الجمعة 2024/10/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 25.95 مئويـة
تناوب الأمكنة والأزمنة في... قلق المآذن دراسة نقدية
تناوب الأمكنة والأزمنة في... قلق المآذن دراسة نقدية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب يوسف عبود جويعد  
النـص :

تقدم لنا رواية (قلق المآذن) للروائي سالم حميد، انتقالات كبيرة ومتعددة ومختلفة عبر التاريخ، لأزمنة تتناوب في العملية السردية بين ثلاثة قرون، القرن التاسع عشر للفترة من 1842 إلى 1845 ، والقرن العشرين للفترة من 1950 إلى 1975 و1980والقرن الحادي والعشرين وبالتحديد الفترة عام2002 و 2007 ، وسنكون أيضاً مع أمكنة متعددة ومختلفة لضرورات تفرضها مسيرة المبنى السردي، وسنكون في الأماكن في إيران، شيراز، بغداد، كربلاء، النجف، العمارة، الحلة، وسنتابع دورة الأحداث من خلال الشخصية الرئيسة عادل الابن المتبنى، للمطربة زهور حسين ، بينما نتابع الأحداث التاريخية للقرن التاسع عشر من خلال الشخصية الرئيسة الثانية قرة العين، وسنتابع دورة الأحداث للفترة 1950 إلى 1975 من خلال المطربة زهور حسين، وبما أن الرواية تتضمن معلومات كبيرة ومهمة تتعلق بتلك الحقب الزمنية التي أخذها الروائي من بطون التاريخ ليجعلها مادة سردية، لما تحمل من أمور فكرية وفلسفية ودينية وحياتية مهمة، ولكي يفصل المادة التاريخية عن الخيال يقول الروائي في مستهل روايته:

(تنويه:

- الإطار العام للرواية أستند على حقائق ومعلومات تاريخية.

- المذكرات التي وردت في هذه الرواية غير حقيقة.

- الرسائل والحوارات التي دارت بين الشخصيات التاريخية من خيال الروائي)ص5

وهذا التنويه سيكون له وقع كبير حيث سنصطدم بمعلومات غاية في الأهمية، تتعلق بالأحداث المتشعبة في هذا النص السردي، حيث نتابع أولاً بعض التفاصيل التي تتعلق بشخصية قرة العين، وسر الظاهرة التي ظهرت في زمانها عن الباب والبابيين، وانتمائها لهذه الظاهرة التي كان يقودها الشيرازي، الذي لقب بالباب، نسبة إلى المعتقد الذي يقول أن الإمام المهدي سيظهر من خلال هذا الباب، أي أن الإمام المهدي سيكون له وسيط للظهور هو الباب، الذي يمهد ظهوره، بينما نتابع حياة المطربة زهور حسين من ابنها عادل الذي تعطيه مفتاح الصندوق لاستخراج الأسرار المدفونة فيه، وأهمها دفتر المذكرات الذي يحوي تفاصيل سرية عن حياة الفنانة زهور حسين، الذي طلبت منه الفنانة أن يخرج هذه المذكرات ويحرقها دون أن يراها، لكن عادل كان قد استخرجها سابقاً وعرف التفاصيل المذكورة فيه، لذا فإنه أسرع بحرق هذه المذكرات، لكننا سنتابع هذه التفاصيل من خلال عادل الذي يعيد علينا داخل هذا النص ما ذكر فيه، كون الفنانة متابعة لأمها (الملاية) وتحضر معها مجالس العزاء، وتعلم الكثير من الأمور التي تتعلق بهذه المهمة، وكان لزوجها (ناصر) صديق ملحن كويتي اسمه صالح الكويتي، وطلب زوجها أثناء زيارته لبيتها أن تسمعه النعي، وقد تأثر وبكى على صوتها الحنين، فطلب منها أن تغني لجمال صوتها، وقد اتفق معها على بعض التغييرات في اسمها، إذ كان اسمها زهرة عبد الحسين، فأطلق عليها اسم زهور حسين، وهو اسم فني مقبول، وتتناوب الفصول والعملية السردية بين هذه العوالم الثلاث، لنتابع حياة قرة العين، وتلك المرحلة التي ظهر فيها الباب والبابيون، وتداعيات هذه الحركة الدينية، وتأتي عملية التناوب في السرد لهذا النص المتعدد الأصوات، من أجل عملية ربط الأحداث مع بعضها  كون القارئ سيتساءل عن العلاقة بين زهور حسين، وعادل، وقرة العين، لتباعد صلتهم تاريخياً، ويأتي هذا الربط من خلال عادل الذي كان يبحث عن الأحداث التي دارت في القرن التاسع عشر، وظهور امرأة بالمحادثة اسمها النقطة كانت تتباحث معه في هذه المعلومات:

(عرف أن الباب لقب ديني، وقد أسس الطائفة البابية، وبدأ يقرأ ما يعرضه كوكل، يقرأ كل التفاصيل البعيدة والقريبة عن الطائفة (البابية)، وعن (الباب) الذي يمكن أن يوصل إلى الأمام المهدي. وهذا الباب هو: علي محمد الشيرازي، أحد طلاب الشيخ كاظم الرشتي، والرشتي هذا هو وأستاذه احمد الإحسائي كانا من الفرقة الكشفية، أي متصوفة الشيعة، وقد أسس هذان الشيخان (المدرسة الشيخية)، وهما من اكتشفا فكرة الباب، الذي تحول إلى طائفة دينية فيما بعد، اسمها (البابية)، ونما من خلالها دين آخر يُدعى بـ (البهائية). وهناك امرأة اسمها (قرة العين) لعبت دوراً كبيراً في هذا الجانب، وكانت وكيلة الباب في العراق. تخيّل عادل باباً حقيقياً، مصنوعاً من خشب الصاج برتاج مذهب، لكن هذا الباب كان عالياً، بحيث لم يستطع أن يرى نهايته المتلاشية مع السماء، وحين يفتح هذا الباب بمفتاح يشبه مفتاح صندوق أمه، يظهر خلاله رواق طويل جداً يضيق بسب البُعد وينتهي بشيء رصاصي لا يمكن تصوره أو حتى تخيله.) ص 37

وهكذا نتابع هذه التفاصيل ونحن ننتقل من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان ومن شخصية لأخرى، ولا زالت الأحداث تحتاج إلى كثير من التوضيح، ولكننا سوف نكتشف ترابط الأحداث أكثر من خلال الطرح الفنتازي الذي وظفه الروائي داخل مبنى النص، حيث أن قرة العين عندما تنام تنتقل إلى عام  2007 وهو العام الذي حدث فيه الانفجار الكبير والتاريخي في شارع المتنبي، واحترقت فيه كتب تاريخية مهمة ودمرت مبان ودور ومقاه منها مقهى الشابندر، وبينما كانت قرة العين تتجول رأت عادل في هذا الشارع، وعندما حصل الانفجار كانا داخل هذا الانفجار وأصيب عادل وأغمى عليه ونقل إلى المستشفى بينما عادت قرة العين إلى زمانها ومكانها، بعد أن قرأت من بعض الكتب عن تفاصيل تخص حياتها وعن الباب والبابيين، وفي الفصل الثالث من هذا النص سنتابع مقتطفات من مذكرات الأم زهور حسين للأعوام 1943 - 1980 ، حيث سنتعرف إلى أن والدها هو (عبد الحسين النكاش) وأمها يسميها الناس (فخرية الملاية)، وقد تعلمت من أمها الكثير، وفي تفاصيل غير مهمة كما أطلق الروائي على العناوين الفرعية من هذا الفصل، سنتابع حياة الفنانة زهور حسين بشكل أوضح، حيث يموت زوجها ناصر، وتتعرف بعدها على شاب أنقذها من معاكسات شباب على المسرح في النادي الليلي، وهو صباح ابن شيخ، ويتعرض للأذى وينقل للمستشفى، وتحبه وتدعوه بعد أن خرج من المستشفى لتناول الغداء في بيتها، ثم تتزوجه سراً، وهي عاقر الأمر الذي حدا بزوجها أن يتبنى لها طفلاً صغيراً من محلة الفضل، لتتبناه، ويكبر عادل ونعيش تفاصيل عن كل أغنية غنتها، وأهمها أغنية (غريبة من بعد عينج يا يمة) التي غنتها وهي تبكي بسب أن أمها غضبت عليها عندما مارست الغناء، ولم ترَها حتى ماتت، وبعد تفاصيل كبيرة، تذهب زهور حسين مع أختها وخادمتها نظيرة إلى الحلة، مكان تواجد الشيخ صباح لتتعرف على حياته هناك، إلا أن المركبة تنحدر وتنقلب، وتموت في هذا الحادث أختها وخادمتها نظيرة، ويستغل الشيخ صباح هذه الحادثة ويجعل نظيرة التي توفيت هي زهور حسين ويعطي جنسية نظيرة إلى زهور حسين من أجل أن تعيش معه، وهكذا ينتهي تاريخ هذه المطربة الكبيرة، بعد أن حملت اسم غير اسمها وتغير شكلها وارتدت الحجاب وعاشت في العمارة هرباً من الذين يعرفونها.

وننتقل إلى قرة العين والحركة البابية، لنتابع تفاصيل كبيرة وكثيرة تتعلق بظهور هذه الحركة ونموها وشيوعها، وقيام قرة العين بالتخاطب مع الناس عن هذه الحركة من وراء حجاب، ثم يزاح هذا الحجاب لتتحدث بشكل مباشر معهم، وتتعرض إلى مضايقات وصراعات كبيرة، وتتزوج القدوس، ثم تتزوج الباب، ويعدم الباب، وتسجن قرة العين، وأخيراً تعترف حوراء إنها هي النقطة.

وهكذا نصل إلى تفسير بنية العنونة، التي تشير إلى قلق المآذن بسبب هذه الاختلافات في بعض الأفكار الدينية التي تبعد التوحد، وتسهم في التفرق.

رواية (قلق المآذن) للروائي سالم حميد، تضعنا بشكل ساخن وبلغة منسابة بإيقاع متزن ينسجم وحركة السرد، في تفاصيل فكرية وفلسفية واعية، وتطرح أموراً تسهم في شحن ذهن المتلقي لمعرفة التاريخ وتفاصيله المخبوءة في بطونه، ورغم تشعبها وكبرها وسعة الأحداث فيها، إلا أنها مستساغة وتدفع القارئ إلى متابعة الإحداث.

المشـاهدات 972   تاريخ الإضافـة 11/04/2021   رقم المحتوى 10662
أضف تقييـم