الأحد 2025/11/16 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
ضباب
بغداد 13.95 مئويـة
نيوز بار
جوخة الحارثي رؤى في التحضر
جوخة الحارثي رؤى في التحضر
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

WhatsApp Image 2025-08-28 at 21.36.45_48b65e5b WhatsApp Image 2025-08-28 at 21.40.32_7071fe95 content

 

اسماعيل ابراهيم عبد

 

في بدء مشوارنا الخاص بتقصي خطى الروائية العمانية جوخة الحارثي بودنا الاشارة الى قضيتين؛ هما ، ان متابعتنا محددة ـ حصرا ـ بروايتها ـ سيدات القمر"[1]" ، والقضية الثانية ، اننا نتابع الرواية بنسختها العربية ، كون الرواية ترجمت الى اللغة الانكليزية. وعند الاستمرار في تقصينا لهذه الرواية فهمنا الآتي : ((ان الروائية صنعت من الرواية مجتمعا عمانيا يمتد لأكثر من خمسين سنة ، عمقا وعلاقات وتحولات حضارية)). ونرى انه من المؤكد وجود رؤى جاذبة لهذا التوازي بين التحول الاجتماعي والخبرة بالتراث الشعبي. لكن قضيتي أزليتين ظلتا تحركان رؤى الكشف والاستكشاف ، في الرواية ، هما الحب والتمرد. بينما القراءة التراثية ظلت بتماهيها الفني في حدود مساندة القيم الموروثة والقيم المرجوة للتحضر المستحدث.

ترى أية رؤى سنتبعها لفهم الرواية؟

اننا نرى بأن فهم تنامي التأويل ، والوعي بتحديث التراث الشعبي ؛ هما الطاقتان البارزتان المحركتان للنسج العام في الرواية.

سنبدأ بهما شرط ان نُتِمَّ عملنا بزواية نظر أخرى ؛ تبعد قليلاً عن قضيتي تنامي التأويل وتحديث التراث.

أولاً : تنامي العشق تنامي التأويل

يرد عند الصفحة 9 والصفحة 10 ما يوحي برؤى فلسفية للعشق تجمع بين العشق الصوفي للفرد ـ     لا الإله ـ والعشق في مصاغته الفنية الشاعرية. هذا ظلل الرؤى بخيط نور يضيء القلب والدالات عليه ، ويشحذ التأويل بطاقة تتنامى بفتنة فنية خاصة ، لعل اوضح صورها هي التجلي. لنتابع المشد(المقطع) الآتي: (حين رأت ميا علي بن خلف ... صعقت ميا في الحال . كان طويلا لدرجة لامس سحابة عجلى مرقت في السماء ، ونحيلا لدرجة ان ميا ارادت ان تسنده من الريح التي حملت السحابة بعيدا... قالت ميا مع نفسها" أحلف لك يا ربي إني لا أريد غير رؤيته ، بالعرق على جبينه ، (ويده على جذع النخلة!) ، بالتمرة في فمه.. وأحلف لك يا ربي سأصبر حتى شهر عنه ، هل ستدعني بعد الشهر أراه؟)"[2]".

أ ـ نمو العشق

المشد المدون هنا مقتطع من بداية الرواية ، سيكون بالنسبة للمتابعة بداية لنمو العشق الذي تدرج على النحو الآتي:                                                                                                       1ـ يبدأ العشق بالرؤية البصرية المباشرة اذا كأنها ترى ملاكاً كان بشرا من قبل.                                  2ـ يرتقي العشق درجة جديد عندما تتصوره البطلة (ميا) كائنا صاعقا للعاطفة والوجدان.                    3ـ ثم يتحول العشق الى معشوق لعاشقة في اسطورة لغيمة تحملها ريح، والريح تحمل المعشوق لتمد لها معشوقته يدا تسنده من التفتت في ذرارها ، تمنعه عن يصير بعيدا.                                            4ـ العاشقة تبرر لله ان عشقها ليس جسديا ولا حتى ماديا ، وهذه اولى الانتقال بالعشق نحو الوجد الصوفي .                                                                                                               5 ـ تهتدي المعشوقة الى موائمة بين الرغبة والرؤى المتحسبة للوجد أزلي كوني انساني بقولها" وأحلف لك يا ربي سأصبر حتى شهر عنه، هل ستدعني بعد الشهر أراه؟"؛ وهي هنا تعلن عن رؤى لنبوءة مضمرة ، تحددها بشهر.                                                                                 ب ـ تنامي التأويل

سأقوم بتتبع قوى التأويل بذات الآلية الخماسية للعنوان في الفقرة (أ). بمعنى ان خطى التأويل هي :   ـ الخطوة الاولى : نفهم بأن العاشقة تعشق بصمت موحى عنه برؤية بصرية ، كأن قولها لنفسها يجعلها انثى قصيدة مطلقة الجمال والفتنة.                                                                              ـ الخطوة الثانية : نفهم بأن القصيدة الأنثى ترى ان معشوقها سيكون عاشقا بذات الطريقة التي تخيلها وجدانها. أي سيكون معشوقها صورة لخيالها او يكون اطارا للقصيدة الانثى.                                ـ الخطوة الثالثة : تتضمن تحول المعشوق الى غيمة وريح وان العاشقة القصيدة ارض وانتماء مما يجعل المعشوق قدرا حتميا مثل حرف نحيف من حروف القصيدة الانثى.                               ـ الخطوة الرابعة : في هذا الانتماء الحتمي غرض دفين هو ان العاشقة ستمنح المعشوق كل انسانيتها ليتحول ثانية من معنى الى وجود جديد في معنى غير قابل على الزوال ، عبر القول"  أحلف لك يا ربي إني لا أريد غير رؤيته ، بالعرق على جبينه ، (ويده على جذع النخلة!) ، بالتمرة في فمه" وتأويل القول هذا ان المعشوق سيصير كائنا خالدا برغم من مظاهر مادية تكوينه؛ العرق والجبين واليد.                                                                                                           ـ الخطوة الخامسة : ستتضمن الهدف الأبعد للوجود وهو الحب بلا قيود عدا القيد الزمني. مثلما في:            " وأحلف لك يا ربي سأصبر حتى شهر عنه، هل ستدعني بعد الشهر أراه"                                ج ـ رؤى جامعة

عبر متابعة الفقرتين (أ) و(ب) بأن العشق يفيض بالتأويل وانهما يتوازيان بالتدرج والنمو من المرحلة الاولى حتى الخامسة. ويتضح أيضا انهما مقيدان بالمشد(المقطع) لذا صارا متشابهين متشابكين، وهو ما يدونني للقول ان: العشق هنا موضوعا والتأويل مسارا والتتابع رصدا لحال العشق عبر التأويل . اقصد ان نمو العشق حفز على نمو التأويل ، وان نمو التأويل حدد اتجاه المعنى العام للمشد الذي في نهاية الأمر ربما سيكون خطوة لا تخالف خطوات الروي القادمة بقدر ما تماسكها بتقديم مبهج فنيا على ما فيه من حزن تأويلي.  واظن المشد الآتي يبرر قولنا اعلاه" كان طويلا لدرجة لامس سحابة عجلى مرقت في السماء ، ونحيلا لدرجة ان ميا ارادت ان تسنده من الريح التي حملت السحابة بعيدا".

ثانيا : تمرد الأجيال

في الوجود الجيلي المحتمل ان يكون للام أثراً في كبح جماح التمرد وللأب أثر في انطلاقه ولهم معا دلالة التقاطع الجيلي يرسمه الجيل الجديد ، فيروي والد لندن قائلاً : (على كثرة أسفاري مازلت أفضل الجلوس بجانب النافذة ومراقبة المدن وهي تصغر تدريجيا حتى تتلاشى. قالت لندن: "تسافر كثيرا يا أبي". لم اقل لها اننا في الغربة نتعرف على انفسنا بشكل افضل كما في الحب... لندن ظل صمودها تحت سوط امها مثار افتتاني وألمي حتى كسرت السوط بنفسي وزوجتها منه. قالت لامها:"ما ادراك انت بالحب؟ منذ فتحت عينيك على الحياة لم تري غير ابي...." ميا ضحكت. ضحكت بعنف مخيف. ولم ترد عليها...

قبل اعوام قالت ميا :"الا ترى انك تبالغ في احترام والدك" فنهرتها) ـ رواية سيدات القمر ، ص27

لنقل شيئاً عن قيمة التمرد بالمنطق النفسي:

(التمرد يعني الخروج على القوانين المجتمعيّة وقوانين النظام العام، ويعني أيضا ، العصيان ورفض الطاعة .يعد وسيلة للتعبير عن الغضب المكبوت في نفس الإنسان، فتجعله يرفض أسلوب حياة معين أو يرفض الرأي الآخر، كما ويعتبر البعض التمرُّد بمثابة حالة نفسيّة يضطر من خلالها الفرد أن يخرج عن المألوف)"[3]".

ان المبادئ التي وُضِعَتْ لمنطق التمرد النفسي تقتضي ان نتبناها كونها تلائم متجهنا الفني في تقصي حيثيات التبصر والإبصار لزاوية النظر هذه ؛ تطبيقا على المشد المذكور آنفاً. وتحقيقاً لهذا سأفيد بالتقصي من (الخروج على النظام العام + عدم الطاعة + الخروج عن المألوف).                              أـ الخروج على النظام العام

ان النظام العام يجعل من الحب العاطفي او الاتصال الجسدي بين الرجل والمرأة محرما بلا عقد رسمي وزواج شرعي. واي كسر لهذا يعد خرقا؛ تمردا، على النظام العام. ومن أبسط درجات الفهم يخرج أعمق فعل للتمرد الذي يفجره الجيل الجديد بوجه الجيل القديم. ولهذا التمرد ـ حتما ـ مبررات نفسية مباشرة وغير مباشرة. وفي المشد السابق كان التمرد عبر جيل ما قبل ميا وجيل ميا وجيل لندن. فقد تمردت ميا على جيلها تمردا صامتا لأن الزمن الحضاري لم يحل بعد لثورة نفسية وروحية وجسدية متاحه لها. ثم ان ميا تمردت على نفسها بآلية صوفية مثل من يكتب قصيدة احتجاج. ثم يجيء جيل لندن ليتمرد على ما قبله فتكون لندن اشارة للتحضر الجديد الذي يصطدم بإشكاليتين؛ إشكالية عدم استكمال شروط التحضر ورفض القديم كليا ، واشكالية القيد العائلي الاجتماعي.

ب ـ عدم الطاعة

عدم الطاعة هو المظهر الثاني لتمرد ، وفي المشد السابق يتمثل بنمطين ؛ كسر سوط ميا ، وسخرية لندن من ميا وحبها ان كان ثمة عندها تجربة حب سابقة ـ بحسب فهم لندن.

لنتصور مباغي النص بطريقة سوء التأويل. ونظن ان هذا التأويل سيجرنا الى بعض المضمرات، نرى انها :

1ـ عدم انصياع الأب لسوط ميا على ابنتهما يبرره انها كبرت وستكرهه ان استسلم للقوانين العائلية التي وضعتها ميا واضطهدت بها لندن الطبيبة المتعلمة خريجة الجامعات البريطانية.                              2ـ في حال تمرد ميا على سخرية لندن له مبرر نفسي في غاية الحساسية كون ميا لها تجربة غنى تكاد تختصر تاريخ العشق العربي كله بحبها السابق لعلي بن خلف.                                                        3ـ رد فعل ميا عبر الضحك هو تعبير قاس للرعب الذي حكم على حبها بالموت الأبدي ، وبطبيعة الحال يمثل هذا الضحك تمردا على الرصانة والقوانين العائلية التي تقضي بان تكون الام هادئة وصابرة ومحتوية لتمرد ابنتها.

ج ـ الخروج على المألوف

وقد أتم هذا الخروج مظهره عبر ثلاثة انطقة سلوكية ، فقد/

ـ خرجت ميا عن مألوف السلوك العائلي ب قبل اعوام قالت ميا :"الا ترى انك تبالغ في احترام والدك".

ـ وخرج ابو لندن على مألوف رعايته لزوجته ميا بأن زوج لندن بمن تحب ، وخرج ثانية عن مألوف الازواج التجار الى نوع جديد من الازواج الحكماء الذواقين عبر" على كثرة أسفاري مازلت أفضل الجلوس بجانب النافذة .قالت لندن: "تسافر كثيرا يا أبي". لم أقل لها اننا في الغربة نتعرف على أنفسنا بشكل أفضل كما في الحب" فهو عمل على ذلك عبر وعيه الموازي لرغبات لندن.

ـ وخرجت لندن عن مألوف حياتها كليا بهجرها ـ حد القطيعة ـ لمنطق امها ميا.                           د ـ أبعد من التمرد

حالان بطنا المشد السابق المقتطع من الصفحة 27 للرواية، وهما قد رحلا بالمشد لقضيتين أبعد مضاء فكرا وفنا مما يظهر من السرد. انهما :

ـ مراقبة المدن وهي تصغر تدريجياً حتى تتلاشى : هذه المراقبة تعني ان ثمة تحولات كبيرة وعميقة على فكرة ابي مي عن طبيعة المدن ووظائفها سريعة التطور ، وتعني ايضا ان له وعي خاص بمستقبل المتعاملين والمهندسين للمدن تخطيطا وبناء وتراثا، ومن المحير ان الراوي ـ عين رؤية الراوية ـ لم يحدد أي مدن يقصد ، كما ان تلك المدن بقيت غير مسماة حتى نهاية الرواية ؛ هذا الرقيب عني كل مدينة في العالم بضمنها مسقط وعمان!.

ـ ميا لم ترد على لندن ، ابو لندن ينهر ميا : هنا صراع اجتماعي يتعلق بنوع وبيئة ونفسية الشخوص الثلاثة . انه ليس تمردا انما صراع أزلي بين من يهيمن على القرار في العائلة. ولن تتخلص منه اية لحظة في التاريخ

المشـاهدات 43   تاريخ الإضافـة 15/11/2025   رقم المحتوى 68305
أضف تقييـم