الثلاثاء 2025/12/9 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 15.95 مئويـة
نيوز بار
العزوف والمقاطعة في الانتخابات التشريعية لعام 2025
العزوف والمقاطعة في الانتخابات التشريعية لعام 2025
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب م.د علي سعدي عبدالزهرة
النـص :

 

 

كلية الحقوق- جامعة النهرين

جرت الانتخابات التشريعية لمجلس النواب في موعدها المقرر، وهي سادس انتخابات تشريعية بعد عام 2005، وفي كل دورة انتخابية تجري ظاهرة متكررة غير طبيعية بتعديل قانون الانتخابات وفق مقاييس الأحزاب السياسية الكبيرة، لكي تضمن بقائها في السلطة لاطول فترة ممكنة، وهذا ما حدث في انتخابات عام 2025 بعد أن تم تغيير القانون بطريقة (سانت ليغو) الذي يعيق قدرة الأحزاب الصغيرة والمستقلين من الفوز في مقاعد مجلس النواب، نتيجة لذلك لم تتمكن القوى المدنية والمستقلين من الفوز بأي مقعد انتخابي، بالمقابل ظلت الأحزاب السياسية التقليدية مهيمنة على نتائج الانتخابات، وظلت ظاهرة العزوف الانتخابي مستمرة بالرغم أن نسبة المشاركة تجاوزت (56%) مقارنة بالانتخابات التشريعية لعام 2021 التي بغلت (41%)، فأن نسبة العزوف كبيرة، وترجع إلى عدة أسباب أهمها تفشي الفساد المالي والإداري، فضلاً عن الإحباط الذي يشعر به المواطن العراقي، إذ يرى أن صوته يوظف لصالح طبقة سياسية تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب مصالح المجتمع وأفراده، كما يشعر عدد كبير من المواطنين العراقيين، بأن النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والأثنية وتقاسم المناصب السياسية بين المكونات قد فشل في تلبية تطلعاتهم الحالية والمستقبلية، بل أصبحوا على وعي تام بأن هذا النظام السياسي يخدم مصالح النخب الحاكمة ويحافظ عليها على حساب المصلحة العامة، كما ساد شعور عام لدى غالبية أفراد المجتمع، بأن المشاركة في الانتخابات لا جدوى منها، وأن نتائجها محسومة سلفاً لصالح نفس الأطراف التقليدية، وأن الصندوق لا يصنع فرقاً، الأمر الذي عزز من ظاهرة العزوف عن المشاركة السياسية.وإن ظاهرة العزوف رافقتها المقاطعة الانتخابية، فالمشاركة من وجهة نظر المقاطعون، يعني منح الشرعية لنظام فاشل، ويبرر المقاطعون بأن نتائج الانتخابات لا تعبر بالضرورة عن إرادة الناخبين، إذ إن تشكيل الحكومة يخضع في النهاية لتوافقات الكتل الكبرى، فضلاً عن تأثير القوى المسلحة غير الخاضعة للدولة، ويرون أن المقاطعة ليست انسحاباً من المشهد، بل فعل احتجاجي ورسالة واضحة مفادها أن الحل لا يكمن في العملية الانتخابية بل في تغيير قواعد اللعبة السياسية بالكامل وإعادة بناء النظام السياسي على أسس جديدة.وبالرغم أن نسبة المشاركة كانت مقبولة مقارنة بانتخابات عام 2021 التي كانت (41%)، إلا أن نسبة العزوف تتراوح بين(43%-44%) في انتخابات عام 2025، وهذا يعني أن نسبة كبيرة من المجتمع لا يؤمن بالعملية الانتخابية، وعند تحليل نتائج الانتخابات نجد أن نسبة المشاركة كانت مرتفقه في المحافظات(الشمالية-الغربية) مقارنة في المحافظات(الجنوبية-الوسط)، بمعنى أخر كانت نسبة المشاركة مرتفعة في محافظات (المكون السني) مقارنة بمحافظات (المكون الشيعي) هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن عدد الأصوات الباطلة بلغت (799,921) ألف صوت، هذا يعني أن نسبة (6,08%) من عدد المصوتين لم يصوتوا إلى أي جهة حزبية، كما أن نتائج الانتخابات لم تأت بجديد، إذ ظلت الأحزاب التقليدية هي المهيمنة على المشهد السياسي.وشهدت تلك الانتخابات من ضعف الأحزاب السياسية في برامجها الانتخابية، إذ تكمن مشكلة أغلبها في كونها برامج تقليدية ومكررة يتم رفعها في كل دورة انتخابية، بالإضافة إلى تشابه تلك البرامج بين الأحزاب، فضلاً عن افتقارها لآليات كيفية تنفيذها والمدد الزمنية المحددة لإنجاز كل ملف من الملفات في تلك البرنامج، لذلك تفتقر اغلب القوى السياسية لوجود مشروع سياسي واضح تحمله في متبنياتها الفكرية والسياسية ينسجم مع متطلبات المجتمع والمرحلة السياسية، لذلك لم تعد معظم القوى السياسية تهتم بوضع برامج انتخابية مكتوبة تشخص المشاكل وتقدم حلولاً واضحة، فضلاً عن انعدام الرؤية المستقبلية والاستراتيجية.وبرزت في تلك الانتخابات ظاهرة متكررة بالتصويت على أساس (الهوياتي)، أي تغليب الهوية الفرعية على حساب الهوية الوطنية، أي أن غياب الاخيرة جعل المواطن غير معني بالتصويت على أساس البرامج الانتخابية، وبدلاً من ذلك طغت الهويات الفرعية المحلية على اختيارات الناخبين، فأصبح التصويت يتم وفق الانتماء لا وفق البرنامج، فضلاً عن ذلك سيطرة الهويات الفرعية على الأحزاب السياسية، إذ تم  اعتماد الأحزاب على المكون أو القومية أو العشائرية في قواعدها الانتخابية أدى إلى تقويض المشروع الوطني الجامع، وأن غياب الهوية الوطنية وطغيان الهويات الفرعية يولد شعوراً لدى البعض بعدم جدوى الانتخابات.وبالتالي فأن الانتخابات التشريعية لعام 2025 انتجت بأعاده تدوير النخب التقليدية الحاكمة، وبالرغم من تصدر ائتلاف الاعمار والتنمية بزعامة رئيس الوزراء(محمد شياع السوداني) نتائج الانتخابات، إلا أنه لا يستطيع تشكيل حكومة –بمفرده- نتيجة عدم حصوله على الأغلبية، وهذا يعني أن التوافقية السياسية هي التي تتحكم في المشهد السياسي باختيار الكابينة الوزارية ومن يرأسها، وليس حسب نتائج الانتخابات، أي بمعنى آخر أن الحكومة تتشكل وفق إرادة القوى السياسية، وليس وفق إرادة الشعب التي هو مصدر السلطات، مما يعني افراغ العملية الانتخابية من محتواها الشرعي، وما هي إلا جسر يعبر بها القوى السياسية التقليدية إلى سدة الحكم بتفرعاتها التنفيذية.

المشـاهدات 45   تاريخ الإضافـة 09/12/2025   رقم المحتوى 68719
أضف تقييـم