مروان ياسين الدليمي

1

كان الصباح مائلا مثل مرآة صدئة

رأيت وجهي ينسحب من زجاج النافذة

يترك خلفه ظلّا آخر

ينظر إليّ بشفقةٍ باردة.

الكرسي الخشبيّ الذي طالما نجا من الغبار

صار يتثاءب كعجوزٍ يتهجّى ذاكرته.

حتى رائحة القهوة

تبدو خجلى

تسألني إن كنت ما زلت أحتاجها

لأصدّق أن النهار بدأ.

ثمة شيء يهمس في الهواء

شيء يشبه وداعا غير معلن

كأنّ الشباب

بخفّةِ قطةٍ تعرف طريقها دون أن تلتفت

قد قفز من النافذة

وسار على الحصى دون أثر.

في تلك اللحظة

لم أصرخ

لم أمدّ يدي إلى الفراغ

بل اكتفيت بإغلاق الساعة

كي لا أسمعها وهي تبتسم

بأسنانٍ من وقتٍ فائض.

2

في المساء،

حين تهبط الظلال كحبرٍ متعبٍ على جدار الذاكرة

أسمع الأصوات التي نسيتها تعود

في هيئة مفاتيح صدئة

تجسّ الباب ولا تفتحه.

كلّ شيء من حولي يتذكّرني بطريقةٍ لا أفهمها:

المصباح الذي يحني رأسه نادمًا

الكتب التي تتنفس الغبار كما لو أنه صلاة

الصور التي تغلق عيونها كي لا ترى ما صرتُ إليه.

ثمة موسيقى خافتة تأتي من مكانٍ مجهول

ربما من نَفَسِ شجرةٍ عجوزٍ

أو من قلبِ نافذةٍ ما تزال تتعلّق بحلم الصيف.

أحاول أن أتبسّم

لكن فمي يتلعثم بين الماضي والماضي.

تحت جلدي،

تتحرك أعوامٌ كاملة كأسرابِ سمكٍ ميتٍ

تلمع لحظةً ثم تختفي.

أما أنا،

فأقف على شاطئٍ من صورٍ باهتة

أحدّق في أمواجٍ من ضحكاتٍ قديمة

تعود لتتكسّر على كتفيّ.

3

الآن،

أعرف أن المرآة ليست سوى بابٍ آخر

يُفضي إلى غيابٍ يبتسم مثل نادلٍ يعرف النهاية.

أضع نظارتي على الطاولة

فتتثاءب العدستان كعيني سمكةٍ في سوقٍ قديم

تحلمان بماءٍ مضى.

الليل يجلس قبالتي

يعدّ أنفاسي كما لو كانت عملاتٍ مفقودة

ويضحك حين أخطئ في العدّ.

كم نحن ساخرون

نكتب أسماءنا على البخار

ونتوقع أن يبقى الأثر.

أسمع في الخارج طفلاً يركض

كأنّ الزمن بدأ من جديد من دوني.

ربما هذا هو الشباب:

ذلك الشيء الذي يواصل الجري

حتى بعد أن نتوقف.

وفي الداخل،

تجلس الذكرى على كرسييّ الخالي

تضع ساقاً على ساقٍ

وتشرب نسياني ببطءٍ متأنٍ

كما لو أنها تحتسي بقايا حياةٍ

كانت تخصّ شخصاً يشبهني.