل الذات في علاقتها الملتبسة بالعالم، عبر لغة شفيفة تُحسّ ولا تُمسّ. تكتب مخول بوعي شعريّ صافٍ، يجنح نحو اقتصاد اللغة وتكثيف الصورة، فتغدو الكلمة بذرةً للمعنى لا زخرفًا لفظيًا. كما جاء في مطلع الديوان(ص٥): "أنا التي تمشّط الليل بحروفها وتزرع الدمع سنابل في حقول الحنين… في هذا الإيقاع المتأمل البصري العميق تتجلّى لغة الشاعرة كنوعٍ من (فيزياء للروح)، لا تهتم بالحدث الخارجي بقدر ما تُعيد بناء الوجود من داخل اللغة. هنا يصبح الضوء مرادفًا للتجربة ذاتها، وتغدو الكتابة فعلًا تطهيريًا من الغربة - غربة المكان، وغربة المعنى، وغربة الأنثى التي تكتب لتستعيد صورتها الأولى الأسلوب الأدبي واللغوي يتّسم الأسلوب الشعري لدى فيروز مخول بالصفاء والهدوء الداخلي، وبنزعة تأملية تمزج البساطة التعبيرية بالعمق الرمزي. فهي تكتب بلغةٍ شفّافةٍ تتجنّب التزويق، لكنها في الوقت ذاته محمّلة بطاقة مجازية كثيفة تجعل الصورة تتجاوز ظاهرها الحسي إلى بُعدها الفلسفي والوجداني. تقوم بنية الأسلوب على الاقتصاد اللغوي والإيقاع الداخلي بدلاً من الوزن الخارجي، مما يمنح النص موسيقاه الخاصة المنبعثة من تناغم المفردات والصور. ما يجعل الديوان قريبًا من روح قصيدة النثر الحديثة، دون أن يفقد صوته العربيّ الأصيل. فكلّ نصّ في ديوان "لا تلمس الضوء" هو حوار بين الكلمة وظلّها، بين ما يُقال وما يُؤجَّل، بين الجرح بوصفه ذاكرة والجمال بوصفه خلاصًا. كما يظهر بوضوح اعتمادها على اللغة البصرية التي تخلق مشاهد متحركة تتداخل فيها عناصر الطبيعة لتكون رموزًا للحنين والمنفى والهوية. تميل الشاعرة إلى الانزياح الدلالي الهادئ، فتمنح الكلمات أبعادًا جديدة دون أن تفقد وضوحها، وتحوّل التجربة الشخصية إلى تجربة كونية تعانق الإنسان في غربته الوجودية. إنّها لغة تتنفس من داخل المعنى، وتحوّل الصمت إلى موسيقى، والوجع إلى جمال خالص. كذلك يعتمد الديوان على هندسة لغوية هادئة تخلو من التكلّف، لكنها مشحونة بطاقة مجازية كثيفة، تتناوب فيها عناصر الطبيعة (الضوء، البحر، الزيتون، المطر) لتعبّر عن التجذر في الذاكرة السورية الممزوجة بوعي المنفى. لتعبّر عن التجذر في الذاكرة السورية الممزوجة بوعي المنفى. وتبدو القصيدة عندها سيرةَ ذاتٍ منفيةٍ تبحث عن بيتٍ لغويٍّ بديل، كما في قولها : "كتبتُه وأنا أحمل على كتفيّ صخرة الغربة،وفي قلبي ظلّ بيتٍ لم أعد أعرف موقعه…" يتجلّى الديوان كرحلةٍ في استعادة الوجود عبر فتنة الجمال؛ فالشاعرة لا تكتب عن الوطن بوصفه جغرافيا، بل بوصفه أثَرًا داخليًا يعيش في الذاكرة واللغة معًا. ومن هنا تتبدّى قصائدها ككائنات ضوئية دقيقة، تسعى إلى الإمساك بالجوهر من خلال الهامش، وتعيد ترتيب الفوضى في نسقٍ من الصمت اللامع. كما جاء في قصيدة (آلام صمتي) تقول مخول كما يَرِد (ص٧) من الديوان: "في مهدِ شجرةِ الزيتونِ وأوراقِ التينِ المسافرةِ معَ عنادلِ الصباحِ غرّدتْ طيورُ حقولي بألوانِ الربيعِ…" هذا المقطع يعبّر بصفاء بالغ عن الارتباط بالأرض والذاكرة السورية، وعن تمازج الطبيعة بالحنين والهوية. الروح الأنثوية في ديوان "لا تلمس الضوء يتبدّى في ديوانها مخول حضورٌ طاغٍ للروح الأنثوية التي تكتب العالم من موقع التأمل لا التمرد، ومن عمق الوعي لا من سطح الانفعال. فقد نجحت فيروز مخول في أن تجعل من الأنوثة جمالًا معرفيًا يضيء اللغة من الداخل، لا شعارًا خارجيًا أو بُعدًا خطابياً. وتظهر هذه النزعة النسوية الراقية في اشتقاق عناوين القصائد ذاتها: “أنثى الغياب”, “امرأة تسكن النافذة”, “امرأة تمشي على الضوء”, “جناح أنثى” - وهي عناوين لا تُعلن عن الأنوثة، بل تُجسّدها كحالة لغوية ووجودية تبحث عن توازنها بين الغياب والحضور. إنّ فيروز لا تكتب المرأة بوصفها موضوعًا، بل بوصفها كائنًا شعريًا مفكّرًا يرى في اللغة امتدادًا لجسده الروحي. لذلك تأتي صورها رقيقة دون ضعف، ومكثفة دون غموض، كأنها تمارس كتابةً شفيفة تفتح للأنثى فضاءً من النور الداخلي، حيث يتحوّل الجمال إلى معرفة، والمعرفة إلى خلاصٍ شعريٍّ ناعم الحضور. وإذا كانت الروح الأنثوية تشكّل النبرة الأعمق في نسيج الديوان، فإن المعمار اللغوي الذي شيّدته الشاعرة لا يقل حضورًا؛ إذ يأتي مشغولًا بعناية، يتكئ على المجاز لا على الزخرف، ويستدعي الطبيعة بوصفها ذاكرة حسية وجمالية معًا. كما جاء في قصيدتها "أنثى الغياب" (ص124): "أنا أنثى الغياب أفتّش عن ظلّي في مرايا المسافات وأجمع وجهي من فتات الذاكرة…" في النهاية، يُمكن القول إنّ الشاعرة فيروز مخول في هذا العمل تحوّل الغربة إلى كتابة، والمنفى إلى موسيقى داخلية، وتُعيد للضوء معناه الوجودي بوصفه لمسًا للروح، لا للعين. فديوانها ليس مجرّد بوحٍ أنثويٍّ أو حنينٍ وطنيٍّ، بل تجربة تأملية في معنى الانتماء الإنساني، حيث تتوهّج القصيدة في أفق فلسفيّ رقيق، يجمع بين صفاء النور وعتمة الذاكرة. |
| المشـاهدات 18 تاريخ الإضافـة 25/10/2025 رقم المحتوى 67635 |
أخبار مشـابهة![]() |
الاوبرا العربية «عنتر وعبلة» في " ابو ظبي " |
![]() |
كيم كارداشيان تعيش قصة حب جديدة في السر
|
![]() |
مركز افرست يحتفي بالدكتور احمد عبد المجيد صحفيا بارزا وكاتبا مؤثرا واثرا عراقيا لا يتجاوز |
![]() |
تصرف مفاجئ في توقيت حساس.. هل بدأ صلاح حربه ضد ليفربول؟
|
![]() |
اصدرت 3123 قرارًا جديدًا للمفصولين السياسيين الموظفين وغير الموظفين
الامانة العامة لمجلس الوزراء تنفي فرض نظام جباية على المواطنين |
توقيـت بغداد









