إحترقت فتطاير رماد العلماء |
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب د. فاضل البدراني |
النـص : كانت تزهو وتتباهى بحداثة مطبوعاتها التي تتصل بأمهات الكتب القديمة في علوم الاتصال والاعلام والعلاقات العامة ،والكتب الفكرية والاجتماعية الأخرى الساندة لها لاكتمال وظيفتها العلمية والمعرفية، رفوفها عامرة شاهقة الارتفاع مليئة بالكنوز، في كل يوم تقريبا تتسع جنباتها وأروقتها وتتعالى رفوفها ارتفاعا فتكتمل صورتها القا وجمالا، كأن يد الرحمن تبارك لها ، الدليل الإرشادي الكتابي من اليافطات والعلامات المكتوبة بخط جميل تدلك على أي التخصصات ترغب، تشكيلة من الألوان والتصاميم تسحرك وتسرق نظرك وانت القاريء الداخل الى باحتها ، تغمرك رائحة مميزة مختلفة تماما عن غيرها تعكس عبق المعرفة وعمق العلوم، ذاك عطر العلم يطرب ذائقتك وانت القادم لها، الفهارس التي توثقها سجلات عدة تضم عشرات الآلاف من مختلف الإصدارات العالمية وبلغات عدة وإن كانت لغة الضاد،لغة القرآن الكريم تشكل ما يزيد عن 90% منها... عناوين جذابة عصرية عميقة من حيث الرصانة والتخصص، فيها التفنن العلمي الذي يطوي حروف الكلمة حتى يستخلص منها فكرا يمثل عند قراءته الغواية التي تأسر فكرك وتسرق الكثير مما في ذهنك لكي تقرر الاستراحة في حديقة البستان الرحب " بستان العلم والمعرفة" فتعيش اوقاتك على أرائك ومناضد حرص أصحابها ان تكون المكان الأجمل والأرحب لجلوس القاريء،، في كل مناسبة نذهب ونزيد من أعدادها بل نزيد من رصانتها ونوعية نفائسها الكتابية،، أخذت تكبر ويتعمق الفكر فيها مرة يذهب الى العالم لاسويل ومرة أخرى الى جان جاك روسو واخريات الى مالكوم إكس وميشيل أرمان وإدوارد بيرنز ثم الى كتابات عبد اللطيف حمزة والى ابو زيد وسنان الى محمد وجلال وعبد الرحيم وانتصار وزهرة وجميلة....الخ .. كلهم تواجدوا فيها، وتطول القائمة لعديد الأسماء، والمصادر والمراجع ،أصبحت تسكن باحاتها وتتصدر رفوفها ومناضدها،، زوارها يزدادون يوما بعد آخر، نوعياتهم تشي بالتميز المتصاعد، أسمها أخذ يصل لأبعد الأماكن حتى صارت تشكل منظومة فكر متقدمة كبيرة ذات أبعاد فلسفية إنسانية قيمية عميقة فأصبحت مملكة أو جمهورية لها سفراء يخرجون منها ويشغلون مواقعهم العلمية يؤدون مهامهم الفكرية في كل مكان على اتساع القاعدة العلمية والبحثية.على طول تاريخها واكبت تسجيل عطاءات وبحجم الاتساع هناك سمعة انتشار، ومنفعة عطاء وسخاء، أصحابها والقائمون عليها صاروا يفخرون بها مثل أسرة تشعب أبنائها بين هذا وذاك من التفوق والعطاء والتطور، فانتقلت الى ما توصف بالمفخرة، فلا شيء منها سوى الجمال والعطاء والإسهام ببناء عقل الإنسان، ضد الجهل والرجعية العقلية والأمية، انها الصديقة الصدوقة لكل العقول.في لحظة في غفلة مؤلمة تدخلها النيران من حادث عرضي قدري ليس ليد عابثة علاقة بنشوبها، يأكل جدرانها حتى تصل تلك اللهبة الى ذلك الكنز من الجمال الى ذلك العلم الى تلك المعارف في اعلى قمة البناية ،فيصرخ مؤلف من آهات النار حتى يتصل صوته بصوت مؤلف آخر فيصرخ كل المتواجدين لكن ميزتهم يتوحدون بصوتهم جميعا برغم تعدد لغاتهم ولهجاتهم فترتفع صرختهم الى المناجين لكن لحظة القدر لا تسمح بالنجاة فيحترقون جميعا قبل ان يتحول وجودهم الى رماد من بقايا جثث مؤلفات جميلة، لكن الكبار حتى بعد الاحتراق رمادهم مهيوب.فيعقب ذلك سنا النيران الذي يجعل جزيئات الرماد تتطاير في سماء العاصمة بغداد، فترتدي كعادتها الحبيبة الوفية " دار السلام " ثوب الحزن، فهي في كل يوم تحترق وتموت ثم تبعث ثم تحترق فتعود، هي ترفض الموت الابدي كونها عاصمة ثقافة تاريخية لا يجوز لها ان تختفي، أوقات سكن الهدوء أجوائها فبقيت آثار الماضي والحاضر المحزن ،قبل أن تمارس صاحبتها الخبر العاجل الذي هو من اختصاصها فتصرخ سيارة الإسعاف صرخة البكاء صرحة الألم من الاحتراق ،لكنها بكل أسف عندما وصلت مبنى كلية الاعلام بالجامعة العراقية في جانب الكرخ من الحزينة بغداد يكون الناس شبعوا بكاء والموت قضى على كل المؤلفين والباحثين والمبدعين عبر مؤلفاتهم التي وصلت الى عشرات الآلاف من الكتب والاطاريح والرسائل والوثائق والدوريات...حتى تبدأ من الآن الجولة الجديدة التي أعقبت الانهيار مرحلة الوفاء والبناء وتشييد مكتبة جديدة بجهود الناس المحبين للحياة والمواكبين لمسيرة العلم والمعرفة من الباحثين والعلماء والمبدعين.دعوني أردد قول جون لايلي " خير لك أن تزخر مكتبتك بالكتب من أن تمتلئ محفظتك بالنقود ". |
المشـاهدات 749 تاريخ الإضافـة 12/10/2020 رقم المحتوى 8829 |