
![]() |
خبايا واسرار في ... سالم مُسَلّحْ دراسة نقدية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : يوسف عبود جويعد
رواية (سالم مُسَلّحْ) للروائية نغم الݘلبي، على الرغم من أن بنية العنونة فيها تشير الى مصطلح عسكري فيه إشارة لكل مَن يكون مؤهلاً لآداء الخدمة العسكرية المسلحة. إلّا أن محتوى ومضمون وتشكيل وتكوين النص الروائي، وكذلك الثيمة، تبدو بعيدةً عن هذا المفهوم تماما. وتنحى منحاً آخر ليس له صلة بهذا المصطلح لا من قريب ولا من بعيد. إذ تزجنا الروائية وسط أجواء غرائبية هي نتاج وانعكاس لواقع حياة البلد والمتغيرات والتقلبات التي حدثت ومضتْ فيه نحو الأسوء. حيث نكون مع أحداث بالغة الأهمية تقتضي الضرورة كشفها ورفع النقاب عنها، ليطّلع عليها القارئ ويعرف خباياها ومدى وحشيتها وقسوتها. وهي ظاهرة خالية من الروح الانسانية. وهي تجارة رائجة يمارسها الكثيرون من ذوي النفوس الضعيفة. الذين يتنكرون لِقَسَمهم المهني، ويتجردون عن انسانيتهم وضمائرهم. إذ سنتابع حياة ثلاثة من الأطباء تخرجوا في كلية الطب، وأُطلق عليهم ثلاثة ألقاب: مالك مريخ ، ومنير معجزة، وسالم مطفي.. فعمل الدكتور سالم في الطب العدلي. بينما عمل الدكتور مالك في أحد المستشفيات المتخصصة بأمراض الكلى. فيما عمل منير بإحدى المستشفيات العامة. وهكذا تنقلُنا الروائية من عنصر التعريف، الى عنصر آخر مهمٍّ من عناصر فن صناعة الرواية، وهو الحبكة. الذي تضع فيه النسيج المتداخل والمتماسك لعالمها السردي، والدوافع والمسببات والعوامل النفسية التي حدت بدكتور سالم أن يسلك هذا الطريق الخطر، وأن ينصاع صاغراً لأفكار زميله مالك. وبعد أن تأخذنا الروائية في رحلة عميقة وغائرة من حياة الدكتور سالم، الذي كان يعاني ضائقة مادية وظرفاً صعبا. فأمُّه طريحة الفراش، وتحتاج الى متابعة. بالاضافة لزوجته التي رحلت مع أطفالها الى أربيل، بعد أن تردى الوضع، وضاع الامن والامان في العاصمة. وسيارته المتهالكة التي صارت عبئاً ثقيلا عليه. وثمةَ أمورٌ أخرى سنتابع تفاصيلها ونحن نعيش أحداث الرواية. الأمر الذي جعل دكتور سالم يوافق على الخطة الشيطانية التي اقترحها الدكتور مالك، لتوفر كلِّ الامكانيات لتطبيقها. وتلك الخطة تتلخص بجلب سيارة تعود لمستشفى الامراض العقلية والنفسية، ليتسنى لهم خطف المجانين المشردين في الشوارع والأزقة، واجراء عملية نقل كِليةٍ من كلياتهما، الى أحد المرضى الميسورين!. وبعد شفاءه يتم إعادته الى مكانه الذي اخذ منه. فالمجنون والمخبول والمختل عقلياً، لا حول له ولا قوة، ولا يعرف ماذا يحدث، ولا يستطيع ان يشكي حاله أو يتكلم عما حدث له. وهكذا يبقى أمرُ تلك العمليات الطبية غير الشرعية طي الكتمان. وبذلك يظهر لنا جليا واضحاً الخطاب الانساني الموجّه عبر إشارة سيميائية، تنبه وتحذر من تفشي هذه الظاهرة التي تحمل الكثيرة من القسوة وانعدام الرحمة والانسانية. عمدت الروائية بجعل فصول الرواية معنونة، بعناوين هي نتاج التفاعل الحاصل عن كل فصل، وكذلك جعلت لكل فرع من تلك الفصول تسلسل مُرقّم، لتمنح حريةً ومساحة للقارئ من أجل متابعة الاحداث بشكل مريح وواضح. ونتوغل أكثر في متابعة حركة الأحداث والعملية السردية التصاعدية. بعد أن يكون دكتور سالم قد تورطَ في القيام بمهامه الطبية في تلك العمليات غير الشرعية. ولم يجد بداً من الخلاص. إذ أن ملامح التهديد كانت واضحة في نبرات صوت زميله دكتور مالك: " تذكّر كلمات مالك التي لم يستطع أن يعرف إلى الآن أكان تهديده فعلياً أم هو مجرد تخويف؟. ( لا تحاول.. لا مجال للهرب لأن العواقب قد لا تسر حين تحاول التمرد على مشيئة "الكبار".. يالها من ورطة !. كُنتُ سأتحمل "العواقب" لو لم يكن لي عائلة أخاف على أفرادها من انتقام يد قادرة على الوصول إليهم في كل مكان. اللعنة على الكل." (ص 71 ) ثم تتطور الأحداث وهي تسير نحو تأزّمها، وتنشأ محطة لإستقبال المرضى الذين يُعانون من عجز وفشل كلوي، وهم على استعداد لدفع مبالغ طائلة للحصول على من يتبرع بكليته لهم. وتستمر عملية البحث عن المجانين والمختلّين عقلياً وخطفهم، لانتزاع كليتهم عنوة ودون موافقة!. ولم تخلو أحداث الرواية من مفاجآت في مواطن كثيرة من أحداثها. منها حصول سالم على بطاقةٍ تنقذه من مواقف خطرة. وطلاق زوجته.. والمفاجأة الكبيرة أنتحار دكتور مالك لاسباب غامضة، ومن هنا بدأت الأحداث تأخذ مساراً آخر. إذ سنتابع العلاقة العاطفية بين دكتور سالم ونادية زوجة دكتور مالك. كما سنجد بعض التفاصيل عن حياة والد الدكتور سالم.. يأتي ذلك بعد وفاتها في بيتها العتيق، وعثوره على صندوق فيه دفتر لمذكرات وحياة والده. وهكذا يستطيع دكتور سالم الإفلات من تلك الشرنقة - التي كانت تُضَّق عليه الخناق – لينتقل من الظلمة والافكار الكئيبة، الى عالم مشرق نقي.. فقد وجد سعادته وحياته بحب الناس والتعاون معهم.. وبتلك العلاقات العاطفية التي عاشها، عمدتْ الروائية بتحويل إدارة دفة الاحداث الى السارد العليم، الذي صار يتناوب مع الشخصية التي يتحدث عنها ويروي لنا حكايتها، بانتقال السرد الى الضمير المتكلم "أنا" بشكل تلقائي ودون تمهيد.. وهو نوع من الأنواع التي تخدم حركة السرد. رواية (سالم مُسَلّحْ) للروائية نغم الݘلبي، تكشف لنا أسرار وخبايا عن تلك الاعمال اللا شرعية التي تحدث في الخفايا ووراء الجدران المغلقة. وهي ظاهرة استشرت وكبرت، وتحتاج الى متابعة وتوجيه وتوعية، وغلق الابواب لكل من تسول له نفسُه استغلالَ مهنته للقيام بهذه الاعمال غير الإنسانية. من اصدارات دار أوراق – بغداد لعام 2022
|
المشـاهدات 540 تاريخ الإضافـة 15/08/2023 رقم المحتوى 27743 |