عبد الرحيم الشويلي

في  شارع الكفاح  وفي محلة  (الفضل) البغدادية  الشعبية القديمة ، رشيد أبو سمره رجلًا نصفه ضحك ونصفه حكمة، عيناه تلمعان كالنهار بعد المطر، ويداه دائمًا مشغولتان بالحياة.

 يدخل المحلة كالريح، يحيّي الجميع بابتسامته  العريضة، يضحك بلا سبب،   يرقص مرة" و أحيانًا يغني أغانٍ قديمة بينما ينهمك  الباعة  في بيع بضاعتهم. لكل شيء عنده مناسبة، وكل لحظة هي احتفال، وكل خطوة فيها حكاية.

اقترب منه شاب مثقف، يراقبه بدهشة، وسأله: "كيف تعيش هكذا، بلا همّ، بلا غم بلا تفكير ؟"

ابتسم رشيد أبو سمره، وأدار فنجان القهوة في يده قائلاً:

"يا ولدي، الحياة قصيرة… امسكها بيدك، اضرب رقبتك فيها، اضحك، اغضب، عشها كلوحة تُرسم كل يوم، وافرح… ولا تنتظر إذن أحد!".ضحك الشاب، وفي عينيه بدأ يتشكل فهم غريب: هذا الرجل، بكل عبثه وفرحه وصراحته، كان شعلة لا تُطفأ في شارع الكفاح، يمسك بالمستحيل كما يمسك فنجان القهوة، يسخر من الحزن كما يسخر من الزمن نفسه، ويجعل من كل همسة، وضحكة، وخطوة صغيرة مشهدًا من كوميديا الحياة السوداء… كأن بغداد بأكملها تتحرك معه، ولا أحد يعرف إلى أين ستقوده الريح...!!.