| النـص :
في كل موسم انتخابي، يتجدد السؤال الموجع: كم من الأصوات وُضِعت في الصناديق، لا عن معرفةٍ بمرشحٍ أو اقتناعٍ ببرنامج، بل عن تبعيةٍ، أو خوفٍ، أو وهمٍ، أو صدفةٍ؟ولعلّ هذه المفارقة هي التي تكشف سرّ العجز المزمن في ترسيخ الديمقراطية بوصفها ثقافة وسلوكًا، لا مجرّد صندوقٍ يُفتح كل بضع سنوات.١. الصوت بلا وعي.. اختيار بلا مسؤولية حين يتحول التصويت إلى عادةٍ ميكانيكية، أو مجاملةٍ عشائرية، أو صفقةٍ مصلحية، يفرغ من محتواه الأخلاقي والسياسي.فالصوت الذي يُمنح بلا وعي، يُسهم في إنتاج سلطةٍ بلا رؤية، ومجتمعٍ بلا بوصلة.إنّ الديمقراطية تبدأ من لحظة الوعي بأنّ ورقة الاقتراع ليست ترفًا سياسيًا، بل شهادة مسؤولية أمام الله والوطن.٢. أمية الديمقراطية: حين يجهل الشعب معنى صوته الأمية هنا ليست أمية القراءة والكتابة، بل أمية الوعي السياسي. هي الجهل بآلية الحكم، وبحقوق المواطن، وبقيمة المشاركة. إنّ أنظمة الاستبداد حين انهارت سياسيًا، تركت خلفها شعوبًا لم تتعلم بعد كيف تُفكّر ديمقراطيًا، فاستبدل الناس الطاغية بالحزب، والزعيم بالرمز، والعقل بالانفعال. ٣. ثقافة القطيع وتغوّل الإعلام الدعائي يلعب الإعلام — في شكله الموجَّه — دورًا خطيرًا في تغذية الانقياد الجمعي. فبدل أن يكون منبرًا للتنوير، صار أداةً للتعمية، تصنع رأيًا عامًا لا يُفكّر، بل يُقلّد. تُبث الخطابات المكرورة، وتُعاد الوجوه نفسها، حتى يظن الناس أنّ لا بديل سوى ما يُعرض أمامهم. وهكذا تنشأ ديمقراطية مشهدية، تُشبه المسرح أكثر من الواقع. ٤. مسؤولية النخب والمثقفين إنّ المثقف الذي يصمت أمام هذه الأمية، شريكٌ فيها. النخب التي تركت الشارع في فراغٍ معرفي، هي ذاتها التي تشتكي اليوم من سطحية اختياراته. فالديمقراطية لا تُفرض بقرار، بل تُربّى بالتربية، وتُغرس بالتوعية، وتُحرس بالمساءلة.على النخب أن تعيد تعريف السياسة بوصفها خدمةً عامة لا تجارةً خاصة. ٥. نحو وعيٍ انتخابي جديد إنّ الديمقراطية في جوهرها فعل وعيٍ لا فعل عدد. وما لم يُربَّ المواطن على أن صوته يُمكن أن يُصلح أو يُفسد، فلن تُثمر التجارب الانتخابية سوى إعادة إنتاج ذات العجز القديم. حين يتحول التصويت إلى اختيارٍ عن فهمٍ وإيمانٍ ومسؤولية، فقط عندها نستطيع أن نقول إنّنا بدأنا نخرج من أمية الديمقراطية إلى وعي المواطنة.
|