حين يكون الحنين إلى رموز المسرح الماضي دافعا للإبداع الفني في تونس
![]() |
| حين يكون الحنين إلى رموز المسرح الماضي دافعا للإبداع الفني في تونس |
|
مسرح |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص :
روعة قاسم
تونس ـ «القدس العربي»: استذكر التونسيون خلال الأيام الماضية رحيل مسرحيين كبار افتقدتهم الساحة الفنية وتركوا بصمتهم في مجال الكوميديا على وجه الخصوص كنوع من الوفاء والحنين إلى الماضي والذكريات الجميلة. وقد تحدثت عن هؤلاء العمالقة الراحلون مقالات وبرامج عادت إلى سيرتهم ومسيرتهم وصنفتهم في خانة المؤسسين لمدارس فنية خاصة بهم يمكن أن تنهل منها الأجيال الجديدة من المسرحيين.كانت المسيرة الفنية والإبداعية لهؤلاء الممثلين والكتاب المسرحيين وكتاب المونولوج وغيرهم من المنتمين إلى مختلف أصناف الفنون في تونس، حافلة بالإنجازات واستثنائية إلى أبعد الحدود. فقد كان هؤلاء خير ممثلين للقيم الأصيلة والثابتة في مجتمعهم بعد أن دافعوا طويلاً عن شغفهم بالفن وتمسكوا به في أزمنة كان فيها التخصص في ميادينهم من المحرمات.
الحرفي المسرحي
ومن بين هؤلاء الفنانين الراحلين المتألقين في الأدوار الكوميدية، حمدة بن التيجاني الذي كان في بداياته حرفيا في الصناعات التقليدية في اختصاص»البلغة» وهي شبشب تونسي تقليدي صيفي يصنع من الجلد، وكانت له ورشته الخاصة لصناعة البلغة في سوق البلاغجية بمدينة تونس العتيقة. مثّل بن التيجاني مع عدة فرق مسرحية منذ عام 1962، قبل أن ينضم إلى فرقة مدينة تونس عام 1953 تحت إشراف الممثل والمخرج المصري المقيم في تونس زكي طُليمات الذي عيّنته بلدية تونس.مثّل حمدة بن التيجاني في عدة مسرحيات مع تلك الفرقة العريقة، وظلّ ينشط فيها حتى آخر حياته تحت إشراف حسن الزمرلي وعلي بن عياد والعديد من المخرجين الآخرين. لكن دور «الماريشال عمار» في المسرحية الكوميدية «الماريشال» المقتبسة من قصة «البرجوازي الجنتلمان» للكاتب المسرحي الفرنسي موليير، والتي أخرجها علي بن عياد عام 1967، هو الذي جعله مشهورا لدى الجمهور وذلك بعد أن تجولت المسرحية في جميع أنحاء الجمهورية.ولعل ما زاد من اكتشاف الجمهور أكثر لمسرحية الماريشال ولحمدة بن التيجاني هو بث التلفزيون التونسي لتسجيل لها عام 1976، وذلك بمناسبة الذكرى الرابعة لوفاة المسرحي علي بن عياد، فمنذ ذلك الحين، أُعيد بث المسرحية عشرات المرات وهو ما ساهم في شهرتها وشهرة أبطالها وعلى رأسهم حمدة بن التيجاني. كان «الماريشال عمار» الدور الكوميدي الوحيد لحمدة بن التيجاني في مسيرته الفنية، حيث لعب طيلة مسيرته المسرحية أدوارًا درامية وباللغة العربية الفصحى، وقد كرمه التلفزيون التونسي في حياته سنة 1983، قبل أشهر قليلة من وفاته.
محبوب الجماهير
كما تم الحديث أيضا بإطناب عن الفنان الهادي السملالي الذي كرس حياته للمسرح الذي مارسه منذ صغره وأبدع على ركحه حتى صار نجم النجوم في عصره ومحبوب الجماهير. فبعد أن مثل في العديد من الفرق المسرحية، انضم إلى فرقة مدينة تونس حيث شارك في حوالي أربعين مسرحية من إخراج كل من زكي طُليمات ومحمد العقربي وحسن الزمرلي وعلي بن عياد وعبد المجيد لكحل ومحمد كوكة. وقد عهد إليه هذا الأخير بدور يوليوس قيصر في المسرحية التي تحمل إسمه وهي آخر المسرحيات التي شارك فيها وكان ذلك في عام 1983.ورغم كل هذه الأدوار الركحية فإن الهادي السملالي عُرف أكثر في مجال الغناء الفكاهي وفي كتابة المونولوج. فقد سجل مع الفرقة الموسيقية للإذاعة الوطنية التونسية العديد من الأغاني والتمثيليات التي قاموا بتقديمها للجمهور في عديد الحفلات العامة والخاصة.جعلت روح الدعابة التي تميز الهادي السملالي، والتي كانت لاذعة أحيانًا، وكذا صوته اللطيف، الرجل محبوبًا من كل الجماهير بمختلف ألوانها. ومن بين أشهر أعمال الهادي السملالي أغنية «المترجم» التي لا تزال تحقق النجاح رغم مرور السنوات وتغير الأذواق. ومن بين أغانيه الفكاهية أيضا «عندي ولدي يا حُضار» بالعامية التونسية أي ما يعني بالفصحى «عندي إبني أيها الحاضرون» وهي لا تزال إلى اليوم من بين الأغاني الفكاهية الأكثر بثا في الإذاعة.كما أعاد الهادي السملالي تقديم أغان وتمثيليات غنائية للمغني التونسي الكوميدي صالح الخميسي. ومن أنجح هذه الأعمال «الراديو»، وهي محاكاة ساخرة لبرامج وأغان إذاعية. وقدم الهادي السملالي نسخته الأحدث من نسخة سلفه صالح الخميسي، من خلال صور كاريكاتورية لمنتجين إذاعيين ومغنين لم يتعرض لهم الخميسي، والغريب أن هذه الفقرة لم تُبثّ في الإذاعة الوطنية منذ عقود لسبب مجهول.
المسرح الإذاعي
تحدث البعض أيضا عن الممثل والكاتب المسرحي والصحافي والمنتج الإذاعي المنجي بن يعيش، الذي توفي في 3 آب /أغسطس 1982. ألّف بن يعيش مئات المسرحيات التي لم يُعرض بعضها، وأنتج في الإذاعة التونسية برنامجاً بين عامي 1950 و1960 بعنوان «قالّي وقتلك» بالعامية التونسية أي ما يقابلها بالفصحى «قال لي وقلت لك».كما كان له برنامج إذاعي أسبوعي بعنوان «سمعت ورأيت»، كان يُبثّ في منتصف الستينات، صباح كل ثلاثاء على الأرجح. كان لهذا البرنامج مستمعون أوفياء يتابعونه ويتفاعلون معه وكان صوت المذيع شجيا وهو يُحلّل سلوكيات غريبة شهدها المجتمع التونسي في ذلك الزمن. كان المنجي بن يعيش شديد التعلق بالحياة الاجتماعية وأنتج وقدم برنامجًا آخر من نوعية البرامج ذاتها، وكان أكثر نجاحا من سابقه. كان هذا البرنامج بعنوان: «قالوا وقلنا» وقدّم فيه رأيه الصريح في الأحداث والوقائع الجارية.
مراكز ثقافية
ولم يقف حنين التونسيين لرموزهم الفنية على استذكارهم والخوض في سيرهم إعلاميا بل أيضا من خلال إطلاق أسمائهم على عديد المراكز الثقافية. لوحظ ذلك في المهرجان الإقليمي لنوادي المسرح الذي نظمته مؤخرا بمدينة جندوبة الإدارة العامة للعمل الثقافي بالشراكة مع المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بجندوبة ومركز الفنون الدرامية والركحية بجندوبة.فقد تم مثلا إطلاق تسمية عمر السعيدي على فضاء المركب الثقافي بجندوبة الذي يحتضن فعاليات هذا المهرجان الإقليمي لنوادي المسرح. والسعيدي هو أستاذ جامعي ومؤرخ تونسي بارز في مجال التاريخ الإسلامي ويُعد من أبرز أعلام الحركة الثقافية والنضالية في جهة جندوبة وممن أرخوا لموروثها الثقافي والحضاري.أما دار الثقافة بمدينة نبر من ولاية الكاف فقد سميت باسم الفنانة التونسية أصيلة ولاية الكاف صليحة. وهي من المراجع في الفن وفي الذاكرة الفنية التونسية باعتبارها تركت تراثا غنائيا هاما تنهل منه أجيال من الفنانين حتى أن بعض أغانيها تحولت إلى معزوفات لأهم الفرق السيمفونية في العالم. ومن جهته حمل المركب الثقافي بمدينة بنزرت في أقصى شمال البلاد إسم الشيخ إدريس الذي يعد من أبرز أعلام جهة بنزرت. فقد وُلد بها سنة 1866 واعتبر من أبرز المصلحين التونسيين الذين تركوا أثرًا كبيرًا في المجال التربوي والثقافي في الجهة، حتى تم تخليد اسمه على عدد من الفضاءات التربوية والثقافية.كما تم إطلاق إسم حسيبة رشدي على دار الثقافة ببازينة من ولاية بنزرت، وهي مطربة من جيل الفنانات المؤسسات للفن التونسي النسائي مثلها مثل الفنانة صليحة. وسميت دار الثقافة بباجة باسم عمار فرحات، وهو رسام كبير من جيل المؤسسين للفن التشكيلي التونسي وأصبح مدرسة بذاته.وتم إطلاق إسم أبي القاسم الشابي على دار الثقافة بمجاز الباب من ولاية باجة. والشابي شاعر الخضراء ذو الشهرة العالمية غني عن التعريف فهو صاحب قصيدة إرادة الحياة التي أصبحت تُردد أبياتها حناجر الثوار في كل مكان من العالم.إن دور الثقافة التونسية المشاركة بفرقها المسرحية في هذا المهرجان المسرحي الجهوي تستلهم الإبداع من روح من اختارت أن تحمل أسماءهم في وفاء لموروثهم وفي اعتراف بالجميل لمساهماتهم في الحركة الثقافية والفنية التونسية. ويدفع حضور هؤلاء العمالقة في المخيال الفني والثقافي وفي الذاكرة، الجيل الجديد من الشباب على الإنتاج الفني الراقي على خطى الكبار. كما يدفع الساهرين على هذه المؤسسات الثقافية إلى استقطاب المواهب وتربية الناشئة على حب الفن وعلى الإبداع فيه أسوة بالسابقين. |
| المشـاهدات 28 تاريخ الإضافـة 30/12/2025 رقم المحتوى 69428 |
توقيـت بغداد









