أوروبا بين خوف الحدود وأوهام القوة... لماذا تُبقي الحرب مفتوحة في أوكرانيا؟
قارة تبحث عن أمنها في حربٍ تستنزفها… وتخشى السلام كما تخشى الهزيمة![]() |
| أوروبا بين خوف الحدود وأوهام القوة... لماذا تُبقي الحرب مفتوحة في أوكرانيا؟ قارة تبحث عن أمنها في حربٍ تستنزفها… وتخشى السلام كما تخشى الهزيمة |
|
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب د. سلام قاسم |
| النـص :
من يراقب المشهد الأوروبي اليوم يدرك أن القارة العجوز تعيش أخطر اختبار استراتيجي منذ نهاية الحرب الباردة. فما إن اشتعلت الحرب الروسية–الأوكرانية حتى وجدت أوروبا نفسها أمام قرارٍ لا يشبه أي قرار سابق، إما أن تدعم حرباً طويلة باهظة الكلفة، وإما أن تواجه احتمال تغير الخرائط بالقوة، وما يجره ذلك من زلازل سياسية تضرب قلب الاتحاد الأوروبي نفسه. وهكذا، بدل أن تكون الحرب أزمة حدودية بين دولتين، تحولت في العقل الأوروبي إلى سؤال وجودي، ما الذي سيحدث إذا انتصرت القوة على القانون في قلب القارة؟ليس سراً أن الأوروبيين يعيشون حالة خوفٍ عميقة. فالفكرة التي تحملها بروكسل عن الحرب لا تتعلق بأوكرانيا فقط، بل بالنظام الأمني بأكمله. فالقادة الأوروبيون، من برلين إلى ستوكهولم، ينطلقون من فرضية أن السماح لروسيا بضم أراضٍ أو فرض شروط بالقوة سيخلق سابقة تقوض الثقة بكل الحدود الأوروبية. ومن هنا جاء الإصرار، وربما العناد على تمويل كييف وعدم تركها تنهار. لا لأن النصر مؤكد أو الحل قريب، بل لأن الهزيمة بالنسبة لأوروبا تعني تهديداً يتجاوز الجغرافيا إلى بنية الاتحاد نفسه.لكن هذا التفسير وحده لا يكفي لفهم أسباب الإصرار الأوروبي على استمرار الحرب. فالقارة التي طالما تباهت بأنها "قوة ناعمة" تعتمد على الدبلوماسية والقانون الدولي، تجد نفسها اليوم وهي تتصرف كقوة صلبة، تمول جيشاً وتواجه دولة نووية أكبر منها مساحة وسلاحاً. والسر في هذا التحول يكمن في عامل آخر بالغ التأثير، الخوف من تراجع المظلة الأميركية.فمنذ تصريحات دونالد ترامب الأولى عن "عدم حماية أوروبا مجاناً"، بدأت الحكومات الأوروبية تتصرف كما لو أن الغائب الأكبر عن مستقبل القارة هو الولايات المتحدة. أوروبا تدرك جيداً أنها غير قادرة على حماية نفسها وحدها حتى اللحظة، وأن أي فراغ أميركي سيجعلها وجهاً لوجه أمام روسيا. ولذلك كان تمويل الحرب أشبه بإعلان نوايا، أوروبا لن تتراجع حتى وإن دفعت الثمن الاقتصادي والسياسي.وبين الخوف الأمني والتردد السياسي تقف أوروبا أمام نفوذ لا يمكن تجاهله، الصناعات العسكرية. صحيح أن اختزال الحرب في رغبة شركات السلاح يضر بالحقيقة ولا ينصف الواقع، لكن تجاهل هذا العامل خطأ أيضاً. فصناع السلاح يعيشون عصراً ذهبياً، والدول التي كانت تخفض ميزانيات جيوشها صارت اليوم تتسابق لطلب الدبابات والصواريخ. وهكذا أصبحت الصناعة التي كانت هامشية جزءاً أساسياً من معادلة القرار في بروكسل وبرلين وستوكهولم. لكن، وعلى الرغم من هذا الدور، فإن شركات السلاح لا تمسك بالمقود وحدها؛ فهي تتحرك داخل شبكة مصالح أكبر، سياسيون يريدون الظهور بمظهر الحزم، دول شرقية تشعر بتهديد وجودي، وأميركا التي ترى في الحرب فرصة لاستنزاف روسيا ومنع تقاربها مع الصين.وأوروبا في داخلها ليست جبهة واحدة. هناك من يدفع نحو استمرار الحرب بلا تردد، مثل بولندا ودول البلطيق التي ترى في روسيا شبحاً يقترب من حدودها. وهناك من يتأرجح بين الخوف والعقلنة، مثل ألمانيا وفرنسا والسويد، التي تشعر بوطأة الحرب على اقتصادها لكنها تخشى التراجع. وفي المقابل، تظهر دول براغماتية صريحة مثل المجر وسلوفاكيا وبعض الأصوات التشيكية، تلك التي ترفض أن تتحول الحرب إلى مشروع بلا سقف، وترى أن كلفة الحرب على الداخل أكبر من كلفة التسوية.ومع أن أوروبا لا تعلن ذلك رسمياً، إلا أن معظم قادتها يدركون أن الحرب بلا أفق واضح. فالمفاوضات غير ناضجة، والرؤية السياسية غائبة، والمشهد العسكري يدخل مرحلة استنزاف طويلة. ومع ذلك، تواصل الدول الأوروبية التمويل، ليس لأنها تؤمن بالنصر، بل لأنها تخشى السيناريو المقابل، انهيار أوكرانيا وما يعنيه ذلك من موجات لجوء جديدة، وتوترات حدودية، وتصدع استراتيجي سيكون ثمنه أكبر بكثير من استمرار المعركة.لكن السؤال الأخطر الذي يتجنب الأوروبيون طرحه بصوت مرتفع، هل تستطيع القارة تحمل حرب مفتوحة بينما اقتصادها يفقد زخمه وشعوبها تزداد سخطاً؟الواقع يقول إن أوروبا اليوم تواجه مأزقاً سياسياً واجتماعياً خطيراً. الطبقة الوسطى تتآكل، أسعار الطاقة ما تزال مرتفعة، الصناعة الألمانية تنكمش، الأحزاب اليمينية تصعد، والرأي العام لم يعد مقتنعاً بأن استمرار الحرب يخدم مصالحه المباشرة. وإن استمرت الهوة بين الحكومات وشعوبها في الاتساع، فإن الاتحاد الأوروبي نفسه قد يجد وحدته على المحك، لا بفعل روسيا، بل بفعل أزماته الداخلية.هكذا تبدو أوروبا اليوم، قارة تحاول حماية نظامها الأمني عبر حرب تستنزف اقتصادها ونظامها الاجتماعي؛ قارة تخشى السلام الناقص كما تخشى الحرب الطويلة؛ وقارة كانت يوماً قوة دبلوماسية ناعمة فإذا بها تجد نفسها رهينة صراع لا تعرف كيف تخرج منه بلا أن تخسر صورتها أو أمنها أو مكانتها.إنها لحظة أوروبية فارقة… لحظة تُظهر كيف قد يتحول الخوف إلى سياسة، والسياسة إلى حرب، والحرب إلى عبء لا أحد يعرف كيف سيُرفع عن كاهل القارة التي اعتادت أن تعيش في ظل سلام مديد لم يعد موجوداً. |
| المشـاهدات 34 تاريخ الإضافـة 31/12/2025 رقم المحتوى 69471 |
أخبار مشـابهة![]() |
فوق المعلق
بغداد تتعافى ولابد من تعافيها |
![]() |
معرض روافد ورؤى تنظيم مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون في متحف سيؤول للفنون |
![]() |
الفنان ماجد أبو زهرة في مسلسل ((بيت الطين)) بالجزء السادس
|
![]() |
الفلسطينية سعاد العامري تمنح جائزة نوابغ العرب عن فئة العمارة والتصميم لعام 2025 في دبي |
![]() |
بيونسيه تنضم إلى نخبة المليارديرات في عالم الموسيقى |
توقيـت بغداد









