الغربة والاغتراب في روايات (غائب طعمة فرمان) |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : الجزء الأول ميساء نبيل عبد الحميد في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، شهد العراق اشتداد الصراعات الاجتماعية – السياسية بين النظام الملكي الحاكم، والمدعوم من بريطانيا من ناحية، وبين تيارات الحركة الوطنية العراقية الساعية إلى التحرر من المعاهدات التي كبلت العراق وجعلت موارده في خدمة المجهود الحربي البريطاني، وإجراء إصلاحات جدية في بنية النظام السياسي القائم من جهة أخرى. وكان من الطبيعي أنْ ينعكس تأثير ذلك على المثقفين والأدباء العراقيين، من حيث تعميق رؤاهم النقدية للواقع الاجتماعي والسياسي، وحثهم على كتابة نصوص إبداعية تتناول أحداثاً سياسية وظواهر اجتماعية. وتبعاً لذلك فقد ظهر خلال خمسينات القرن الماضي (العشرين) عدد من الأدباء والقصّاصين، الذين اصطلح في تأريخ الأدب العراقي الحديث على عدّهم رموز جيل الخمسينات، لعل أبرزهم: عبدالملك نوري، وفؤاد التكرلي، وشاكر خصباك ومهدي عيسى الصكر، وغائب طعمة فرمان. ويمكن القول، إنَّ مما ساعد على اتساع آفاق هؤلاء الأدباء والقصّاصين وتعميق وعيهم الفكري والفني، هو اطّلاعهم على التيارات والمدارس الفكرية والفنية التي سادت الحياة الثقافية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، نذكر منها، هنا، تيارين تجلى تأثيرهما واضحاً في نتاجات أولئك الأدباء، وهما: التيار الماركسي، والتيار الوجودي. وهناك من يرى، “أنّ أبرز نماذج الخمسينات القصصية الواقعية، وأنضجها من الناحية الفنية، لم تكن سوى نتاج لتفاعل أثر تلك التيارات في وعي الأديب أو القاص ونظرته للواقع الذي كان يسعى إلى تغييره، مع ملاحظة أنَّ شدة التأثر بأحد هذين التيارين دون الآخر كانت تتباين من قاص إلى آخر”( ). ففي حين كان أثر (الوجودية) في (فؤاد التكرلي) أكثر وضوحاً، كانت (الماركسية) هي المؤثرة في بلورة وعي (غائب طعمة فرمان) للواقع وحركته، وفي رؤيته القصصية لهذا الواقع، وهو ما يتجلى بوضوح في ما نشره من قصص وروايات. ويعتقد العديد من النقاد والباحثين، أنَّ أهمية (غائب)، بالنسبة للأدب العراقي الحديث، تكمن أساساً في رواياته، لا في قصصه. ولعل ما رسّخ لديهم هذا الاعتقاد، النجاح الباهر الذي نالته الرواية الأولى التي أقدم على نشرها (عام 1966) – النخلة والجيران، والتي سرعان ما ثبتت اسمه في ميدان كتابة الرواية، على أنّه من الروائيين العراقيين البارزين، وله مكانة متميزة بين الروائيين العرب المعروفين. ويبدو أنَّ (غائب) نفسه قد اقتنع، من جراء ذلك، بأنَّ الرواية تمثّل النوع الأدبي الأكثر اتساعاً وقدرة على التعبير عن الواقع وما يتخلله من أحداث، ومن ثم فقد كرّس له، منذ منتصف الستينات تقريباً، القدر الأكبر من نشاطه الإبداعي. وتعود معرفتي بأدب (غائب طعمة فرمان) إلى مرحلة دراستي الجامعية الأولى، اذ تكوّنت في ذهني فكرة باهتة إلى حدٍّ ما، عن شخصيته وكونه روائياً عراقياً بارزاً، أمضى مدة طويلة من حياته في غربة عن وطنه (العراق)، بل ومات ودفن في بلاد الغربة. وبعد إنهائي السنة التحضيرية لدراسة (الماجستير)، انصرفت، شأني شأن زميلاتي وزملائي، إلى البحث عن موضوع أتناوله بالدراسة وأعد عنه (رسالة) أنال على أساسها شهادة (الماجستير)، فانتقيت عددا من الموضوعات، ولكني كنت متوجسة من كونها قد بُحثت سابقاً من قبل باحثين آخرين، فبقيت مترددة بشأنها إلى أنْ اقترح عليّ يوماً أحد أساتذتي أنْ أكتب عن (الغربة والاغتراب في كتابات غائب طعمة فرمان). ومضيت إلى المكتبة – بل المكتبات – أنقّب وأبحث عن دراسات سبق أنْ أعدت عن (غائب طعمة فرمان)، وبعد بحث طويل تبيّن لي أنَّ الدراسات عن (غائب طعمة فرمان) لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، وهي تنحصر في ما يأتي: 1. دراسة الدكتورة فاطمة عيسى جاسم، الموسومة بـ(غائب طعمة فرمان روائيا”). 2. دراسة الدكتور علي إبراهيم، الموسومة بـ(الزمان والمكان في روايات غائب طعمة فرمان). 3. دراسة الدكتور زهير شليبة، الموسومة بـ(غائب طعمة فرمان – دراسة مقارنة في الرواية العراقية). 4. دراسة شازاد كريم عثمان زين الدين، الموسومة بـ(الرؤية السياسية والاجتماعية في روايات غائب طعمة فرمان وإبراهيم أحمد) – وهي رسالة ماجستير قدمت إلى كلية التربية للبنات بجامعة بغداد، عام 2006. 5. كتاب الدكتور أحمد النعمان الموسوم بـ(غائب طعمة فرمان – أدب المنفى والحنين إلى الوطن)، الذي صدر عام 1996. وهو يضم أغلب ما كتب عن (غائب) من دراسات وبحوث، وما أجرى معه من لقاءات ومقابلات صحفية، وذكريات عنه كتبها أصدقاؤه – جمعها الدكتور النعمان بين دفتي الكتاب. وخرجت من قراءتي لهذه الدراسات، بأنَّ ما من واحدة منها قد عالجت موضوع (الغربة والاغتراب) في مجمل كتابات غائب طعمة فرمان، ودرستها دراسة تفصيلية قائمة بذاتها. مما يعني أنَّ إقدامي على دراسة هذا الموضوع ينطوي على استباق وجدة. بيد أني عندما استشرت بعض أساتذتي في قسم اللغة العربية في كلية التربية – بجامعة تكريت لفتوا نظري إلى أنَّ دراسة (الغربة والاغتراب في كتابات غائب طعمة فرمان) تتّسم بالاتّساع والشمول، لأنها تتطلب الرجوع إلى كل (كتابات) غائب طعمة فرمان، من مقالات، وخواطر، وشعر، وقصة قصيرة، وروايات – الأمر الذي يجعلها لا تتناسب مع المدة الزمنية التي يفترض أنْ يستغرقها إعداد (رسالة ماجستير)، وبالتالي فقد استقر أمري على أنْ يكون موضوع (الرسالة) هو: (الغربة والاغتراب في روايات غائب طعمة فرمان)، وكان أنْ تفضل عليّ أستاذي الدكتور (صالح الجميلي) بالموافقة على الإشراف على (الرسالة). وقد اشتملت (الرسالة) على مقدمة، وتمهيد، وثمانية فصول، وخاتمة. أما التمهيد، فقد تضمن التعريف بالمفاهيم أو المصطلحات الرئيسية الواردة في الدراسة، وتحديداً: مفهوم (الغربة)، ومفهوم (الاغتراب)، ومن الناحيتين: اللغوية والاصطلاحية. كما حاولت بيان أشكال أو أنواع (الغربة) و(الاغتراب)، فاستعرضت تلك الأنواع، وبينت خصائص ومواصفات كل نوع منها، وقد حرصت على أنْ أظهر، في خاتمة المبحث، ما يميز (الغربة) عن (الاغتراب) على أساس أنَّ (الغربة) تنطوي على بُعد مكاني، بشكل خاص، فهي تتعلق بما هو خارج ذات الإنسان، وتنم عن ابتعاد الإنسان عن ما ألفه من مكان، أو عن الأهل والأحبة. في حين أنّ (الاغتراب) ينطوي على بُعد انفعالي، داخلي – أي كونه شعور يعتمل في داخل الإنسان، من جراء أسباب وعوامل ومؤثرات عديدة: المألوف من الأشياء بسبب تقادم الزمن يسبب (اغتراباً زمانياً)، وعدم التآلف مع ما هو سائد ومتوارث من أعراف وتقاليد اجتماعية يُسبب (اغتراباً اجتماعياً)، وإن عدم الرضا عن السلطة السياسية يسبب (اغتراباً سياسياً)، وإنّ عدم الانسجام مع النفس وتطلعاتها يُسبب (اغتراباً نفسياً)، وهكذا… وحاولت أيضاً جمع الوقائع التي تشكل سيرة حياة (غائب)، منذ ولادته في أحد أحياء بغداد القديمة الفقيرة، وتتبع مراحل نشأته العائلية والاجتماعية، وما واكب ذلك من مراحل دراسية أمضاها، مُبينة، في سياق ذلك، المؤثرات والعوامل التي ساهمت في تكوين ثقافته، وبلورة وعيه، وتحديد توجهاته الأدبية. ولقد بينت في ختام الفصل أنَّ حياة (غائب) وتكوينه الثقافي يمكن تقسيمها على (خمس) مراحل متعاقبة ومتميزة. |
المشـاهدات 1493 تاريخ الإضافـة 09/11/2020 رقم المحتوى 9073 |