الخميس 2025/11/13 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 11.95 مئويـة
نيوز بار
كرسي الحصانة البرلمانية
كرسي الحصانة البرلمانية
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب رياض الفرطوسي
النـص :

 

 

منذ أن وُلدت التجربة البرلمانية في العراق بعد عام 2003، ظلّ كرسيّ الحصانة حلماً يراود الطامحين إلى السلطة أكثر مما يستهوي الحريصين على الخدمة العامة. فالمقعد الذي يفترض أن يكون جسراً بين الناس والدولة، تحوّل عند كثيرين إلى حصنٍ شخصي، يدرأ المساءلة أكثر مما يصون المبدأ. ومع مرور السنوات، بدا أن هذا الكرسي لا يُختبر بقيمته القانونية، بل بما يفعله الجالس عليه من أثرٍ أو خذلان.

 

الحصانة، في معناها الدستوري، خُلقت لتمنح النائب حرية الكلمة وتكفل له الجرأة في مواجهة الفساد أو التجاوز، لا لتكون جداراً يحول بينه وبين العدالة. لكن حين اختُزلت الفكرة في حماية الأشخاص بدل حماية المواقف، ضعفت ثقة الشارع بممثليه، وتحوّلت جلسات البرلمان إلى مسرحٍ للتجاذب لا ورشةٍ للبناء.

 

اليوم، والعراق يعيش مرحلة مختلفة من التصحيح وإعادة ترتيب الأولويات، تبدو الحاجة ماسة إلى برلمانٍ يُعيد الاعتبار لدوره الحقيقي. برلمانٍ يُفهم فيه الكرسي لا بوصفه امتيازاً، بل مسؤوليةً تُحاسَب بقدرها. مرحلة يسعى فيها الأداء العام إلى أن يوازي حجم التحديات، وأن تكون العلاقة بين الحكومة والبرلمان قائمة على الشراكة لا الخصومة، وعلى الفعل لا الشعارات.

 

المرحلة الراهنة تضع الجميع أمام اختبار الوعي: هل يستطيع النائب أن يرتفع فوق الحسابات الضيقة ليكون صوت وطنٍ لا لسان كتلة؟ وهل يمكن للحصانة أن تعود إلى معناها الأول: حصانة للحق لا لمُرتكبه؟

 

لقد بدأت ملامح عهدٍ جديد تتشكل؛ عهدٍ تُدار فيه الدولة بعقلٍ مؤسسي، وتُقدَّم فيه مصلحة المواطن على صخب المصالح. عهدٌ يُعيد هيبة البرلمان بالتكامل مع مشروع إصلاحي يزرع الثقة من جديد، ويؤمن بأن البناء لا يتم بالصدام بل بالتوازن، ولا يُصان بالحصانة بل بالمسؤولية.

 

الكرسي البرلماني، إن لم يكن وسيلة لخدمة المواطن، يصبح عبئاً على صاحبه. والحصانة، إن لم تكن لحماية الصدق، تتحوّل إلى قيدٍ يمنع الإصلاح. وما أحوج العراق اليوم إلى من يفهم أن القوة لا تأتي من المنصب، بل من الصدق في استخدامه، ومن الولاء الصامت للوطن لا للضجيج حوله.

المشـاهدات 53   تاريخ الإضافـة 12/11/2025   رقم المحتوى 68186
أضف تقييـم