السبت 2024/4/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 37.95 مئويـة
قصة قصيرة الفقيه
قصة قصيرة الفقيه
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

وسيلة امين سامي

 

انتحب رحيله في صدر المغيب ، فسقطت في خد النهاية

اخر لحظات عمره .

انتاب الذهول جميع المارة من ذاك الحشد المهيب المشيع  تلك الجنازة. .المدينة القديمة بالدمع توميء  بالوداع . رحل ( الفقيه يحيى )فقيه المعلامة * اسمه يتموج عند مسامع الجدران الصامتة.. يوقظ انفاسا رحلت فينشرها كعطر مندلق من انية  تفيض بالعبق . طيف قامته الطويلة مازال منتصبا يتأمل السنين التي  هرمت وهي تسامر عمره . (المعلامة) رابضة في مكانها ..أحجارها العتيقة تتنفس  صدى صوته الأغن ..عيناه مازالتا على مزلاج بابها تواربه وتغترف الكثير من الضياء . الاحرف الأبجدية  تتراص على شفتيه كباقات أزهار برية  خاشعة في محراب النور ..تجوب الأزقة القديمة توقد بالذكرى وهج الحنين.. هنا كان يحنو على تلاميذه ..صوته ينحت الكلمة في صدورهم .. أ- ب- ت- ث . يرددون خلفه بحماس .يشير لأحدهم:

_ هيا ياصلاح اقرأ: (قل)

فيرددها: (جل).

يبتسم بصبر وحنو ..ولايتركه الاوقد اجاد نطقها  وتلميذ أخر ينطقها (غل). فيقول بلطف كم أحب لهجة (أبين). لكن لن أتركك حتى تنطقها ..ثم ينظر لتلميذ اخر ويقول بمرح :

_ اشتاق لسماع اللهجة التهامية هيا يا سياف ...

وأخر من  تعز يرفع اصبعه ويقول بحماس:

 انا شاقول يافقيه..اناشاقول. يبتسم الفقيه ويقول :هيا اسمعني يانجيب .... يسرد عليهم تاريخ المدن اليمنية ..وهم يتابعونه بشغف. ويسود جو المرح ..تعانقهم ابتسامته الحانية.  بألق روحه وهيبة مقامه يهذبهم.. يوزع عليهم الزبيب واللوز الذان تشتهر بهما أسواق مدينة صنعاء القديمة ..و يحبهما  أهلها ..وبهما يكرمون الضيوف . تلك المدينة الضارب قلبها في جذور تاريخ ناصع الاشراق .. أجيال مرت على يديه ، نهلت علما وخلقا ..في هذه المعلامة  الصغيرة حجما ..العظيمة عطاء..تراها الان وهي تذوي   تسأل ارتعاشة  الضوء الناعس بين اصابع الزقاق القديم ..عن تلك الخطوات  التي مازال وقعها يذيب المسافات ويمحو تأوهات التعب . في لحظات مرحه  يغسل بوداعته قيظ التجافي. .يسمعه الزقاق يدندن أغنيته المفضلة .

ما مثل صنعاء اليمن ......كلا ولا اهلها

صنعاء حوت كل فن ......ياسعد من حلها

فيحس ان كل بيت  يعتمر اكاليل  السلوى ..وتكتحل النسمات بعبير  البهجة.. ينشد بصوته العذب :

 رب بالسبع المثاني .....وبقران معظم    أصلح اللهم شأني  .....واكشف الهم مع الغم . ينسكب ضوء الشفق  ويتماهى مع حوائط الياجور يرسم لوحة عشق فاتنة..والنخيل التي تعشق البساتين  ترخي أعناقها وكأنها تنصت للذيذ النغم .. مازالت عينا هند عالقتين في نهاية  الزقاق في مشهد يقظ  على  كف الذاكرة  ..تنظر اليه من نافذة منزلها المزينة بالقمرية..  ممتشقا (الجنبية)*   . يلوح بها بمرح مع مجموعة من الشباب  الذين استغرقوا  برقصة ( البرع*) .

على ايقاع الطبول ..ابتهاجا بحفل زفاف أحدهم. مازالت نسائم  الذكريات متدثرة بأنداء الغرام  ..تحتضن نظراتهما المتعانقة متعطرة برائحة الشوق . تماما مثل حبات المرجان في العقد الذي أهداها  اياه  ليلة عقد قرانهما ..عندما كان يهمس لها: أحبك .  يسبق الربيع اوانه ويعرش في وجنتيها ..  مازالت خطواتهما متعانقة ..وهما يسيران في الازقة الحانية  ممسكا بيدها .. ويدها الاخرى تشد بها ( الستارة)* التي تلف جسدها..  ينظر لعينها فيحس بانفاسها تسري في قلبه.. كثيرا  ماكان يحكي  لهند عن شخصيات  تعلمت الابجدية على يديه اصبحت بعضها ذات مراكز مرموقة في المجتمع ..وبعضها تقلدت مناصب عليا .. صار في أواخر العقد السابع ..وبرغم التجاعيد تحت عينيه ..ترى فيهما بريقا زلالا يسحر الناظر اليه . ..اثقلته السنين ..وفي وهن المشيب توارى  نبض الشباب . صوت الفقيه لم يشخ ..يرافق  صوت الشمس عند الشروق  ويستريح معها على كتفي( باب اليمن) عند الغروب . باب اليمن مازال شامخا  يشرب  كبرياء  الضوء  ويتحسس  بصمات الفقيه المورقة بالنور . كعاشق  ينازل بأشواقه  ليل التنائي  .وكلما ظهرت صور هذا الباب العتيق ..يلوح طيف جميل قادما منه ..  ملامحه تشبه  ملامح الفقيه.

_______________________________________________

*1الكتاب

*2خنجر يماني

*3رقصة شعبية

* 4قطعة قماش  تقليدية ملونة

 تلف المرأة بها جسدها عند الخروج من المنزل .

 

المشـاهدات 154   تاريخ الإضافـة 02/03/2024   رقم المحتوى 40888
أضف تقييـم